x

إحسان عبد القدوس.. 23 عامًا على رحيل «قلم لا يكذب ولا يتجمل»

الجمعة 11-01-2013 23:31 | كتب: معتز نادي |
تصوير : other

«أحرص على أن احتفظ بنفسي بعيدًا عن الحاكم.. لأحتفظ بحرية رأيي»، و«تحتفظ بحرية رأيك أكثر كلما ابتعدت عن السلطة.. تسألني: ماذا ترفض أن تبيع؟.. أجيبك: حريتي.. وتسألني بمفهوم المبالغة: ماذا ترفض أن تشتري؟.. أجيبك: حرية غيري».

هذه سطور عرضتها مجلة «الهلال» عام 1977، لشخص يمتلك ثلاثة مواهب كما يقول عنه ابنه، فهو أستاذ في الكتابة الأدبية، وناظر في مدرسة الصحافة، وله البراعة في النقد والتحليل السياسي.

هو «صانع الحب» الذي يمتلك قلمًا متفردًا في تصوير واقع العلاقة بين المرأة والرجل، فيكتب بشجاعة يخشاها البعض، لدرجة عرضته لهجوم البرلمان بعد روايته «أنف وثلاث عيون»، ويقول الكاتب والصحفي الكبير، أنيس منصور: «وصفوها بأدب الفراش.. وهاجمها الأستاذ العقاد، ولا أرى أن العقاد كان على حق، وإنما العقاد كان يعترض على المؤلف أكثر من اعتراضه على إبداعاته الفنية».

إنه الكاتب والصحفي والأديب إحسان عبد القدوس، الذي يشتهر بقصصه القصيرة ورواياته الرومانسية، لكن كانت له على الضفة الأخرى جولات مع السلطة السياسية، كعادة كل كاتب يؤمن برأيه ويقول ما يعتقد، يسعى لدولة لا تعرف الطغيان، وتحقق العدل والحرية لشعبها.

مشاكس مع ثورة يوليو

يشاكس إحسان عبد عبد القدوس في عام 1953 مجلس قيادة الثورة، فيكتب في مجلة «روزاليوسف» مقالاً بعنوان: «الجمعية السرية التي تحكم مصر»، تتشابه سطوره مع أحوالنا الآن، فيخبرك أنه «كنا جميعًا نعلم أنه ليس محمد نجيب الذي يحكم، وكنت خلال هذه الأيام ألح عليها إلحاحًا مستمرًا ليظهروا أمام الشعب»، و«لكنهم أصروا على أن يظلوا جمعية سرية».

ويفاجئك «عبد القدوس» بما لديه من معلومات فيؤكد لك أنه «كانت أعمال هذه الجمعية السرية تخفى ولا تزال على من يتعاون معهم من الوزراء والمستشارين، وعندما كان علي ماهر رئيسًا للوزارة الأولى عقب الثورة، كان يفاجأ بالقرارات كما يفاجأ بها كل الناس، فوجئ بقرار إلغاء الملكية، وفوجئ بإلقاء القبض على زعماء الحزب ورجال السياسة».

ما أشبه الليلة بالبارحة، فلك أن تقارن ما قرأت بما نعيشه الآن، ثم تستكمل سطور الذي لا يكتب بكذب ولا يتجمل حيث يبلغك أن أسلوب الحكم الذي يسير على مبدأ «جماعة سرية» هو «مدعاة لعدم الاستقرار الدائم، وعدم الاستقرار السياسي، وعدم الاستقرار الاقتصادي، وعدم الاستقرار الشعبي».

لكن السلطة كعادتها «ضعيفة» إذا كانت تحكم بيد باطشة، فيتزلزل كيانها وينهار على يد أصحاب الرأي، ولا تجد سوى سجنهم ومصادرة حقوقهم في التعبير، فإن كتمت صوت من يعارضها ترتاح، وإن سجنته فكان خير وبركة، وبالفعل اعتقل الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، لمدة 3 أشهر «عبد القدوس» نتيجة لما كتبه.

كاتب لا يعشق المحاماة

أما إذا أردت أن تعرف حال الشاب «عبد القدوس» قبل ثورة يوليو 1952، فستجد أن قلمه أزعج القصر الملكي حيث فضحه بإثارته لقضية «الأسلحة الفاسدة»، التي تسببت في إلحاق الهزيمة بمصر والعرب في الحرب ضد إسرائيل، عام 1948.

إحسان عبد القدوس، الذي ولد فى أول يناير سنة 1919، نشأ وسط عائلة تهوى الفن والمسرح، فوالدته «روز اليوسف»، واسمها الأصلي فاطمة اليوسف وهي لبنانية الأصل، بدأت حياتها في الفن وتعرفت على المهندس محمد عبدالقدوس، المهندس بالطرق والكباري فى حفل أقامه النادى الأهلي، وكان «عبدالقدوس» عضوًا بالنادي، ومن هواة الفن فصعد على المسرح وقدم فاصلاً من المونولوجات، وتعرفت إليه «فاطمة» وانتهى الأمر بالزواج.

وتخرج إحسان عبد القدوس من كلية الحقوق بجامعة القاهرة، عام 1942، لكنه رغب عن مهنة المحاماة وتركها متجهًا نحو الصحافة فبرع فيها وتولى رئاسة تحرير مجلة «روز اليوسف»، وهى المجلة التى أسستها والدته، كما تولى رئاسة تحرير «أخبار اليوم» ومجلس إدارتها، كما ترأس تحرير مؤسسة «الأهرام» ومجلس إدارتها، وظل كاتبًا متفرغًا فيها حتى مماته.

ثبات المبدأ

مبدأ إحسان عبد القدوس في البعد عن السلطة حتى يظل حرًا في رأيه لم يتغير، رغم أن الأمر كلفه فقدان مناصبه الصحفية في عهد الرئيس الراحل، محمد أنور السادات، إلا أنه اختار أن يكون كاتبًا، فيقول: «أنور السادات صديق قديم، اشتغلنا معًا قبل الثورة، في روز اليوسف ودار الهلال، لكن بمجرد وصوله إلى السلطة ابتعدت مع الاحتفاظ بأواصر الصداقة تطبيقًا لفلسفتي في الاحتفاظ بحرية رأيي، وربما كان تباعدي هذا هو السبب في عدم استقراري في منصب صحفي، لكنني راض بهذا، راض بوضعي ككاتب في الأهرام، فالمركز لا يهمني، كل ما يهمني: حريتي».

أثرى إحسان عبد القدوس المكتبة العربية بالعديد من الأعمال الأدبية، والتي من بينها: «صانع الحب»، و«بائع الحب»، و«الوسادة الخالية»، و«منتهى الحب»، و«زوجة أحمد»، و«دمي ودموعي وابتسامتي»، و«النساء لهن أسنان بيضاء»، وسيدة في خدمتك»، و«زوجات ضائعات»، و«الحب في رحاب الله»، وغيرها من القص والروايات التي تحول العديد منها لأعمال سينمائية.

«صانع الحب» يصعد للسماء

ودع إحسان عبد القدوس حياتنا في 12 يناير 1990، لكن أعماله بقيت معنا، فضلاً عن كلماته فيكتب: «إذا كنت صاحب مبدأ سوف تجد في الشارع السياسي دائمًا من يكمن لك بخنجر في الظلام».

ويدعوك إذا كنت مناصرًا للثورة بألا تيأس ويدفعك بقلمه إلى ضرورة العمل والبحث عن الأمل، فيخاطبك بقوله: «هذا هو الطريق أمامنا.. الطريق هو أن نعمل ونستغل الفرصة التي أتيحت لنا.. أما أن نقف جامدين في انتظار مفاجأة وفوق شفاهنا كلمات السخط والنقد والتردد وعدم الثقة.. فلن يؤدي بنا ذلك إلى شئ إلا أن نفسح المجال لطاغية.. والعبيد هم الذين يخقون الطغاة».

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية