فى ظل الاحتقان الذى يلمسه المرء من حين لآخر بين شقى الأمة المصرية من المسلمين والمسيحيين، يتناسى الجميع أننا جميعاً أقباط، فالقبطية ليست ديانة بل هوية، للدلالة على أبناء مصر، فكلمة قبطى إنما تعنى ـ حسب التفسير اللغوى ـ مصرى. وهذا يعلمه غالبية مسيحيى مصر ويشددون عليه، وفى المقابل يجهله كثيرون من مسلمى مصر غير مكترثين بأهمية الدلالة الإثنية.
ويخطئ الكثير من الإعلاميين عندما يستخدمون مصطلح الأقباط للإشارة إلى مسيحيى مصر، فقط، دون المسلمين وليدرك الجميع أننا أبناء مصر جميعاً أقباط، منا المسلم والمسيحى واليهودى وأصحاب المذاهب الأخرى التى لا يعلمها إلا الله.
وحرى بنا أن نذكر إخواننا الأقباط المسيحيين كيف أن رسولنا الكريم ضرب مثلاً راقياً فى معاملتهم، فعندما راسل النبى الكريم بطريرك مصر أو حاكمها المقوقس ـ حسب الروايات التاريخية ـ داعياً إياه للدخول فى الإسلام، أجابه المقوقس بأنه يعلم أن نبياً سوف يأتى آخر الزمن، ولكنه يستبعد أن يكون من هذه الصحراء القاحلة. وليس هذا هو المهم، بل الأهم أنه أهداه فتاتين من نبيلات مصر (سيرين وماريا)، وكان يخدمها ابن عمها، وبغلة مليحة، وعسلا، وقماشاً، وهدايا أخرى ثمينة، وعندما وصل الركب إلى المدينة المنورة أحسن استقباله وتزوج النبى صلى الله عليه وسلم مارية، وأهدى سيرين إلى شاعره حسان بن ثابت فتزوجها.
ومن المهم أن نشير إلى نقطة يخطئ فيها الكتاب القدامى، وأشعر بغيرة عندما أقرؤها، وهى ادعاؤهم أن مارية كانت جارية والواقع ـ حسب المصادر التاريخية ـ أنها لم تكن كذلك ولا سيرين، بل كانت ابنة لأحد قادة الجيش فى مصر، وقد جمعهم المقوقس وطلب منهم أن يقدم أحدهم ابنته هدية لحاكم العرب، فانبرى أحد القادة المصريين وقدم له ابنته مارية، ونظراً لمقامها الرفيع فقد أرسل معها ابن عمها ـ ولم يكن له ما للرجال ـ ليقوم بخدمتها والهدية تليق بالمهدى إليه فى هذه الحالة، أما وأن الهدية جارية فهو تقليل من شأن المهدى إليه. ونظراً لقيمة الهدية الثمينة فقد أكرمها النبى واتخذ لها بيتاً فى منطقة ظليلة بالمدينة المنورة يتلاءم مناخها مع مناخ مصر، وكانت مارية بيضاء جميلة لا يجبها إلا زينب بنت جحش (رضى الله عنها) وقد أنجبت له الولد.
وقد أوصى النبى صحابته من بعده بقوله «إنكم ستفتحون أرضاً يذكر فيها القيراط فاستوصوا بأهلها خيراً ـ فإن لهم ذمة ورحماً ـ وتنسب المصادر التاريخية إلى الرسول قوله: «إذا فتح الله عليكم بمصر فاتخذوا منها جنداً كثيفاً فهم خير أجناد الأرض وهم فى رباط إلى يوم القيامة»، كما ينسب له أيضاً، قوله «ألا من ظلم معاهداً أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس: فأنا حجيبه يوم القيامة»، وأخيراً يقول السيد المسيح عليه السلام «مبارك شعبى مصر».. فلماذا ننزع البركة بأيدينا من هذا الشعب العريق؟
أستاذ التاريخ كلية الآداب ـ جامعة عين شمس