لم أستغرب كثيراً عندما علمت برشوة مرسيدس والمتورط فيها عدد من كبار رجال الأعمال ورجال السياسة فى مصر، ولم أعرف سبب استغراب واعتراض الكثيرين على مثل هذه الصفقة، فمثل هذه الصفقة يحدث يومياً فى مصر!.. فالرشوة فى مصر تعتبر ضرورة من ضروريات الحياة، مثلها مثل الطعام والشراب، فكل شىء فى مصر لا يسرى إلا بالرشوى، وكأن الرشوة فى مصر هى الأجر الأساسى لكل عامل وموظف!..
أما راتب العمل فهو الأجر الإضافى، بدءاً من عامل البنزينة، الذى ينتظر من كل صاحب سيارة يملأ بنزيناً رشوة أو ما يسمونه «تبس» وإن لم تدفع له هذا التبس، أو دفعت «تبس» غير محترم تجده يطلبه منك كأنه حق مكتسب له، وإن أصررت على موقفك تجده ينظر لك نظرات ذات مغذى، كأنه يدعو عليك فى سره، وكأنك يجب أن تدفع ضريبة على السيارة وعلى البنزين أيضاً!..
ومروراً بحصولك على وظيفة ما، على الرغم من أنك تستحق هذه الوظيفة، ولكنك لست الوحيد الذى ينتظرها، لذا يجب أن تدفع للمسؤول عن التوظيف «تحلى له بقه»، ولكن تحلية البق الآن أصبحت بآلاف الجنيهات، لم تعد بكيلو بسبوسة زى زمان، ومروراً بتيسير كل مصالحك سواء فى عمل بطاقة أو رخصة مرور أو الحصول على توقيع على ورقة للحصول على معاش أو تأمين، ففى مصر يعطونك كل البدائل فهذه الورقة يمكن أن تحصل عليها وأنت مكانك برشوة فى يد المسؤول عن هذا التوقيع، وإن كنت ممن يتقون الله ويؤمنون بأن الراشى والمرتشى فى النار، فعليك بالدعاء إلى الله بأن يلهمك صبر أيوب، فربما ستحصل عليها بعد شهور، إن لم تمتد إلى سنين!..
وإن أردت التهرب من دفع ضرائب فستجد موظف الضرائب الغلبان فى انتظارك!! أو أردت التهرب من تسديد قرض بنك فعليك وعلى موظف البنك وانتهاء بالترقية فى عملك أو الحصول على منصب سياسى أو كرسى فى مجلس الشعب كله بالرشاوى، فلم يعترض الكثيرون الآن؟ ولم لم يعترضوا على كل هذه الرشاوى من قبل؟ فما بنى على خطأ يجب أن ينتهى بخطأ ورشوة مرسيدس ما هى إلا حصاد لما زرعنا سابقاً!