ماذا لو استيقظنا يوما على خبر تبثه وكالات الأنباء بأن المسجد الأقصى، أولى القبلتين وثالث الحرمين، انهار وسقط أمام أعين مسلمى العالم؟! مجرد طرح الفكرة وكتابتها على الورق يقشعر له البدن، ومع ذلك فهى فكرة ليست ببعيدة، حسب قول الخبراء، الذين أكدوا خلخلة أساسات المسجد الشريف نتيجة عمليات الحفر التى لا تتوقف بحثا عن الهيكل المزعوم.. نعم المسلمون يشجبون.. يهللون.. يصرخون.. ولكن إذا انهار «الأقصى» فلن يبقى لنا إلا الحسرة.
تعرض «الأقصى» لكثير من محاولات الاقتحام، آخرها كانت خلال الأيام القليلة الماضية، إلا أن الفلسطينيين وقفوا وتصدوا للأمر ببسالة رائعة.. اعتكفوا بداخله رغم التهديدات الإسرائيلية باعتقالهم ومنعوا المتطرفين اليهود من أن تطأ أقدامهم المسجد المبارك وعلى رأسهم خطيب المسجد الشيخ الدكتور عكرمة صبرى الذى اعتقلته الشرطة أثناء هذه الأحداث، فتحدث لنا اليوم عن السرطان الذى يسرى فى جسد فلسطين، والأرض التى لم يبق فيها مكان للفلسطينيين.. يتحدث عن خطيئة تأجيل تقرير جولدستون، وأصدر فتاوى نارية ضد كل من ساعد العدو فى الحفر تحت «الأقصى».
■ تعرضت للاعتقال مؤخرا من الشرطة الإسرائيلية فى المواجهات الدامية بين الجيش الإسرائيلى والمصلين فى المسجد الأقصى فماذا وجهوا لك من اتهامات وهل سيتم تقديمك لمحاكمة عسكرية كما نشرت وكالات الأنباء؟
- تمَّ استدعائى للتحقيق عشر مرات من جانب الشرطة الإسرائيلية الاحتلالية، وكانت آخرها يوم الثلاثاء ٢٩ سبتمبر ٢٠٠٩م بتهمة التحريض والإخلال بالأمن العام! وقد نفيت هذه التهمة، وأكدتُ أننى أطالب المسلمين بشد الرحال إلى المسجد الأقصى المبارك، وهذا من حقى الدينى، وقد استمر التحقيق ٣ ساعات، وكانت إجاباتى واضحة وصريحة تعتمد على القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة. ولم تجد الشرطة أى ممسك قانونى ضدى.
لذا لا أعتقد أن هناك محاكمة عسكرية ولكن الأمور لا تخلو من محاولات لاعتقالى ومضايقتى من حين إلى آخر.
■ هل ترى الاعتكاف فى المسجد الأقصى محاولة ناجحة لمنع اقتحام الجماعات اليهودية أم محاولة للفت أنظار العالم للقضية؟
- الاعتكاف فى المسجد الأقصى المبارك أمر مشروع ومستحب وغير مقصور على شهر رمضان بل هو مستحب فى كل شهور السنة، ومن حق أى مسلم أن يعتكف فى المسجد الأقصى متى أراد. وقد كان الاعتكاف فى الأسبوع الماضى رداً حازماً حاسماً على اليهود المتطرفين، فلم يجرؤوا على دخول باحات المسجد الأقصى طيلة أسبوع عيد العرش عندهم (عيد المظلة) من يوم السبت ٣ أكتوبر حتى ١٠ أكتوبر ٢٠٠٩م، وما من شك فى أن الاعتكاف قد لفت نظر العالم إلى الأخطار المحدقة بالمسجد الأقصى المبارك.
لذا أناشد المسلمين بشد الرحال يومياً إلى المسجد الأقصى لأداء الصلوات فيه وتلاوة القرآن الكريم والانضمام إلى حلقات الذكر وحضور الدروس والمواعظ التى تتناول مبادئ الدين الإسلامى العظيم القائمة على المحبة والتسامح لتثبيت إيماننا من ناحية والحفاظ على الأقصى من ناحية أخرى.
■ هل ترى محاولات اقتحام الأقصى تجرؤاً طبيعياً ومنتظراً بعد موقف الحكومة الفلسطينية من تأجيل التصويت على تقرير جولدستون الذى خيب آمال العرب؟
- لا علاقة بين محاولات اقتحام «الأقصى» من جانب اليهود المتطرفين، وبين موضوع تأجيل التصويت على تقرير جولدستون المتعلق بالجرائم التى ارتكبت أثناء الهجوم البربرى على غزة، لأن محاولات الاقتحام متكررة سابقاً ولاحقاً، والمصلون والمسلمون يقظون وحذرون من هذه المحاولات، وتمكنوا من إحباطها وصدها باستمرار.
■ هل ترى أن إرجاء مناقشة التقرير جاء بعد ضغوط أمريكية إسرائيلية لدفنه أم تخاذل فلسطينى واستهتار بالحقوق الفلسطينية؟
- ما من شك فى أن أرجاء مناقشة تقرير جولدستون كان نتيجة للضغوط الأمريكية والإسرائيلية، وهذا يؤكد أن أمريكا كانت ولا تزال متحيزة وداعمة لإسرائيل.
■ إذن هل تبرئ ساحة الجانب الفلسطينى الذى طالب بالتأجيل؟
- المطالبة بتأجيل مناقشة تقرير جولدستون كانت خطيئة وليست خطأ.
■ لكن الرئيس أوباما لا يكف عن إرسال رسائل حميمية إلى المسلمين ويلوح بإيمانه بحقوقهم والسلام الشامل العادل ووقف الاستيطان فهل تراها خطباً للإعلام فقط؟
- نعم، إنها خطب إعلامية فقط لتحسين وجه أمريكا فى العالم، ولامتصاص نقمة المسلمين تجاه أمريكا مع التأكيد أن السياسة الخارجية لأمريكا بشأن فلسطين لم ولن تتغير، وستبقى السياسة مؤيدة لإسرائيل.
■ فى رأيك ما الحل لاسترداد القدس التى بات المسلمون فيها أقلية؟
- مدينة القدس تتعرض اليوم للتهويد أكثر من أى وقت مضى، وتخضع لهجمة استيطانية صهيونية قد تغير معالمها تماماً فى حال استمرار الأوضاع الحالية حتى عام ٢٠٢٠، كما بيّنت إجراءات الاحتلال الصهيونى الأخيرة تصاعداً غير مسبوق فى عمليات تغيير الوقائع بالقدس، فرغم تزايد أعداد السكان الفلسطينيين بنسبة ٤٠٠% منذ عام ١٩٦٧ إلا أن نسبة سكان القدس من العرب اليوم لا تتجاوز ٣٥%، والاحتلال يسعى لأن تصبح هذه النسبة ١٥% بحلول ٢٠٢٠،
فسلطات الاحتلال الإسرائيلى بدأت مؤخراً فى تنفيذ سلسلة من الإجراءات التى تهدف لتفريغ المدينة من سكانها الشرعيين من خلال أوامر الهدم الجماعى التى صدرت بحق سكان القدس خاصة سكان أحياء: البستان فى بلدة سلوان، والشيخ جراح، والعباسية، وراس خميس، وجبل الزيتون، وهى الأحياء التى تقع ضمن ما يسميه اليهود «الحوض المقدس»، والتى تشير إلى أن السلطات المحتلة ماضية وعازمة على تهويد مدينة القدس مستغلة بذلك الانقسام الفلسطينى، والأوضاع العامة فى البلاد العربية.. إن مدينة القدس هى لجميع المسلمين فى أرجاء المعمورة، شأنها شأن مكة المكرمة والمدينة المنورة، وعليه فعلى جميع المسلمين حكاماً ومحكومين العمل على إنهاء الاحتلال الإسرائيلى عنها، وهذا هو الحل الجذرى للمشكلة.
■ هذا يعنى أنك ضد مسألة «حل الدولتين»؟
نعم.. «حل الدولتين» وهمى لأنه لم يبق للفلسطينيين أرض تقام عليها الدولة.. خاصة فى ظل انتشار المستوطنات فأى دولة تبقت للفلسطينيين، فـ«حل الدولتين» غير عملى وليس له من هدف إلا تثبيت الاحتلال واستدراج ما تبقى من الدول العربية للتطبيع مع دولة الاحتلال. لكن مصادرة الأراضى مستمرة، و«الاستيطان» مستمر ولم يتوقف، ولم تبق أصلا أراض فى الضفة الغربية لإقامة ما يسمى «دولة فلسطينية»، وسقف المطالبة بالدولة الفلسطينية بدأ يتهاوى حتى كاد السقف يصل إلى الأرض.
■ من أرض الواقع كيف تصف حجم وشكل المستوطنات وإلى أى مدى تراها مؤثرة على مستقبل القضية؟
- المستوطنات الآن أصبحت عبارة عن سرطان فى جسم فلسطين ولا يمكن أن تقوم دولة للفلسطينيين مع بقاء هذه المستوطنات التى مزقت البلاد وشتتت العباد، ونحن المسلمين نعد جميع المستوطنات غير شرعية لأنها مقامة على أرض مغتصبة.
■ البعض يلقى باللوم فى مسألة تهويد القدس على الفلسطينيين أنفسهم ممن باعوا بيوتهم وأراضيهم طواعية مقابل المال مما يسقط حقهم القانونى فى أى مطالبة بالأرض؟
- من فعل ذلك خرج على جماعة المسلمين فلا يغسل ولا يكفن ولا يدفن فى مقابر المسلمين وأنا متمسك بهذه الفتوى، فبيع البيوت أو الأراضى لليهود حرام شرعا، وأن ما حصل من البيوع هو حالات شاذة ونادرة، وقد انقرضت، وما يحصل هو تزوير وتلاعب من جمعيات إسرائيلية لصفقات بيع باطلة.
■ وبماذا تفسر مشاركة مقاولين وعمال عرب وفلسطينيين فى أعمال الحفر بجوار الأقصى الشريف والمساهمة فى انهيار المسجد الأقصى؟
- إن مشاركة مقاولين وعمال عرب ومحليين فى أعمال حفر الأنفاق بالقرب من المسجد الأقصى المبارك غير جائزة شرعاً، ويؤثم كل من يساهم فى حفر الأنفاق، وقد سبق أن أصدرت فتوى شرعية فى هذا الموضوع. إن الأنفاق تمثل اعتداء على الأراضى والمبانى والعقارات الوقفية والممتلكات الخاصة بالمواطنين المقدسيين.
كما أن الحفريات تؤدى إلى طمس وتدمير الحضارة والآثار العربية والإسلامية. وعمل المقاولين والأيدى العاملة يجب أن يكون فى المجالات المشروعة، وأن مصدر المال والدخل لهم ينبغى أن يكون حلالاً وبعيداً عن إيذاء الآخرين، فالرزق بيد الله العلى القدير. لذا يعتبر القائمون على الحفريات والأنفاق آثمين وعليهم التراجع عنها، فإن الحرمة تطال كل من يساهم فى هذه المشاريع من المقاولين والعمال ومساعديهم وكل من يقدم لهم العون لإنجاز أعمالهم الباطلة.
فشبكة الأنفاق تعد اعتداء على التراث والوقف الإسلامى وتهدد بصورة مباشرة الحرم القدسى الشريف وتعكس الحملة العنصرية ضد الوجود العربى والإسلامى فى مدينة القدس بغرض تهويدها.
■ فى رأيك لماذا يقدم الفلسطينيون على هذا الفعل الشائن؟
- سبب المشاركة يعود إلى أمرين: إما إلى الحاجة الماسة للعمل حيث البطالة منتشرة فى بلادنا، وإما نتيجة جهل وعدم وعى بخطورة ما يقومون به.
■ ماذا عن المال الذى يحصل عليه الفلسطينيون من الجماعات اليهودية كنوع من التعويض عن المنازل المهددة بالهدم وبيع العقارات لليهود؟
- لا يجوز شرعا أخذ مال على سبيل التعويض عن المبانى المهددة بالهدم وهذا المال حرام .
■ ما الحكم الشرعى فى بيع بعض رجال الأعمال العرب والمصريين لمواد البناء التى بنى بها الجدار الفاصل؟
- هذا الجدار يؤدى إلى تقطيع أوصال الأرض الفلسطينية وتقطيع أهلها وعزلهم فى مناطق متفرقة أى (كانتونات) بحيث ينقطع المزارع عن مزرعته والطالب عن مدرسته أو جامعته، والأهالى عن بيوتهم، والمصلى عن مسجده، والقريب عن قريبه فهى أشبه بالسجون الواسعة.
بناء على ذلك وانسجاماً مع قواعد الدين الحنيف فإن المشاركة فى بناء وإقامة هذا الجدار وتسهيل إنشائه تُعد من المحرمات فهى غير مشروعة، ويَحْرم العمل فيها، ويكون آثماً كل من المقاولين والعمال وأصحاب الشركات وأصحاب السيارات وتجار مواد البناء والأسلاك وأصحاب الكسارات وكل ما يتصل بهذا الجدار العنصرى الظالم، فهو مقام على أرض مغتصبة، وأن كل مال تحصل من جراء ذلك هو مال حرام يأكله صاحبه سحتاً.
وبهذه المناسبة نطالب الدول التى تتحفظ على الأموال والأرصدة الخاصة بالفلسطينيين بالإفراج عنها حتى يستطيع أولى الأمر وأصحاب الشأن فى فلسطين معالجة موضوع العمال العاطلين عن العمل، ودعم العمال الممتنعين عن العمل فى المصالح الإسرائيلية، لتغطية احتياجاتهم.
■ كيف تقيم حال الأقصى الآن مع استمرار أعمال الحفر.. وهل ترى أن النية عازمة بالفعل على هدمه؟
- بنيان المسجد الأقصى فى خطر الانهيار بسبب استمرار الحفر أسفله وفى محيطه، ونُحمِّل سلطات الاحتلال الإسرائيلية مسؤولية ذلك، وهناك أصوات متطرفة تتعالى بالمطالبة بهدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل المزعوم إلا أن الحفريات لم تعثر على أى حجر له علاقة بالتاريخ العبرى اليهودى القديم، إن (هيكل سليمان) لا أثر له فى مدينة القدس المحتلة، ولا دليل على وجوده، وأن الحفريات «الإسرائيلية» لم تعثر أصلاً على أى حجر له علاقة بالتاريخ العبرى اليهودى القديم، واعترف بذلك خبراء يهود أنفسهم كما أن اليهود لا يستطيعون تحديد موقع هذا الهيكل المزعوم وهم مختلفون فيما بينهم على تحديد موقعه.
■ ما الخطوات التى يجب على الحكومة الفلسطينية وحماس والفصائل المختلفة اتباعها للوقوف فى وجه العدوان؟ وأى رسائل توجهها لهم؟
- إننا دعاة وحدة سابقاً ولاحقاً، ولابد من التوحّد لأن القدس فوق الجميع، كما أن فلسطين فوق الجميع أيضاً.. والاختلاف هو ضعف لنا، فى حين أن الوحدة قوة لنا.