توصيفهم ليس صعبا، لأنهم لن يهبطوا من السماء بمظلات، بل ستلدهم بطون من حضر وبدو سيناء، وسوف ينوء كل وليد منهم بحمولة شاقة من الديون والثأر القبلى المقيت، ولا ذنب لهم فى كل ما سيجرى لهم، لأن الآباء هم الذين أكلوا ما سوف يضرسون سواء من الحصرم أو العلقم، وما علينا فى ضجيج هذه الفوضى التى فرضت علينا إلا أن نحدق فقط إلى أقدامنا وألا نرفع عيوننا لرؤية السماء وما يسعى إليه الجار الصهيونى من التمدد نحو المستقبل لاحتلاله. فإن القادم من الأيام والآلام سيكون مجالا حيويا بامتياز لتجريب كل أشكال الإبادة والتنكيل والإذلال والظلم والحرب الأهلية. ومن كانوا قبل أقل من نصف قرن مائة ألف سوف يتكاثرون فى العقود القادمة ليصبحوا على الأقل بضعة ملايين.
السيناويون القادمون رهائن، فقد جنت عليهم هذه البراقش التى لم تجد غير النعامة لتقليدها فى الدفاع عن نفسها، فالرأس مغروس فى الرمال.. وبقية الجسد أهداف نموذجية لكل الأسلحة، بدءاً من رصاص الطمع والحقد، مروراً بالبلطجة وتوثيق المبادئ الأصيلة، وانتهاء بالجلسات العرفية!!
سيولد السيناوى شماليا أو جنوبياً، وقد تنشطر الهويات الأصلية إلى متوالية شريطية من الهويات الفرعية والصغرى وربما الغريبة، فلا يعود المصرى مصريا إلا باللسان، هذا إذا لم تقضمه أيضاً اللغات المنتصرة، فنصف السيناويين الآن يرطنون بالأبجدية، ويضربون رؤوسهم وهم يبحثون عن مفردة فى لغتهم تعبر عما يشعرون به وقد لا يجدونها!!
السيناويون القادمون- إذا قدموا- لن يبكوا على أطلالنا ولن يذرفوا دمعة واحدة على قبورنا لأننا خذلناهم وهم أجنة فى الأرحام وحملناهم ما لا يطيقون من حماقاتنا وأنانيتنا المجنونة والأثرة التى تجعل الأصابع تخشى بعضها أو تخشى من تصافحه، لكن هل هذه التصورات سجينة مدار مغلق وأن الرجاء لم يعد من قاموس ثقافة طالما كانت مشحونة بالأمل والأشواق إلى التغيير والتخطى الذى هو مسؤولية الدولة ورهن هيبتها!!
المسألة أبعد من ثنائية التفاؤل والتشاؤم وما بينهما كما أنها أيضاً أعقد مما يقال عن نصفى الزجاجة الفارغ والممتلئ خصوصاً إذا كانت الزجاجة مليئة بالدمع الذى يطفو على الدم.. لاتزال هناك بقية من الوقت، فنحن لسنا فى ربع الساعة الأخير، والأرض- كما عهدها منذ الأزل- لن تصلح إلا للجميع بدوا وحضرا، ولن تقبل أن يكون هناك منتصر ومهزوم.. ولن تقبل أن تورث أحفادهم ميراث الغضب.. لكن هذا يتطلب من القط أن يطلق كل إمكاناته كى يعود أسدا أو نمراً، ويكف عن التلهى بالتثاؤب والبحث عن الفئران، واستمراء طعم دمه المهدور عند صخور الجبال وفتحات الأنفاق وبوابات الداخلية!!
العريش