إن أحد مظاهر تقدم أى دولة هو الاهتمام بتلبية الحاجات الأساسية للمواطن وليس فقط الاهتمام بالتقدم التكنولوجى ولا النمو الاقتصادى، ولذلك اهتمت الدول المتقدمة فى العقدين الأخيرين بمتلازمة النمو الاقتصادى ألا وهو تصميم «مؤشرات جودة الحياة» مثلها مثل مؤشرات الأسواق المالية. ولقد استرعى انتباهى فى عام 2005 ما نشرته مجلة «إيكونومست» وهى مجلة متخصصة فى الشؤون الاقتصادية لكل دول العالم أن مصر تتمتع بـ 5.6 نقطة على مؤشر جودة الحياة وترتيبها 80 على مستوى 111 دولة !!..
وهذا المؤشر أعلى نقطة فيه هى 10، وهو يترجم بطرق إحصائية ورياضية مدى الوفاء بالحاجات الأساسية للمواطن من صحة وتعليم ومواصلات وكيفية تمضية وقت الفراغ. والدولة التى حصلت على أكبر النقاط 8.3 هى أيرلندا وترتيبها الأول على مستوى 111 دولة، والمعروف أن أيرلندا لها تاريخ طويل من الخلافات السياسية مع أنجلترا. ومن المثير للتعجب بل والأعجاب أيضا أن تلك الخلافات السياسية لم تمنع الحكومة من الاهتمام بالحاجات الأساسية والحياه الكريمة لمواطنيها. بل ولم تمنع أيضا الشعب الأيرلندى من الإنجاز والتقدم. وهذا ما يمثل أحد المعطيات الأساسية التى يجب أن يعتمد عليها التقدم الاقتصادى!!...
من الحقائق الاقتصادية الثابتة عبر التاريخ أن كل دولة تحقق تقدماً، فى النمو الاقتصادى. ومن الثابت أيضا أن جميع جهود التنمية الاقتصادية تذهب هباءً إذا اقترنت بعدم عدالة توزيع الدخل. بل إن النمو الاقتصادى فى هذه الحالة يزيد من مشاكل الطبقية الاجتماعية فيصبح الأغنياء أكثر غناً والفقراء أكثر فقراً.!!
اهتمت الدراسات الاقتصادية فى الدول المتقدمة بالعلاقة بين معدل النمو الاقتصادى وبين مؤشر جودة الحياة... وأوضحت تلك الدراسات وجود علاقة إيجابية قوية بينهما. فالنمو الاقتصادى فى تلك الدول ينعكس فى أولى مراحله ليس فقط على تلبية الحاجات الأساسية للمواطن بل فى تحسين مستوى جودتها... أذكر أننى كنت ضمن الحضور فى لقاء عام مع سفير إحدى الدول الأوروبية الصناعية الكبرى.
وقال: «إننا كنا نراقب الأوضاع العامة فى مصر منذ سنوات. وكنا ننظر إلى مؤشرات عامة ولكن لها دلالات قوية. فقد كنا نراقب معدلات النمو الاقتصادى فى مصر وكذلك معدلات الفقر حتى تأكدنا فى عام 2008 أن عدم الاستقرار بات واضحا. فقد كان معدل النمو الاقتصادى مضطرداً وكذلك معدل الفقر. وهذا يدل على سوء وعدم عدالة توزيع الدخل على الحاجات الأساسية للمواطنين والذى يخلق اضطراباً اجتماعيا متراكماً». هذا هو ما انتهى إليه حديث السفير. وهكذا أثبتت الأيام أن الأحوال الاجتماعية والاقتصادية والسياسية فى مصر وصلت إلى نقطة الغليان فى يوم 25 يناير 2011. ولعل السادة القراء يشاركوننى الرأى أنه ما زالت نقطة الغليان مستمرة!!.
وهذا ما يستوجب على الحكومة الحالية، حتى إن كانت مؤقتة والحكومات القادمة فى أى زمان أن تضع أولى أولوياتها أدوات وضمانات عدالة توزيع الدخل والوفاء بالحاجات الأساسية التى تساعد فى تحسين جودة الحياة. وإلا فلن يشعر المواطن المصرى بأى تحسن فى جودة الحياة... أرجو أن تكون هذه الكلمة المتواضعة دعوة عامة لمؤسسات حكومية وغير حكومية على حد سواء لتصميم «مؤشر جودة الحياة» بالمقارنة بالمدن والدول المتقدمة فأكبر فائدة لهذا المؤشر كونه مراقبا شعبياً على مدى الاستفادة من جهود النمو الاقتصادى فمن يبدأ؟ ومتى يبدأ؟
أ. د.
عميد كلية الإدارة والتجارة الدولية
جامعة مصر الدولية