x

الغائب

الأربعاء 20-10-2010 20:52 |

دقات على الباب اهتز لها كيانى.. نادتنى من شبه الغفوة، لعله يكون هو!!.. تتسابق أقدامى للوصول الى عتبة الدار لثوانى توقف العقل عن التمييز بين الحاضر والماضى، اختلطت المسميات.. أرى خيالك للحظة وجلة يتعثر.. يتبخر.. أحاول أن أنصت لأمل سرعان ما يتحسر.. أتمعن فى الصمت.

مررت بالقرب من حجرتك المهجورة ولم أستطع هذه المرة ألا أتوقف، همست لنفسى باسمك فتجلجل فى صدى المكان، لحظة تسارعت خفقات قلبى، ارتعشت أقدامى وأنا أتحسس بندول الساعة توقف عن الحركة أُشعل المصباح العنيد، أُريد أن أُحرك ذلك الهدوء الثقيل.. أيُها القادم بلا خطوات الواقف خلف الأسوار والبيت تتلصص صرت تؤرقنى فى الليل وعند أطراف النهار صرت أخاف من قبضة الباب التى تُدار لوحدها.. من رنة الهاتف.. ومن توزيع الأسماء على المقاعد الفارغة.. ومن الخطابات التى ما عادت تأتى أو قَلما من الغيمة المقبلة من البرق والرعد.. من خطوات حفيفة تفاجئنى مثل اليوم لا تترك إلا توتراً يصاحبنى وجعلنى أُدير ظهرى لأيام ليس لى بها ظهيرة.. فى كل ليلة أترك المصابيح فى باقى الغرف مضاءة لعلك تهتدى مرة إلى مكانى الأثير.

صرت كل ليلة أنتظرك تحدثنى عما صار معك فى تلك الأسفار البعيدة عن تلك الصحارى الشاسعة ورمال بيضاء ساخنة وقمر يملأ السماء فيها النجوم، معلقة كتلك المصابيح وأنا كعادتى لازلت طفلة يشتعل قلبها بالحكايات البعيدة، أسدلت على نوافذ ضحكاتى البريئة الستار.

ولكم تمنيت أن أرحل معك يوما إلى آخر الأرض دوما إلى تلك البيوت الصغيرة وتترجل من صفحات التاريخ عناوين الأبطال، أُريد أن أجلس معك تحت شجرة المسافرين، أُريد أن أتجول فى تلك االمساحات الرحبة وأرحل خلف الوديان والتلال.. أُصغى لتلك المقاطع التى ترددها الريح، أتامل وجه التحول أتامل خسوف الشمس فى ذلك السكون العجيب، تتراقص أضواء خافتة فوق حائط الذكريات تتمايل الصور، تلك كانت فى دمشق عند مدخل السوق الحلبى تهفف حولك رائحة المسك تقف تحت ذاكرة الفوانيس العتيقة، تعلمت منك التحليق والتدقيق فى كل التفاصيل فى ألوان قوس قزح.. فى سجاد الكشمير، وتلك كانت فى بغداد تقف مع الأحرار والثوار وخلفك مذياع يصدح منه صوت فيروز:

الله معاك يا هوانا يم فارقنا. وتلك كانت فى عمان أحضرت لى عُقداً من اللوجين والكهرمان يبدد ضيه وحشة الحنين.

وجوه تمر بينى وبينك.. اللذان يبدوان على هامش الصورة يغتنمان الفرصة للسخرية والتهكم، أتحرك قليلا نحوك وأتمهل وكلما حاولت كنت أخفق.

آمال وأحلام كأن السماء بلا حافة، وكأنك ماض إلى ما لا نهاية تكمل فصلاً نهائياً تنتظره وقلت إننا سنعيش، إن شئت أسطورة من الأساطير.

أى مستقبل أنتظر وأى زائر هذا لا يقيم، أهدانى مفاتيح الرحيل كلما دعاك هاتف تُلبى.

سأهبط إلى الوادى الجديد وأرسم حدود الأودية الهائمة سابحاً فى كثبانها، مصغياً لعزف ناى بعيد وهناك فى واحة الغروب تنفجر الينابيع تحت قدميك وتلوح لى بيديك، وها هى تتمايل خضرة مطلة من شرفة عالية، مشهد تفاصيله لا تغيب.

الضوء يتململ هو أيضاً فوق الجدران تاركاً إياى أتأمل الراحلين والعابرين، أخال خطواتهم تقترب منى، تقف خلف أبوابى، تستجدى قلبى وتستوقف فيه ذكريات صاخبة مؤلبة سكون الأزمنة جاءت لتتنزه ثانية فى دهاليز رأسى، تاركة إياى حائرة ما بين صور غائمة وصور مشرقة وصورة أثيرة واحدة ممعنة فى الغياب.

منى عارف - الإسكندرية

ليسانس آداب عضو اتحاد كتاب ، حاصلة على جائزة نادى القصة 2010

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية