x

حلمتُ دائماً أنَّنى أهاجر

الأربعاء 20-10-2010 20:49 |

حلمتُ دائماً أننى أهاجرُ

بعيداً عن هذا العالم،

فلن تخسرَ هذه الملايين شيئاً

حين تُلقى – بعد ثلاثين عاماً –

واحداً منها

إلى البحر.

■ ■ ■

عشتُ دائماً

مع العربة المُلقاة

فى آخر الشارع،

مع الفولِ والترابِ والبَصل

يدخلُ الجوعى صداقةً معى،

أصادفهم فى «المشافى»

تحت العياداتِ،

وألقى السلامَ عليهم

كلَّما ركبوا نعوشاً وطاروا للمقابر.

■ ■ ■

ثلاثون عاماً

أصحو مفزوعاًُ

كلَّما مَرَّ نعشٌ صديقْ،

نحن أصدقاءُ نعوشٍ

وروَّاد جنازاتٍ،

نُجامِل أحياناً

بحناجرَ مَشْروخة.

■ ■ ■

ثلاثون عاماً،

أجوبُ شوارعَ ضيِّقة

ومقابر،

وبيوتاً تتساقَط جدرانُها

كل عدة أعوامٍ،

فتقتل جيلاً أو جيليْن.

■ ■ ■

عشتُ دائماً

مع القاتلين أنفسَهم

رأيتُ واحداً منهم،

يتساقطُ لحمُه على الأرض،

وهو يمشى هادئاً فى الشارع،

أشعلَ النار فى حياته

كأنَّه يُشعل سيجارةًً لصديق،

وآخر قطرةٍ من لحمِه،

لوَّنت حذاء الطبيب

فى «العيادة الشاملة»..

عشرة أعوام

وأمُه هناك،

تبحثُ فى الأرضِ دائماً

عن حياةِ ابنها.

■ ■ ■

هنا ..

يعشق سمرٌ سمراواتِ

ويتركون خطاباتٍ

خلف السلالم،

وحين يكبرون قليلاً

يهجرون قراهم

ويكتئبون،

يقطِّعون أعمارَهم فى «الطوابير»..

وقفتُ دائماً معهم

على ساقٍ واحدة،

أمام شبابيك «بنوك»

وأبوابِ «سفارات»،

وحتَّى أثناء النوم

ثمة بعض «الطوابير»،

فيما فئران مذعورة

تثيرُ غباراً خفيفاً

بين الأقدام،

غبارٌ سوَّد رئتى

أنا الحالمُ بالهجرة

من هذا العالم ..

هنا طوابير «الجمعيَّة»

«أنابيب الغاز»

طوابير «الخبز»

ورغم ذاك،

شبابٌ يضحكون عادة

ويحكَّون ما بين الأفخاذ..

كلما همستْ مؤخِّرةُ امرأة

من تحتِ الجلبابْ.

■ ■ ■

ثلاثون عاماً هنا،

مع غاسلاتِ الصّحون

على شواطئ التُرَع،

يكشفن لَحماً ولوعة

وينتظرِن الأزواج،

واحدةٌ منهن انتظرتْه

عشرين شتاء،

كان ينزفُ فى دولةٍ أخرى،

بعضَ النقود

وبعضَ «الحصى»

ثلاثون عاماً هنا ..

والموتُ مُدهشٌ

رغم أنَّه لا يزال مَوتاً..

■ ■ ■

ثلاثون عاماً،

مع الفئران الهائلة،

صادفتُها دائماً

فى المدارس والبيوت

وفى مكاتب العمل،

وحين صرتُ صحافياً

زاملتْنى الفئرانُ الهائلة

واحتلَّت أدراجى،

وحين كنتُ أغيب،

كانت تأخذُ كرسيى

وتحضرُ بدلاً منى،

فى هذا العالم.

■ ■ ■

حلمتُ دائماً أن أهاجرَ

فلن تجنى هذه الملايين شيئاً

لو ألقتْ – بعد ثلاثين عاماً –

واحداً منها

إلى البحر.

محمود خيرالله  - القليوبية

مواليد شبين القناطر، محافظة القليوبية 1971

صدر له: «فانتازيا الرجولة، لعنة سقطت من النافذة، ظل شجرة فى المقابر، كل ما صنع الحداد»

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية