أكد الفيلسوف الفرنسى جوستاف لوبون- صاحب كتاب سيكولوجية الجماهير، وأكثر من عنى بسلوك الأفراد حين يكونون فى مجموعات- أن الفرد يفقد كثيراً من إرادته حين يكون وسط الجماهير، ولا يتصرف طبقاً لشخصيته الحقيقية، وأنه قد يأتى بأفعال إجرامية لا يقدم عليها أبداً ولا يفكر بها إن كان بمفرده! بهذا فإن مجرد تواجد الناس فى مجموعات كبيرة يشكل خطراً فى حد ذاته، لذلك تخشى الأنظمة- حتى الديمقراطية منها- المظاهرات،
فلو صاح أحدهم وسط المظاهرة بأن الحكومة قتلت متظاهراً فى مدينة أخرى، سيحدث هياج شديد ويتجه المتظاهرون لاستخدام العنف دونما تدقيق أو تحر عن الخبر! أما بالنسبة لتظاهرات 30 يونيو، فبالإضافة للخطورة الكامنة فى الحشد الكبير كما ذكرنا، كانت هناك ظروف أخرى أيضاً تحيط بالمظاهرات، تزيدها خطورة وتجعلها أقرب للانفجار العظيم! فهناك شعور عارم لدى المتظاهرين بالظلم والقهر من سلوك الجماعة ومندوبها فى قصر الرئاسة «محمد مرسى»، بالإضافة لارتفاع درجة الحرارة يومها، والزحام شديد، كما اضطر معظم المتظاهرين للمشى مسافات طويلة جداً حتى وصلوا للميادين، كل ذلك من شأنه أن يجعل الفرد يغضب، ثم يزداد غضباً بالتدريج، ومن ثم يتحول الغضب الفردى لغضب جماعى، ثم.. لكن وبالرغم من كل ما سبق، جاءت المظاهرات المصرية نموذجاً ومثالاً تاريخياً للسلمية، فهناك شعوب أكثر منا تحضراً وأقل عنفاً، أقدمت على عمليات تخريبية فى خضم تظاهرات أقل حجماً وعدداً، نعم.. حدث القليل من أعمال العنف فى بعض المحافظات، إلا أنه مقارنة بعدد المتظاهرين ومقارنة بالعنف المعتاد فى العامين السابقين، نستطيع القول بأنها كانت مظاهرات مثالية أسطورية.. فلماذا لم يحرق قسم ولم يقتحم سجن ولم يسرق كارفور ولم تهاجم وزارة الداخلية مع أن أعداد المتظاهرين كانت تستطيع أن تحرق قارة بأكملها؟! يبدو أن أحداً ما تخلف عن تلك المظاهرات!!!