إلى الذين يجيدون ويمارسون ويستثمرون لغة الرياء والنفاق ضاربين عرض الحائط بكل مفردات المبادئ والقيم والأخلاق، وذلك من أجل مناصب يعتلون عرشها أو منافع ومكاسب يرتعون فى نعيمها أو ألقاب يتحلون بها أو حصانة يتحصنون بها ويستظلون بظلها! ويتذرعون بها لاقتراف جرائم يتأفف ويتعفف اللسان والبيان عن ذكرها وسردها!
فيا سيدى.. هذه رسالة مجدولة بكل معانى العزة والكرامة والزهد والأمانة والإيمان ومخافة الواحد الديان.. سطر سطورها الإمام (أبو حنيفة النعمان)، وذلك عندما اصطفاه واجتباه وزكاه (أبو جعفر المنصور) الخليفة العباسى المشهور، لاعتلاء منصب قاضى القضاة.. إلا أن الإمام رفض وأبى أن يتولاه خشية غضب الله قائلاً لمن زكاه واصطفاه.. يا أمير المؤمنين..
اتق الله ولا تعط أمانتك إلا لمن يخاف الله.. وأنا لست مأمون الرضا والصفا فكيف أكون مأمون الغضب والجفا.. ولو هددتنى بأن تغرقنى فى نهر الفرات، أو أن أعتلى ناصية القضاء، لاخترت أن أغرق فى الفرات، عن اعتلاء ناصية القضاء!! فلديك حاشية مارقة باغية تحتاج إلى من يساندها ويجاملها من أجلك..
وهذا يعز على، ولديك من هو خير منى، والأمر أمرك والقول قولك! فقال له أبو جعفر المنصور: «إنك لمن الكاذبين، فأنت خير من يعتلى هذا المقام الأمين».. فقال له الإمام: «يا أمير المؤمنين.. وكيف تولى أمانة القضاء لرجل تسربت منه الأمانة وكان من الكاذبين».. وهنا أقسم «المنصور» بالله على الإمام أن يتولاه.. فأقسم الإمام رضى الله عنه وأرضاه على أنه لن يتولاه.. وبعد أن تعطلت لغة الحوار بين الإمام والسلطان.. نطق السلطان فتحرك الديوان وقام بسحل الإمام وجره إلى أحد سجون السلطان،
وفى غيابته ذاق مرارة الذل والهوان، والضرب بالسياط والركل بالأقدام، وهو يقول: «يا إلهى إن لم يكن بك غضب على فلا أبالى.. يا إلهى السجن أحب إلى مما يدعوننى إليه ويساوموننى عليه».. سيدى الإمام.. لقد كنت بكل هذا وذاك أهلا لقول رب الأنام (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا فى الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين).
عميد مهندس متقاعد
الإسكندرية المندرة البحرية