لقد اختار الله رمضان، واصطفاه على سائر الأزمان، فهو الشهر الوحيد الذى صرح الله باسمه فى القرآن الكريم، وهو الشهر الوحيد الذى أفاض الله فيه أكثر نعمه على عباده.. ومن عظمة هذا الدين تحرر العقل الإنسانى من أغلال التقليد والجمود.. وحثه على التفكير والنظر والتأمل فى صنيعة الخلق والخليقة، وعلى اقتحام الحجب وكشف الأسرار فى الكون الفسيح، كى يستطيع خدمة الإنسانية والارتقاء بها من خلال مشاريع تكنولوجية، وجعل أصل التعارف الإنسانى هو تخطى الفوارق بين الناس، والتقوى هى محل الأفضلية ومنفعة البشرية.. المغزى من الصوم هو تربية العقول وتغذية الأرواح، وتنظيم الحياة تنظيما راقيا يخلق الصبر وقوة التحمل، ونبل الأخلاق يشعل ثورة عارمة داخل النفس ضد إيذاء البشر والظلم والجور على الآخرين..
«شهر رمضان الذى أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان».. مصطلح رمضان يوحى برحلة مباركة فى معية الله يدركها الصغار باحتفالهم بقدومه فى كل مكان، ويعيها الكبار بدرء مفاسد الحياة والترابط على الطاعة.. رحلة روحية تنير الحياة بنور الصفاء والطهارة، والثورة على الأخطاء الدنيوية، ومفاسد الحياة.. خشوع كامل لمعية الله، ووفاء مع الله فى القول والعمل.. فما أعظم هذا الشهر الذى يفوح بالثورة على الباطل وفيوضات الرحمة وبركات من السماء، ليصبح مصدرا للخير، وإيحاء للطهارة ونفحات الربوبية! فما أعظمها من ثورة، وما أجملها من منح وعطايا إلهية وفيوضات ربانية علينا اغتنامها!.
