فى أكتوبر 1949 أثناء ذهابى إلى المدرسة الابتدائية، اندفع شاب بالغ الأناقة والوسامة، يرتدى بذلة كاملة وطربوشاً إلى شارع شبرا العام وهو يصرخ بأعلى صوته «الوفد زور الانتخابات»، وكان حزب الوفد قد فاز بالأغلبية الساحقة، واحتل 80٪ من مقاعد البرلمان فى انتخابات، ربما كانت الأكثر نزاهة، أجرتها وزارة محايدة برئاسة حسين سرى باشا! أحسست بدهشة بالغة، وتصورت أن هذا الشاب مجنون، وتساءلت ماذا يعنيه ويؤرقه ويزعجه ويجعله يتصرف هكذا كالمجانين ويصرخ بالشارع على هذا النحو؟!
ومرت سنوات وجاءت ثورة 1952، وعشت فى بيات شتوى سعيد، وكان صباح كل يوم فى الخسمينيات يعنى نبأ سعيداً يجعلنى أقفز عالياً، حتى جاءت الهزيمة القاصمة عام 1967! وعشنا جميعاً سنوات عجافاً سوداء، حتى جاء الفرح عام 1973.. غير أننا وكالعادة لم نفرح طويلاً إذ جاء الانفتاح الاقتصادى عام 1974، وانفتحت مصر كما لم تنفتح من قبل، وها نحن نتنفس الفساد والبطالة صباح مساء.
أنا الآن أذكر ذلك الشاب، الذى اندفع فى شارع شبرا قائلاً: «الوفد زور الانتخابات» وتصورت وقتها أنه مجنون، وهو لم يكن كذلك بل كنت أنا صغيراً ساذجاً جاهلاً! وكم أتمنى أن تتوقف الأيام أو تمر بطيئة خوفاً من انتخابات مجلس الشعب القادم!
إننى أرى بخيالى اللافتات وأشاهد الاستعدادات ومناظر اللجان، ثم إعلان النتائج، أرى كل ذلك كما رأيته كثيراً من قبل، وهو لن يختلف قيد أنملة! أتمنى انتخابات نزيهة نذهب إليها جميعاً وندلى بأصواتنا بالرقم القومى، تحت رقابة قضائية، وأن يفوز الحزب الوطنى بما لا يزيد على 70٪ من المقاعد! هل هذا كثير على مصرنا العظيمة ذات التاريخ المجيد؟!