قبل قيام الثورة، وفى عهد الملك فاروق كتب الشاعر الكبير كامل الشناوى قصيدة شهيرة مطلعها «أنت فى صمتك مرغم!!».. بعد قيام الثورة تعدل المطلع إلى: «كنت» فى صمتك «مرغم»!!.. وكانت قصيدة «نشيد الحرية» التى صاغها الموسيقار محمد عبدالوهاب هى النشيد الوطنى المصرى من سنة 1952 حتى سنة 1960!.. ولمن يرد تذكره يستمع إلى موسيقى مقدمة نشرة أخبار البرنامج العام، فتلك هى المقدمة الموسيقية لأخطر نشيد عبر بصدق عن حال مصر ومازال!..
هذا النشيد ممنوع من الإذاعة الآن! فهو- مع الأسف وبكل ألم- المعبر عن حال مصر فى هذه الأيام، وما أشبه الليلة بالبارحة!.. مطلع النشيد يقول: كنت فى صمتك مرغم.. كنت فى حبك مكره.. فتكلم وتألم وتعلم كيف تكره.. عرضك الغالى على الظالم هان..
ومضى العار إليه وإليك.. أرضك الحرة غطاها الهوان.. وطغى الظلم عليها وعليك!!.. ويمضى النشيد مؤثراً ومعبراً عن الأحوال بمقدمته المثيرة للشجن!.. مصر اليوم فى الأسر وتلك هى أجواء ما كانت تعانيه من جور يوم أن كان الشعب فى صمته مرغماً، وقامت الثورة، ورحل الملك، وأتى أكثر من ملك، وعادت نفس الأجواء!!..
ما أسوأ استعمار النفس بالقهر واليأس والبؤس! نشيد الحرية الممنوع لا يتذكره سوى آبائنا ومن عاصر تلك الأيام!.. وكذلك من يبغى استحضار ما يشحذ من عزم أمة كلت من الغضب!!.. هذا النشيد هو لسان حال الشعب اليوم، وهو ينزف ألماً ودماً، ولا يجد من يكفكف دمعه!.. مصر تبغى هواء جديداً! فمن يطلق سراح الحلم الأسير فى الصدور؟!..
لابد من تطهير مصر من آثام من لا يعرف قدرها!.. لابد أن تنال مصر حقها وقد كثر قهرها!.. يا مصر يا أغلى الأوطان لن يظل الضباب، ولن يستمر سواد الليل فلابد من الفجر!! وأخيراً يبقى فى القلب نشيد «بلادى.. بلادى لك حبى وفؤادى»..
ولكن لابد أن يردد اللسان معه نشيد الحرية فهو المبتغى كى نستطيع أن نقول من القلب مجدداً «بلادى بلادى.. لك حبى وفؤادى!».. وأختتم بما قيل فى نشيد الحرية: «قدم الآجال قرباناً لعرضك.. اجعل العمر سياجاً حول أرضك».. رحم الله الشاعر العملاق كامل الشناوى فهذا هو المرجو دائماً من دولة الشعراء!!