بعد أن ضاق بى الحال فى مصر، ولم أجد ما يكفى من مال لاستكمال علاج أمى ومصاريف إخوتى فقد وجدت نفسى أنا المسؤول عن الأسرة بعد وفاة أبى.. ولم أجد سوى طريقين: طريق أجد فيه نفسى ضائعاً فى بحر الظلمات، أتاجر بالممنوعات وبالعقول وألعب بالنار التى لن تحرقنى أنا فقط بل أسرتى أيضاً..
فقررت أن أضحى من أجل أن تعيش أسرتى- مجرد أن تعيش- فاقترضت مبلغاً من المال من أحد أقاربى، الذين يقيمون فى الخارج، وبعد محاولات عديدة نجحت فى السفر حاملاً حقيبة الهموم على ظهرى إلى كوريا الجنوبية، حيث وجدت من المصريين من ساعدونى للحصول على عمل مناسب فى ظل أننى لا أملك تصريحاً بالإقامة الشرعية هناك.. وكان ما أحصل عليه بالكاد يكفى مصاريف بيتى.. لم أبال بما يشعر به جسدى.. كنت أكتفى بدعاء أهلى لكى أشعر بأن جراحى تشفى!..
وياليت الآلام والجراح دامت فقد تم ترحيلى بعد أن أمسكت بى شرطة الهجرة.. وعدت إلى مصر، وفى المطار قيل لى «حمدا لله على السلامة يا باشا.. نفتح الشنطة ولا إيه؟.. وكل سنة وأنت طيب!» والله أغرورقت عيناى بالدموع مدركاً أن ذلك الرجل لو كان لديه راتباً يكفيه ما طلب رشوة.. المهم بحثت طويلاً عن عمل ووجدته براتب خمسمائة جنيه فى الشهر.. أما أمى المريضة فبعد معاناة طويلة حصلت لها على قرار بالعلاج على نفقة الدولة، وبرغم أن علاجها يكلفنا ثلاثة آلاف جنيه فى الشهر فقد أعطونى قراراً لها بمبلغ 800 جنيه فى ستة شهور!..
وقالوا لها أنت زيك كتير هنعمل إيه!.. لدرجة أنها انفعلت وبكت وقطعت القرار!.. وأخذت أبحث عن عمل إضافى مسائى ووجدته والحمد الله.. وأنظر إلى حياتى وأتحسر، وصدقنى أنا لا أطمع أن أتزوج ولا أفكر فى سيارة أو شقة!.. والله أوضاعى تجعل كل هذا لا يخطر على بالى إطلاقاً!..
كل ما أحلم به أن يأتى رجل يستطيع أن يحكم 100 مليون مواطن مصرى، ويحثهم على التغيير، لأن الشعب قد تعود ممارسات ومعاملات خاطئة، وأخاف أن تكون بعد ذلك تراثاً ثابتاً يتبعه القادمون كالرشوة والإكرامية واللامبالاة.. وأتساءل هل يمكن للبرادعى أن يغير فكر ويزرع فكراً جديداً؟..
هل من الممكن أن نختار شاباً قوياً للحكم؟.. هل من الممكن أن يأتى يوم من الأيام أنام ولا أشعر بآلام بجسدى؟.. هل يأتى يوم من الأيام تجف فيه دموع أمى وأختى؟.. هل ذنبى أننى ولدت مصرياً؟.. أنا لا أنتظر معجزات.. لكنى أريد العدل.. فقط العدل!
الساحل- شبرا