جذبته عبر أثير دار الإذاعة البريطانية كلمات حلوة رقيقة، اتخذتها الإذاعة كمقدمة لبرنامج لها اسمه «صندوق النغم»، الكلمات هى «من لم يهزه العود وأوتاره والربيع وأزهاره والروض وأطياره، فاقد للمزاج ليس له علاج!» العجيب أن هذه الكلمات العذبة قيلت منذ نحو ألف عام، والأعجب أن قائلها إمام فقيه وعالم دين إسلامى كبير هو «أبوحامد الغزالى»، الذى أطلقت عليه ألقاب عدة منها زين الدين، حجة الإسلام، أعجوبة الزمان، مفتى الأمة إمام أئمة المسلمين... إلخ والمولود عام 450هـ الموافق 1058م فى مدينة «قوس» بخراسان «هى مدينة مشهد حالياً وتقع فى شمال شرق إيران» وتوفى عام 505هـ الموافق 1111م، بعد أن جال وعاش فى العديد من بلاد إيران والعراق والشام والحجاز وفسلطين ومصر، ورغم قصر عمره نسبياً، فله مؤلفات كثيرة شهيرة يقدر عددها بالمئات فى علوم الفقه والفلسفة وأصول الدين والتصوف والأخلاق، ولعل من أهم مؤلفاته إحياء علوم الدين، الأدب فى الدين، مقاصد الفلاسفة، شرح الأسماء الحسنى.. إلخ، اشتهرت كتاباته وتميزت بجودة الألفاظ ورشاقة العبارات ودقة المعانى، ومن الغريب أن نجد مثل هذا العالم الإسلامى الجليل المستنير المجدد، وهو الكثير الأسفار والترحال، الواسع المعرفة والاطلاع، المتنوع المؤلفات والغزير الإنتاج، نجده وقد حباه الله ومتعه بحس فنى مرهف وذوق رفيع وعشق لآلة العود الموسيقية، وحب الطبيعة بجمالها وزهورها وطيورها، وقد تجلت مشاعره تلك فى القرن 11م، فى حين ونحن فى القرن الحادى والعشرين الميلادى، نجد مشاعر البعض مشوبة بالبغض والتخلف والجمود وبين هؤلاء من ينبذون الفنون بل يحرمونها، ويقمعون حرية الفكر والكلمة ويحاربونها، ويستهجنون ملكة الإبداع ويهاجمونها بعنف وقسوة وشراسة وبلا هوادة!.. وكأننا مازلنا فى مجال الجاهلية بظلمتها الدامسة المعتمة، وتخلفها السحيق البعيد، ولكن ما أولانا وقد وجدنا فى ماضينا البعيد ضى كلمات حلوة ككلمات الإمام الكبير، ليبدد شيئاً مما نحن فيه ويجعلنا نتطلع إلى مستقبل باسم زاهر، قريباً كان أو بعيداً وكل الأمور بإذنه تعالى وهو سبحانه القادر المعين.
مصر الجديدة