x

هل أخطأت؟

الإثنين 17-06-2013 21:20 |

أتابع بابكم بصفة شبه منتظمة، وأسعدنى أن يكون لـ«السكوت ممنوع» صفحة أسبوعية تضيف إلى ماينشر فى الباب اليومى، ولقد قرأت رسالة « بين نارين » المنشورة هنا بتاريخ 6 مايو الماضى للمستشار أحمد عبده ماهر، وهو كما ذكر محام بالنقض وكاتب إسلامى.. قرأت رسالته أكثر من مرة، وبعدها بحوالى أسبوع قرأت مقالة للدكتورة نوال السعداوى بعنوان «إباحة التبنى وانتصار العدل على الشرع »، وهوعنوان قاس فالشرع هو العدل.. نعم نحن فى عصر كثرت فيه فتاوى التحريم، وتطرقت إلى أمور مظهرية كحلق اللحية، أو صوت المرأة أيا كان، أو ما يتعلق ببعض الفنون وغيرها !! ورغم أننى لست رجل دين، ولكنى مسلم ملتزم، فأنا أرى أن التحريم حق مطلق لله سبحانه وتعالى لا يشاركه فيه أحد، وهو فقط الذى بين لنا ما حرم علينا !!..

ولكن أحيانا يقف المرء حائرا أمام مواقف إنسانية لا يدرى كيف لها من مخرج آمن؟!.. دعنى أقص عليك تجربة قاسية مررت بها، وأعتذر مقدما عن عدم ذكر اسمى !.. فأنا خريج كلية طب شهيرة منذ سنوات طويلة، وحاليا أستاذ مساعد بتلك الكلية.. تخصصى هو جراحة المسالك، والحمد لله يشهد لى الجميع بالكفاءة العالية وحسن الخلق.. بداية دعنى أشرح لك موضوعا طبيا بدون الدخول فى تفاصيله العلمية، تمهيدا لطرح الموقف الذى تعرضت له!!.. يولد الطفل «الذكر» الطبيعى وينمو تدريجيا وله خصيتان فى كيس الصفن، ولكن هناك من المواليد من يخرج للحياة بخصية واحدة أو خصيتين داخل البطن، لم تنزلا فى كيس الصفن.. الأطباء يلاحظون ذلك فى الشهر الأول لولادته، وأحيانا يتم الانتظار لمدة ستة أشهر، فإذا لم تنزلا نلجأ لعمل جراحة لإنزال الخصيتين فى كيس الصفن.. الخصية المدفونة داخل البطن يطلق عليها «الخصية المعلقة»، أو كما ذكرت يمكن أن تكون الخصيتان معلقتين..

 باختصار الخصية هى مصدر إنتاج الحيوانات المنوية، ولابد أن تكون خارج الجسم البشرى نظرا لانخفاض درجة الحرارة خارج الجسم، وللحفاظ على نشاط الخلايا الأم فى الخصية، فإذا لم يتم عمل جراحة خلال العام الأول للطفل فإنهما تتلفان.. وعمليا نحن نقوم بإجراء الجراحة عند اكتشاف الأمر وأيا كان السن، منعا لحدوث أورام وأمراض نفسية مستقبلا، ولكن تظل الحقيقة العلمية أن عدم إجراء جراحة «للمولود» فى الوقت المناسب، فى حالة خصيتين معلقتين فإن الإنجاب يصبح مستحيلا.. أما فى حالة خصية واحدة معلقة فيمكن الإنجاب، ولكننا نقوم بإنزال الخصية المدفونة تلافيا لأى مضاعفات.

بعد تخرجى وحصولى على درجة الماجستير فتحت عيادة بأحد الأحياء الشعبية كجراح مسالك.. وذات يوم حضر شاب فى العشرينيات ومعه زوجته.. وفى حجرة الكشف أبلغته أنه بحاجة لجراحة لإنزال الخصيتين المعلقتين، ومع علمى باستحالة إنجابه أضفت قائلا: « لكن الإنجاب قسمة ونصيب وقضاء ربنا !» وإذا به يعلق: « الحمد لله.. عندى الولد والبنت وكفاية علىّ كده !!».. ذهلت.. تركته يرتدى ملابسه، وخرجت مهرولا إلى غرفة مكتبى حيث زوجته، ولم أمهلها همست فى أذنها بكل ماورد فى قاموس الشتائم القذرة، مضيفا «بتخونيه يا.... الراجل مابيخلفش، الواد والبت مش ولاده !!».. وارتجفت قائلة: «أبوس إيدك استر علىّ وماتتكلمش، أنا هجيلك هنا بكرة !!».. طلبت من صاحبنا أن يقوم بعمل بعض التحاليل ويعود بعد أسبوع وانصرفا.. وظللت طوال الليل أفكر فيما حدث وكيف سأتصرف.. جاءت المرأة فى اليوم التالى، وجلست تبكى وتتوسل إلىّ ألا أخبره لانه سيقتلها ويقتل الطفلين وسيسجن، وأنها تزوجته ضغطا من أهلها، وكانت تحب أحد أصدقاء أخيها، وأخطأت معه عدة مرات بعد زواجها !!.. وأنها نادمة !! وعرضت علىّ نفسها إذا أردت مقابل صمتى عن جريمتها!!.. فانهلت عليها بمزيد من الشتائم، وطلبت منها الانصراف على أن تحضر مع زوجها يوم إحضاره التحاليل !! كنت أعلم أن والد أحد طلابى بسنة الامتياز صديق شخصى لذلك الكاتب الكبير بجريدة الأهرام، حيث كنت أتابع بريده وحلوله للمشاكل العديدة التى يطرحها أسبوعيا!.. وقصصت على الطالب ما حدث وطلبت منه أن يقوم والده بسرعة بأخذ رأى كاتبنا العظيم!.. كنت قلقا من أخذ رأى الشيوخ بدار الإفتاء فقد مررت بتجربة شخصية كانت الفتاوى فيها متعارضة!!.. وجاءنى الرد: لا تخبرالرجل بخيانة زوجته، وتصرف بحيث تأخذ عليها المواثيق بعدم خيانته!! ودخلت فى دوامة نفسية حتى حضر لعيادتى الرجل وزوجته، وأدرت حديثا عرفت منه كل بيانات الزوج وعنوانه و.. الخ، وعرفت أنها حاصلة على الثانوية التجارية ولا تعمل لتفرغها لتربية الطفلين!!

 وأشرت إليها أن تحضر لعيادتى فى اليوم التالى.. وحضرت وأبلغتها بأننى لن أخبره، وعليها أن تكتب «بخط يدها» ورقة اعتراف بكل ما أخبرتنى به، وأن تتردد علىّ كل فترة.. وكتبت ووقعت وبصمت أيضا !!، وخلال ترددها العديد من المرات حدثتها عن الحلال والحرام وعن التوبة، وقد أقسمت لى على المصحف أكثر من مرة أنها تابت وندمت وأنها أصبحت تصلى، وأنها تدعو لى لسترى عليها، وأنها تبذل جهدها لإرضاء وإسعاد زوجها لشعورها بالذنب تجاهه!!.. مرت الأيام وانتقلت إلى عيادة بأحد الأحياء الراقية وانقطعت الصلة.. ولا أعرف هل أخطأت أم أصبت بمنع جريمة قتل مؤكدة؟... ولكنى خلال سنوات عديدة وكلما تذكرت الأمر لم أجد تصرفا آخر أفضل!!.. ختاما أشير إلى أنه خلال السنوات القليلة الماضية أصبحت إجراءات الزواج تشمل تقديم شهادة طبية للمأذون أو للكنيسة بعدم وجود مانع للإنجاب.. هذه الشهادة لا تستخرج إلا من ( المستشفيات الحكومية فقط) وللأسف يتم تقديمها وختمها بدون إجراء التحاليل للطرفين!.. لذا أناشد من خلال نافذتكم ضرورة إجرائها، وكفانا تدليسا !!

أ. د / طبيب مسالك بولية

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية