أود أن أسجل هذه القصة -من واقع كتابات العهد القديم- لأوضح الفرق الجوهرى بين مشورة الشيوخ ومشورة الشباب المتهورين!!. كان «سليمان الحكيم» قد طلب قتل شخص يدعى «يربعام» لأنه كان يظن أنه يود أن يصير ملكاً بعده!! فهرب «يُربعام» إلى مصر وظل فى مصر إلى وفاة سليمان الملك.. بعد وفاة سليمان الملك اجتمع كل شعب بنى إسرائيل ليقيموا ابنه «رحبعام» ملكاً خلفاً لأبيه، ولماسمع بذلك «يربعام» حضر من مصر ليشترك مع الشعب فى تنصيب «رحبعام» ملكاً.
وذهبوا جميعاً إلى «رحبعام» وقالوا له: (إن أباك كان قاسياً علينا ونحن نطلب منك أن تخفف علينا من قسوة أبيك ومن الأحمال القاسية التى وضعها علينا حتى يمكننا أن نخدمك)، فقال لهم «رحبعام»: (اتركونى ثلاثة أيام حتى أجرى مشورات ثم احضروا عندى لأقول لكم بما سوف أفعله!). ذهب عنه شعب بنى إسرائيل حسب طلبه، أما هو فاستدعى «الشيوخ» الذين كان يحيطون بوالده سليمان الحكيم، وعرض عليهم الأمر وطلب منهم المشورة، فقالوا له: (إن صرت اليوم عبداً لهذا الشعب، وخدمتهم، وأحببتهم، وكلمتهم كلاماً حسناً، يكونوا لك عبيداً كل الأيام)..
ثم استدعى بعد ذلك «الشباب» الذين من جيله وقد نشأوا معه وعرض عليهم الأمر وطلب منهم المشورة، فقالوا له: (قل لهم أبى وضع عليكم حملاً ثقيلاً وأنا أزيد عليكم هذا الحمل، أبى أدبكم بالسياط وأنا أؤدبكم بالعقارب)... وبعد ثلاثة أيام حضر شعب بنى إسرائيل ومعهم «يربعام» إلى «رحبعام» ليسمعوا منه الكلمة الفاصلة.. فكلمهم بالمشورة التى «سمعها من الشباب» وترك عنه مشورة الشيوخ وقال لهم: (أبى وضع عليكم حملاً ثقيلاً وأنا أزيد عليكم هذا الحمل، أبى أدبكم بالسياط وأنا أؤدبكم بالعقارب)..
وهنا تمرد الشعب كله على «رحبعام» وقاموا بتنصيب «يُربعام» ملكاً عليهم، وبذلك انتهت مملكة سليمان التى ورثها من داوود النبى أبيه على يد الابن الطائش «رحبعام» الذى تخلى عن حكمة الشيوخ، وظن أن القوة تكمن فى استخدام القسوة فى الحكم... وهكذا نرى أشد احتياجنا إلى حكمة الشيوخ الأوفياء الذين «ليس لهم مصالح شخصية» وراء النصائح المخلصة التى يقدمونها.. ورأس الحكمة مخافة الله!!