الارتباك الذى يغلف المشهد السياسى، جعلت كل إجاباته تحمل إشارات خطيرة لما ينتظرنا من سوءات تمرير الدستور الذى تم تفصيله ليناسب مقاس السلطة الحاكمة.
رأى الفقيه الدستورى الدكتور جابر نصار أن الشهور الـ5 الماضية أصابت القضاء المصرى بجروح يصعب التئامها، خاصة بعد أن اشتبكت سلطات الدولة مع بعضها وتغولت على السلطة القضائية مما نال من دورها وقيمتها وهيبتها. «نصار»، فى حواره لـ«المصرى اليوم»، يحلل المشهد القضائى بعد إقرار الدستور، ويستشرف مستقبل القضاء فى ظل خضوع القوانين المنظمة له بمجلس الشورى، ويؤكد أن هذا المجلس لا يتمتع بتأييد الشعب وأنه غير شعبى ولا قيمة له، ولذا ليس من حقه إصدار تشريعات. والى نص الحوار:
■ كيف ترى المشهد الآن؟
- نحن فى أزمة تكمن فى عمق النظام السياسى فى مصر، وفى طريقة تفكيره وتكوينه، نظراً لانتماء قياداته إلى جماعة الإخوان المسلمين التى قامت طيلة عمرها على مبدأ السمع والطاعة والمركزية الشديدة فى اتخاذ القرار، وهذا النموذج عندما ينتقل من الجماعة إلى تنظيم الدولة يؤدى إلى مخاطر شديدة وصدامات ومشكلات حقيقية، لذا يعتمد قيادات الجماعة الموجودون فى الحكم على الإقصاء ويستخدمون لغة من عمق الماضى، قائمة على تخوين وتسفيه المعارضين لهم فى الرأى، خاصة الذين يقودون معارضة جدية، عمق أزمة «الحرية والعدالة» فى أنهم يريدون أن يحكموا ويعارضوا فى نفس الوقت، فهم لا يريدون الانفتاح على التيارات الأخرى، لذا يستخدمون وسائل بدائية فى مواجهة المعارضة كالبلاغات التى تخون، ونتهم معارضين بقلب نظام الحكم أو التخريب أو التحريض، وظهرت أزمة الجماعة فى تعيينات مجلس الشورى، التى كشف أن النظام يحاول صناعة معارضة أخرى جديدة من غير الفاعلة، وهذا كان يحدث قبل الثورة، هم لا يتعاملون مع الواقع السياسى ولا مع مفرداته الشعبية، فى دولة حدثت فيها ثورة وزاد فيها وعى الناس، وهذه هى أزمة الحكم الحقيقية الآن.
وجه آخر للأزمة هو عدم إدراك جوانب خطيرة، كالأزمة الاقتصادية التى قد تؤدى إلى مضاعفات، نحن نريد أن توجد رؤية ونتخلص من ضبابية المشهد وتشوشوه عند صناع القرار، الحكومة الحالية، بعيدة تماماً عن واقع الأزمات التى تحدث فى البلاد.
كل هذا يجعلنى أشعر أن مصر مقبلة على إشكاليات ضخمة جدا أهمها ما كان يحدث فى البرلمان قبل الثورة، فى أن القوانين ستصنع على عين فريق سياسى واحد، هذا يكشف أن القوانين ستكون منحازة وستحدث أزمة.
■ وما تقييمك لأزمة القضاء؟
- أعتقد أن الهجمة الشرسة التى تعرض لها القضاء فى النصف الثانى من عام 2012، سوف يؤرخ لها فى تاريخ الدولة المصرية، بعد أن تم النيل من استقلاله بصورة لم تعرفها مصر من قبل، سواء تعلق بالقضاء الدستورى أو بالإدارى أو بالعادى، وهو ما أدى لأحداث تقع لأول مرة فى مصر، بل لأول مرة فى العالم، وهو تعليق العمل بالمحاكم، وكان هناك عداء غير مبرر للمنظومة القضائية بصفة عامة، وهذا اتضح من النصوص، التى جاءت تنظم السلطة القضائية فى الدستور الجديد، ونالت من استقلال القضاء بصورة كبيرة جداً، واسُتخدمت بشكل انتقامى من النائب العام والمحكمة الدستورية العليا، أيضا احتوى على تحصين لأعمال السلطة التنفيذية.
هذا العام يعتبر كارثياً على القضاء، حتى ما سمى فى آواخر الستينيات بـ«مذبحة القضاء»، كانت مجرد قرارات إدارية تم الطعن عليها وإلغاؤها، لكن ما حدث الآن هو مساس صارخ بنصوص دستورية لا يطعن عليها.
القضاء أصابه جروح كثيرة لا تزال تنزف، فما زال بعض المحاكم معطلة عن العمل، ومازالت مشكلة النائب العام والنيابة العامة محتدمة، وسنحتاج إلى وقت طويل للملمة تلك الجراح، ولن يكون الأمر سهلاً.
■ هل طال مصطلح «الأخونة» القضاء؟
- إطلاق مصطلح «الأخونة» أمر غير واقعى، لأن الذى يحول دونها هو عدم وجود كوادر لدى جماعة الإخوان المسلمين، فهى لا تملك القيادات التى يمكنها أن تنهض بالدولة، هذه المشكلة عبر عنها وزير الإعلام عندما تحدث بأنه لا يوجد فى ماسبيرو إخوانى، حتى يعينه فى أجهزة الإعلام، المشكلة الكبيرة بالنسبة للإخوان خاصة والدولة عامة تكمن فى الذين يسارعون إلى «التأخون» وهذا هو محل الخطر على الجميع.
■ لكن هناك مؤسسات تمت أخونتها بشكل كبير وكان الصوت الأعلى فيها لـ«الجماعة» مثل الجمعية التأسيسية؟
- «التأسيسية» لم تتأخون وإنما سُيست، وسيطر عليها اتجاه حزب معين، فحسم التصويت لصالحه، ولا يمكن أن نقيس عليه فكرة الأخونة.
■ بما تفسر الإصرار على تمرير الدستور؟
- كان هناك كثير من الاعتراضات المهنية التى تتعلق بصناعة النص الدستورى وبناء تصور واضح لعلاقة السلطات فى الدولة، مصر لها تراث دستورى محترم، وللأسف الشديد تم ضرب عرض الحائط بهذا الميراث، وتم تفصيل الدستور على مقاس تيار الإخوان المسلمين، لهذا كان هناك إصرار شديد عليه، رغم أن هذه الأفكار لم تُختبر اختباراً حقيقياً، لا فى تنظيم السلطات ولا الحريات التى وضعت عليها قيود أخطر وأصعب مما كانت عليه فى دستور 71، وقلنا هذا مرارا وتكرارا ولم يستمع إلينا أحد، والإشارات التى خرجت من أعضاء «التأسيسية» من الذين صاغوا هذا الدستور أكدت بعد إقراره أنه احتوى قيوداً لم يحتويها أى دستور مصرى من قبل، هذا الدستور يحتوى على مواد ستدخل الدولة فى أزمات حقيقية، كالتى تتعلق ببعض الوظائف التكنوقراط والمهنية من حيث المُدد الزمنية والتجديد فيها، والأمور المتعلقة بالجهاز المركزى للمحاسبات، والنائب العام، والبنك المركزى، وكلها نصوص تم وضعها دون روَية، ولم يؤخذ فى الاعتبار نتائجها الأساسية، لكنها كانت مدفوعة باعتبارات سياسية، وأتوقع حدوث أزمات دستورية على المدى القريب والبعيد، ستظهر عند تطبيق الدستور.
■ ما هى الانعكاسات السلبية التى طالت القضاء بسبب إقرار الدستور؟
- أهمها خروج المحكمة الدستورية العليا من السياق تماماً وأصبحت تابعة لرئيس الدولة، وفى خلال سنة سيُعين أكثرية أعضائها ورئيسها،، وبالتالى فقد القضاء استقلاله، بالإضافة التى تحجيم آثار أحكامها، وتقنين اختصاصاتها.
القضاء المصرى كان الوحيد الذى لعب دورا أساسيا فى مواجهة الاستبداد قبل الثورة، والمحكمة الدستورية هى التى كانت تحمى الحقوق والحريات، وكانت تبطل الانتخابات المزورة، وهى التى حكمت بضرورة الإشراف القضائى على الانتخابات، وبسببها دخل تيار الإسلام السياسى البرلمان.
■ إذن لماذا كل هذا العداء تجاه القضاء؟
- لأن النظام الآن يريد تحييد السلطة القضائية بتقيلم أظافرها، فلا تصدر مثل ما كانت تصدره من أحكام ضد النظام قبل الثورة، الآن سوف يكون هناك قوانين انتخابية وأخرى لمباشرة الحقوق السياسية لا يستطيع أحد أن يطعن فيها، والرقابة السابقة لا يمكن أن تنشئ قانوناً عادلاً ودستورياً حقيقياً، لأن العيوب الدستورية لا تنشأ إلا عند التطبيق، والمثال على ذلك أن الرقابة السابقة لم تستطع أن تخرج لنا قانون انتخابات رئاسية جيداً، وكنا جميعا نتكلم أن هذا القانون غير دستورى وسيئ، لكنه كان محصناً من الرقابة السابقة، هذا الحل السيئ سينصرف الى قوانين مباشرة الحقوق السياسية والانتخابية، ففى المادة 224 المتعلقة بالأحكام العامة والانتقالية، فصلت نظاماً انتخابياً للانتخابات القادمة، كان يكفى أن يكون نصها «تجرى انتخابات مجلسى النواب والشورى والمجالس المحلية وفقا لنظام الفردى والقائمة أو الجمع بينهما أو بأى نظام انتخابى يحدده القانون» فقط، ثم يحدث حوار حول هذا النظام، الإشكالية تكمن فى إدراك مدى خطورة وأهمية الانتخابات التشريعية القادمة التى فصل لها نصاً دستورياً فى المادة 231 حتى يحصل على الأغلبية، ثم تم بصدد قانون خاص بالانتخابات فى مرحلة لاحقة وبهدوء، ولذلك فإن نص 231 منحرف دستوريا وأُرد به التيار الحزبى المسيطر على «التأسيسية» أن يضمن الأغلبية فى الانتخابات المقبلة، وهناك أمر آخر يتمثل فى تناقض النصوص، فعندما يقال فى المادة 177 أن تجرى الانتخابات خلال 60 يوماً بعد إقرار الدستور، وعلى المحكمة الدستورية العليا مراجعة القانون خلال 45 يوماً، «يعنى كل قانون يحتاج إلى 45 يوماً كيف إذن تستطيع المحكمة مراجعة هذا القانون، بعدها هل 15 يوماً كافية للترتيب للانتخابات، هذا تناقض وتضارب صريح بين نصوص الدستور، والحقيقة أن الأحكام العامة والانتقالية وهى تبلغ 36 مادة، لم تناقش فى الجمعية على أى وجه، وإنما أقرت فى ليلة التصويت فى 29 نوفمبر، بل هناك نصوص وضعت فى نفس الليلة، ولم تكن موجودة من قبل مثل إقرار 50% عمال وفلاحين.
■ وكيف يمكن العمل بالدستور بعد إجازته بنسبة 63%، رغم أن العرف السائد فى الدساتير المصرية بأنها تجاز بنسبة ما بين 75%-80%؟
- انتهى الأمر، ولا أحد ينظر لتلك النسب. الدستور فى وضعه لم يكن محل توافق، لذلك هو دستور يؤسس لـ«غصب السلطة»، وبسببه لن تجرى أى انتخابات صحيحة ولا نزيهة، وعلى القوى الوطنية أن تنتبه إلى أن إجراءات الانتخابات فى ظل هذا الدستور ستكون باطلة، ولا يمكن الاحتجاج بنزاهة التصويت فقط، لأن العملية الانتخابية هى عملية متكاملة تبدأ بالنظام الانتخابى، وتقسيم الدوائر، وإجراءات الانتخاب.
■ لماذا تأتى دوماً نتيجة الاستفتاءات بـ«نعم»؟
- لأن الاستفتاء يسهل تزويره، على خلاف الانتخاب، لأنه لا يتواجد فى اللجان مندوبون محايدون، وما حدث فى الاستفتاء الأخير هو فضيحة بكل المقاييس، لأن عدد الناخبين فى اللجان كان أكثر مما يمكن تصوره، فكان فى الصندوق الواحد من 4000 إلى 6000صوت، ولذلك لا يتصور أن هذا العدد لو حضر 50% منه أن يتمكنوا من التصويت ولا حتى 30 % منهم، وشاهدنا الطوابير الطويلة التى لم تتمكن من الدخول، وهذه الطوابير تطعن فى شرعية الاستفتاء ومن ثم شرعية الدستور وإقراره، هناك أمر آخر أنه ولأول مرة يصدر المجلس القومى لحقوق الإنسان تصاريح بالمراقبة لأمناء وأعضاء الأحزاب، مثل الحرية والعدالة والنور، وكانوا يدخلون اللجان ويحضرون الفرز، إذن عدم وجود رقابة على العمليات الاستفتائية يؤدى دائما إلى أن النتائج تكون بنعم، وطبعا الانتهاكات والمخالفات كانت أكثر مما تحصى وتؤكد عدم وجود شرعية للدستور، وهذا أخطر ما فى الموضوع.
■ يقال إن محاولات تقويض القضاء خاصة المحكمة الدستورية العليا هى انتقام منها، لأنها حلت البرلمان بعد أن أعاده الرئيس.. ما رأيك؟
- المسألة كلها حدثت فى إطار التربص بالمحكمة، فلم يكن أمامها فى 2 ديسمبر أى دعوى بحل الجمعية التأسيسية أو مجلس الشورى، لكنهم اتخذوا من هذا الزعم مبرراً للاعتداء عليها، وتمرير النصوص الدستورية الواردة فى المشروع، والتصوير للرأى العام أن المحكمة تدبر مؤامرة على النظام السياسى وستحل المؤسسات، وهذا الكلام غير صحيح، والقرار كان فعلاً استباقياً لشحن الناس دون أن يكون هناك داعٍ، ولذلك كان الإصرار شديداً على ألا تنعقد المحكمة حتى إصدار الدستور، وتغيير تشكيلها، مما يترتب عليه أن المحكمة تصبح غير قادرة على الحكم فى الدعاوى، التى كان من المقرر أن تنظر فيها.
■ رغم الإشراف القضائى على الاستفتاء حدث تزوير وتجاوزات..ألا يعد هذا جريمة فى حق القضاء ونزاهته؟
- لا نريد أن نظلم القضاء، لأن الظروف التى أحاطت بالاستفتاء كانت عصيبة جداً، والإشكالية، فالجو الذى تم إجراء الاستفتاء فيه سواء فيما تعلق بما حدث من تجاوزات وانقطاع للكهرباء فى كثير من المحافظات، ومنع الناس من دخول اللجان يشكك فى نزاهته، وهذا على المدى البعيد يحتاج إلى معالجة، كل هذا كان فوق طاقة القضاء، لأنه كانت هناك عملية مدبرة تنظيمياً، للخروج بالاستفتاء بنتيجة الموافقة، التى لم تكن معبرة عن الواقع، ولو كان أجرى فى ظروف ديمقراطية وحرية وكفالة حق التصويت كان يمكن أن تأتى النتيجة على عكس ذلك تماما.
مصر لديها قضاء محترم له تقاليد وقيم، وهو أقوى مؤسسة منذ زمن بعيد، والذين يتحدثون عن تطهير القضاء وعن فساده عليهم أن يمسكوا ألسنتهم، لأنه كلام قاصر ولا قيمة له، المؤسسة القضائية هى الوحيدة التى لديها آليات للتطهير الذاتى، وتقوم به بكفاءة منقطعة النظير.
■ انقسام القضاة بين من أشرفوا على الاستفتاء وبين من رفضوا.. هل يعد بداية لإنشقاق المؤسسة القضائية؟
- لا أعتقد أن هناك انقسامات، فمسألة الإشراف لا يمكن أن تؤدى إلى انشقاق، هذا مجرد إختلاف فى وجهات النظر، والذين أشرفوا على الاستفتاء لديهم مبرراتهم، وهو قرار يرونه صحيحاً بألا لا يتخلوا عن واجبهم، والذين امتنعوا كانت لديهم مبررات من أن العملية كلها فى إطار أزمة، ولن تكون بديمقراطية وهو قرار أيضا صحيح، أما بالنسبة للمشكلات الموجودة بسبب أزمة النائب العام السابق أو الحالى، وانقسام النيابة بين مؤيد ومعارض، فيجب أن تحل فى البيت القضائى وفى المجلس الأعلى للقضاء، ويجب أن نترك لهم الأمر وهم يعالجونه بطريقتهم.
■ والاعتداء على المستشار الزند؟
- الاعتداء على «الزند» هو اعتداء على القضاء كله، ويؤصل لفكرة الخروج على القانون، لأن «الزند» لا يمثل نفسه فقط، وإنما يمثل نادى القضاة، وهى مؤسسة منتخبة، ولها مواقفها التى يجب أن يتم احترامها، ولا يمكن للنظام أن يتجاهل كل هذه الاحتجاجات دون أن ينفتح عليها، وهذا لا يمكن أن يفهم إلا فى إطار الاحتقان الموجود، وهو مرفوض شكلاً وموضوعاً.
■ ما رأيك فى قول الرئيس إن على القضاة ألا يشتغلوا بالسياسة ويبتعدوا عنها؟
- القضاة لا يعملون بالسياسة، ولا يتدخلون فى الشأن السياسى، هم يتدخلون فى الشأن الوطنى، وهذا ليس محظوراً على القاضى، وعندما يتخذ القاضى موقفاً من شأن وطنى معين كالإعلان الدستورى أو تقويض الحقوق والحريات أو سلب اختصاصات مؤسسة قضائية، هذا كله ليس مسألة سياسية، لكنها وطنية تهم الوطن كله، السلطة القضائية سلطة من سلطات الدولة، عندما تتغول عليها السلطة التنفيذية ممثلة فى رئيس الدولة والحكومة، ويقف القضاة ضد هذا التعدى فلا يمكن أن يكون هذا عملاً سياسياً.
■ كيف ترى إصدار الرئيس إعلاناً دستورياً ثم إلغائه مع الإبقاء على آثاره؟
- بداية أنا رفضت الإعلان الدستورى، الذى أصدره المجلس العسكرى، لأنه لم يكن يملك إصداره، بسبب انتهاء وجوده فى السلطة، ومن ثم لا يحق له تنظيم السلطات بعد رحيله، «مرسى» أيضا لم يكن يملك إصدار إعلاناته الدستورية لأنه رئيس منتخب، ولا يمكن أن يتكئ على فكرة الشرعية الثورية فقد انتهت بتوليه لسلطاته، ومن ثم هو يمارس سلطاته وفقا للإعلان الدستورى فى 30 مارس، وبموجبه يعطى لنفسه حق التشريع، له أن يصدر تشريعاً وليس دستوراً، ما فعله خطأ كبير، وللأسف الوضع تداخل، واستبقاء آثار الإعلان الدستورى الأول أو الثانى فى حقيقته هو غصب للسلطة، والمشكلة فى إصدار الدستور على الشكل النهائى له أدى إلى «اللخبطة» فى ممارسة السلطة، وتسميم الحياة السياسية فى مصر، وجنوح الرئاسة إلى إصدار قرارات وإعلانات تخالف صحيح القانون والقواعد الدستورية المعمول بها، أدى إلى أزمات والنيل من الرئاسة، والملام على إهدار هيبة الدولة والرئاسة هو القرارات غير الصحيحة وغير المدروسة، وللأسف المستشارون الذين يشيرون على الرئيس دون المستوى، والفريق الرئاسى كان بدعة لم تحدث فى أى نظام، ومن ثم كان مردها إما دفع فواتير انتخابية أو إنشاء ديكور سياسى لا قيمة له، وحتى «تمييع» فكرة المسؤولية، لا نعرف حتى الآن من هم هؤلاء المستشارون، صحيح أن منهم من انسحب إبراءً لذمته، لكن يبقى أن هناك من يشير على الرئيس بكل هذه القرارات، أو أنه يأخذ قراراته من دماغه وباجتهاده الشخصى فهذا كارثى، لأن ذلك معناه أن هناك فرداً «بيستفرد» بالسلطة.
■ البعض اعترض على تعيين الرئيس النائب العام الحالى، وطلبوا إشراك المجلس الأعلى للقضاء فى هذا القرار.. ما رأيك؟
- طبعا من حقهم الاعتراض، النائب العام هو جزء من المجلس الأعلى للقضاء، وقرار الرئيس كان قفزاً على المجلس، والمعترضون ليسوا معترضين على شخص النائب العام، وإنما على الطريقة، لأنها نيل من استقلال القضاء، وإذا كانت الرئاسة لها ملاحظات على النائب العام السابق كان عليها أن تتوجه إلى المجلس، وليست المشكلة فى عزل المستشار عبدالمجيد محمود.
■ قال أحد القانونين إنه من حق القضاء الإدارى إبطال الدستور وحل التأسيسية.. ما رأيك؟
- لا.. بالطبع المحكمة الدستورية سوف تحكم بعدم حل «التأسيسية» و«الشورى» أو عدم قبول الدعوى، لزوال شرط المصلحة، كل هذه الدعاوى فقدت جدواها، هذه النتيجة تفرضها على المحكمة النصوص الدستورية التى صدرت، وهذا ما سعى إليه البعض ونجحوا فيه.
■ هل يقبل القضاء أن تخضع قوانينه لتشريع مجلس الشورى وتعديلاته؟
- لا يجوز لمجلس الشورى أن يشرع قوانين، يمكن أن تنتظر مجلس الشعب، لأن «الشورى» يتسلم السلطة التشريعية فقط للضرورة، وهو مثله مثل رئيس الجمهورية عندما استودعت بين يديه السلطة التشريعية، منح «الشورى» التشريع حالة استثائية.
و«الشورى» ليس له ظهير شعبى، فمن انتخبوه لا يزيدون على 6.5% فهو لا قيمة له وليس له اختصاص، وممارساته فى الفترة السابقة كانت قمعية مثل تعيينات الصحف القومية، والسيطرة عليها وعدم تنفيذه الحكم القضائى بعودة رئيس تحرير الجمهورية، مما يؤكد أنه مجلس غير شعبى، «والمفروض أنه موجود لمدة شهرين، لكنه وقع على أجندته أكثر من 15 قانوناً، بمعدل قانون كل 4 أيام، وسلق القوانين فى الشورى غلب سلق الدستور فى التأسيسية».
■ هل ستلقى الانتخابات البرلمانية القادمة مصير الاستفتاء من حيث عدم الإشراف القضائى؟
- الانتخابات القادمة ستكون مشكلتها فى إصدار قانون غير عادل لها، ويمثل رؤية الإخوان فقط، مما سيؤدى إلى تأزيم الموقف خاصة إذا قاطع القضاة الانتخابات بالفعل، ولذلك لابد من وضع نصوص انتخابية عادلة، إنما الإصرار على وضع مادة مفصلة على الانتخابات القادمة هذا انحراف بكل ما تعنيه الكلمة، «ومش فاهم اللى بيدعوا لحوار عن قانون الانتخابات دلوقتى، هم أصلا وضعوا له نظام فى المادة 231، هيبقى هنتحاور فى إيه والأمر محسوم؟، وإشمعنى الانتخابات الجاية دى بالذات؟»، هذا فيه استخفاف بالعقول، كان من الممكن أن نتحاور لو تم الاكتفاء بالمادة 224، هؤلاء يخشون على أنفسهم بعد أن انخفضت شعبيتهم، أو لأنهم يريدون السيطرة على البرلمان القادم، لتكون الـ5 سنوات القادمة تحت سيطرتهم.
■ هل تتوقع إعادة فتح ملف قضية مقتل الثوار فى ظل إصدار الرئيس قانون حماية الثورة؟
- هذا لن يحدث، ولن يحدث فتح أى تحقيقات جديدة، وحتى المستشار طلعت عبدالله صرح لأهالى الشهداء بأن هذه مسألة صعبة ولن تحدث، وما جاء فى الإعلان الدستورى بخصوص إعادة المحاكمات كان لتسويق «البلاوى»، التى جاءت فى الإعلان، حتى يقال إن هناك بعض الأمور التى ترضى الناس، وحتى الشارع نفسه لم يبلع هذا الطعم، وكانت الاحتجاجات عليه كثيرة، وأريد أن أقول إن هذه طريقة فى الحكم لم تعد تتواءم مع شعب ثائر، ولم يعد ينطلى علينا مثل هذه الأمور.