x

الإفلاس يحاصر السلطة الفلسطينية.. و«شبكة الأمان» مجرد وهم

السبت 05-01-2013 17:46 | كتب: جيهان فوزي |
تصوير : أ.ف.ب

استقبلت فلسطين العام الجديد بإعلانات عن سلسلة من الإضرابات فى قطاعات التعليم والنقل والصحة والوظائف العمومية, وذلك بسسب عدم توافر رواتب الموظفين وغلاء الأسعار خصوصا الوقود, نتيجة للأزمة المالية الخانقة التى تعانى منها السلطة الفلسطينية.

هذه الأزمة حال استمرارها تهدد بانهيار مؤسسات السلطة وخدماتها, التى تركتها عاجزة عن دفع رواتب موظفيها وتقديم الخدمات للجمهور. وتفاقمت الأزمة بصورة حادة فى الشهرين الأخيرين بعد إقدام الحكومة الإسرائيلية على احتجاز أموال الجمارك الفلسطينية التى تشكل ثلثى إيرادات السلطة، ردا على لجوئها إلى الأمم المتحدة لرفع التمثيل الفلسطينى إلى دولة مراقب.

وكانت الدول العربية قد تعهدت بتوفير شبكة أمان مالية للسلطة بقيمة 100 مليون دولار شهريا, فى حال أقدمت إسرائيل على احتجاز أموال الجمارك. وكان طلب توفير شبكة الأمان المالية للسلطة فى قمة بغداد قد تمت الاستجابة له فى 3 اجتماعات لوزراء الخارجية فى مصر والدوحة. لكن لم تف هذه الدول بتعهداتها حتى الآن, وربما يعود ذلك إلى التهديدين الأمريكى والإسرائيلى للحكومات العربية لعدم تقديم أى مساعدة مالية للفلسطينيين.

ولا توجد أدوات فى يد الحكومة الفلسطينية لمواجهة فورية للأزمة سوى باب التوجه إلى العرب. غير أن الدول العربية خيبت آمال الفلسطينيين. ويتوقع خبراء الاقتصاد أن تلازم الأزمة المالية السلطة لسنوات طويلة مقبلة, بسبب عدم قدرة الفلسطينيين على بناء اقتصاد حر نتيجة لسيطرة إسرائيل على أكثر من 60% من الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية, وفرضها قيودا على حركة السلع مع الأراضى الفلسطينية وإليها، يما يحول دون نشوء الاستثمار فيها وتطوره.

وبدأت الأزمة المالية فى السلطة الفلسطينية عام 2010 نتيجة تراجع وتوقف بعض الدول المانحة عن تقديم الدعم لها, ما قادها إلى اللجوء إلى القروض ووصلت قروض السلطة من البنوك المحلية 1.2 بليون دولار, وهو الحد الأقصى الذى يمكنها استدانته من هذه البنوك بموجب تعليمات سلطة النقد. وتفاقمت الأزمة بصورة كبيرة عام 2012 نتيجة تراجع النمو الاقتصادى المحلى الناجم عن تراجع الإنفاق الحكومى, كما أن الأموال التى تحتجزها إسرائيل تساوى ثلث إيرادات السلطة التى تعانى أصلا من تراجع الدعم الدولى.

لكن يبدو المشهد السياسى الممتد ما بين مقر رئيس الحكومة الفلسطينية فى رام الله, وديوان الحكومة الإسرائيلية, ومقر رئاسة صندوق النقد الدولى شديد الغرابة خاصة فى ضوء التضييق الاقتصادى الإسرائيلى على السلطة, الأمر الذى يطرح فى الفضاء السياسى العديد من علامات الاستفهام حول مضمون السلطة الفلسطينية ووظيفتها وحول طبيعة العلاقة التى تربطها وتل أبيب!

ففور إعلان السلطة الفلسطينية عن أزمتها المالية الحالية, وعن عجزها تأمين رواتب الموظفين, تدارس ديوان رئيس الحكومة الإسرائيلية الأمر بناء على توجيه من رئيس البنك المركزى الإسرائيلى. وتم الاتفاق على التدخل الفورى والتقدم إلى صندوق النقد الدولى بتوجيه باسم حكومة إسرائيل لمنح السلطة الفلسطينية قرضا بمقدار مليار دولار, تعالج به أزمتها المالية!

وكما هو معروف فإن السلطة الفلسطينية رغم ما لقيته من ثناء الصندوق الدولى لأدائها المالى, فإنها لا تملك المواصفات القانونية التى تتيح لها هى أن تتقدم إلى الصندوق بطلب القرض, فتولت حكومة بنيامين نتانياهو عنها هذه المهمة.

وتعود الأسباب الحقيقية لتولى حكومة نتياهو هذه المهمة , بعد أن التقى د.سلام فياض رئيس الحكومة الفلسطينية فى منتصف شهر أبريل الماضى ستانلى فيشر، رئيس البنك المركزى الإسرائيلى, وشرح له حقيقة الأزمة المالية فى السلطة الفلسطينية والتى أخذت تتفاقم يوما بعد يوم, حيث اقترح فياض على فيشر أن يتقدم باسم حكومة إسرائيل إلى صندوق النقد الدولى بتوجيه لمنح السلطة الفلسطينية قرضا ماليا بضمانات إسرائيلية يخرجها من أزمتها.

وتعد علاقة فياض بفيشر متينة إذ عمل الرجلان فى صندوق النقد الدولي، ونشأت بينهما فى ذلك الوقت صداقة قوية رغم كون فياض فلسطينيا وفيشر إسرائيلي. ومن هنا نقل فيشر توجيه فياض إلى نتانياهو الذى أخذها بمحمل الجد, وأعطى تعليماته بتبنى التوصية مع صندوق النقد الدولى.

ويعود السبب الحقيقى الذى دفع نتنياهو إلى تبنى توصية فياض إلى تخوفه من أن يصاب اقتصاد السلطة الفلسطينية بالانهيار الشامل, وتفكيك مؤسساتها خاصة أجهزتها الأمنية فتسود الفوضى الأوضاع فى المناطق المحتلة, بما يفسح المجال أمام مجموعات المقاومة المسلحة التى تعتبرها إسرائيل إرهابية لاستعادة نشاطها ضد قوات الاحتلال الإسرائيلى ومواقعه, وما يجره ذلك من أعباء كانت سلطات الاحتلال قد تخلصت منها وأحالتها إلى السلطة الفلسطينية وأجهزتها.

غير ان صندوق النقد الدولى خيب أمل إسرائيل والسلطة الفلسطينية أيضا التى مازالت تنذر بخطر الإفلاس وخطر انعكاس ذلك على الهدوء والأمن فى الضفة الغربية وقطاع غزة. ويؤكد الخبراء أن الأزمة المالية فى السلطة هى جزء من أزمتها السياسية التى تقيد تحركاتها, إذ مازالت القيادة ذات النفوذ مصرة على التزام خيارها الوحيد «المفاوضات» وترفض بإصرار الخروج منه نحو خيارات بديلة تعمل على رحيل الاحتلال, وتفتح الباب لبناء اقتصاد وطنى متحرر من تبعية الاقتصاد الإسرائيلى وهيمنته عليه.

ومع الوقت برزت شرائح واسعة ذات مصالح ترتبط بإدامة الوضع على ماهو عليه, تعيش على المساعدات فى صيغة طفيلية، وتتبوأ مراكز قيادية فى السلطة، إن كان فى أجهزتها الأمنية، أو تلك البطانة التى تحيط بمقر الرئاسة فى رام الله.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية