أساليب عدة ارتكبها النظام الحاكم الآن لتضييق على حرية الرأى والتعبير، لكن الأسلوب الأكثر استخداماً هو منع عدد من كبار الكتاب والصحفيين من كتابة مقالاتهم فى بعض الصحف والمجلات القومية، فى إطار سياسة وخطة ممنهجة من القائمين على أمر المهنة فى مجلس الشورى «الإخوانى»، وهو ما وصفه العديد من الصحفيين بأنه يعبر عن ضيق الجماعة من كتابات العديد من الكتاب المناهضة لهم، واتباع أسلوب الحزب الوطنى نفسه، وربما أكبر فى ملاحقة ومضايقة العديد من الكتاب والصحفيين.
الدكتور أسامة الغزالى حرب، الكاتب الصحفى الكبير، أحد الذين طالتهم أيدى الإخوان فى التضييق عليه، ليقرر فى النهاية التوقف عن كتابة مقالة فى جريدة «الأهرام»، لأنه يرى أنها لم تعد الجريدة التى تربى فيها وعهدها على مدار سنوات من عمره.
«حرب» قال فى تصريحات لـ«المصرى اليوم»، إنه قرر التوقف عن الكتابة فى «الأهرام»، بعد أن تأكد أن الجريدة أصبحت موجهة سياسياً، وتأخذ منحنى سياسياً واضحاً تجاه قوى التيار الإسلام السياسى، وقال إنه أخذ قرار التوقف، فى أحد الأيام عندما وضع جريدة «الأهرام» بجوار العديد من الصحف الأخرى ووجدها متجاهلة لأحداث عدة، منها كلمة للكاتب محمد حسنين هيكل، وتعليق للدكتور البرادعى على الدستور الجديد، وموقف القضاء من الاستفتاء، حيث جاءت جميع هذه الأحداث فى مقدمة تلك الصحف، بينما اختفت تماماً من «الأهرام»، وهو ما تأكد معه أنها لم تعد بيته الذى تربى فيه.
وشدد «حرب»، على أن معركة الصحفيين مازالت قائمة ومستمرة، وكل ما فى الأمر أنه تم استبدال الحزب الوطنى القديم بجماعة الإخوان المسلمين، حتى لو تحدثت تلك الجماعة عن الثورة وموقفها منها، لكن فى حقيقة الأمر هذه الجماعة تحمل العديد من الكراهية تجاة الصحافة والإعلام، وهو ما عكسه تصريحات قادتهم المتكررة التى شبهت الصحفيين بسحرة فرعون.
وأشار «حرب»، الى أن حزب «الحرية والعدالة»، الإخوانى، تصرف مع الصحافة، بأسلوب الحزب الوطنى القديم نفسه، وربما أسوأ منه، وتعامل مع هذه الصحف على أنها ملكية خاصة له يسيطر عليها عبر مجلس الشورى، ويعين رؤساء تحريرها ورؤساء مجالس إدارتها، وبالتالى لا مفر من استمرار النضال من قبل الصحفيين لضمان استقلاليتهم واحترام القارئ.
وحول وصول تهديدات لعدد من الكتاب والصحفيين بالاستهداف بسبب مواقفهم المعارضة، قال «حرب»: «إن هذه التهديدات لابد أن تؤخذ على محمل الجدية وعدم الاستخفاف بها، لأن العنف من تراث القوى الإسلامية المتشددة، مما يستوجب التعامل معه بجدية وعدم التقليل من خطورته».
أما الكاتب الصحفى يحيى قلاش، المتحدث باسم لجنة الدفاع عن حرية الرأى، سكرتير عام نقابة الصحفيين السابق، قال: إن لجوء النظام الحكام للتضييق على حرية الصحافة عبر منع كبار الكتاب من كتابة مقالاتهم، يعد جزءاً من منهجهم الإقصائى فى التعامل مع معارضيهم، بدليل طريقه اختيار رؤساء تحرير الصحف القومية، وتشكيل المجلس الأعلى للصحافة، بما يعكس ويكرس الهيمنة والسيطرة على تلك الصحف.
واعتبر «قلاش» قرار منع عدد من الكتاب الكبار أمثال النقيب الأسبق جلال عارف، ليس قراراً من رئيس التحرير، لكنه توجه سياسى فى إطار واضح ومخطط بهدف التخلص من الأصوات المعارضة، تتمثل فى وضع قيود عدة على هؤلاء الكتاب تجلعهم يقررون التوقف احتراماً لتاريخهم.
وشبه «قلاش» الصحافة بالوطن، تقوم على التعددية والتنوع وتصارع الآراء ، بالتالى فإن أسلوب الهيمنة والاكتفاء بفصيل واحد يريده النظام، يؤكد وجود خطة ممنهجة وصريحة من قبل الإخوان، حيث زادت قائمة الكتاب الممنوعين فى عهد الإخوان عما كانت عليه فى عهد النظام السابق، فلم نجد قديماً أن قام الحزب الوطنى أو أحمد عز بوضع قائمة أسماء يتم استبعادها من الكتابة، لكن كان الأمر يترك لرئيس التحرير ليستبعد بنفسه ما يعتبر كتاباته خطراً عليه، أما الآن فقد اختلف الأمر كثيراً وأصبح المنع منهجاً ورؤية، لأن هذه القوى تريد أن يكون الإعلام سلاحاً فى أيديها.
وتابع «قلاش»، أن ديمقراطية الهوامش التى اتبعها النظام السابق عبر إتاحة هامش للحرية استخدمته الصحف الخاصة باستضافة الإخوان، ومنفذاً للدفاع عنهم، تحولت ديمقراطية الهوامش هذه الى ممارسات فاشية للنظام الحاكم، ومن ثم نحن فى انتظار قائمة طويلة من القيود سوف تفرض مستقبلاً على الصحافة والصحفيين.