أكثر من 3500 إضراب واحتجاج واعتصام خلال عام واحد فقط. تركة كبيرة من الاحتجاجات العمالية تضاعفت بمجرد وصول الإخوان لرئاسة الجمهورية فى 30 يونيو 2012، وخلال 6 أشهر من حكم الرئيس شهدنا 2400 احتجاج بمعدل 400 احتجاج شهرياً، بزيادة 68٪ عن آخر 6 أشهر من عهد الرئيس السابق حسنى مبارك.
كانت نتيجة الاستفتاء فى محافظة الغربية، وفى قلبها «المحلة»، «عاصمة مصر العمالية»، أكبر دليل على عدم رضا العمال عن دستور وأداء جماعة الإخوان، ففى أول شهر من حكم الرئيس «مرسى» أضرب 25 ألف عامل بشركة المحلة للغزل والنسيج، الأمر لم يمر سهلاً، فجماعة الإخوان درست المحافظات التى تقل فيها شعبيتها وفق نتائج الانتخابات الرئاسية، واختارت لمحافظات بعينها محافظين من الإخوان، فوضعت محمد على بشر محافظاً للمنوفية، التى حصل فيها «شفيق» على أعلى الأصوات، وتولى سعد الحسينى محافظة كفرالشيخ ذات الشعبية الجارفة لحمدين صباحى.
الرئيس «مرسى» بدأ حكمه بإضراب المضيفين والمضيفات فى مصر للطيران، كان قوياً ومؤثراً، قطع مصر عن العالم الخارجى، توقفت حركة الطيران، وتكدس المطار بالمسافرين من كل البلدان، وكان التدخل الفورى من الرئاسة والاستجابة لمطالب المضيفين، بعدها انفجرت ماسورة الإضرابات، فالثورة - خلافاً للأحلام - لم تأت للعمال بجديد وحالهم من سيئ إلى أسوأ. لم تنتبه الجماعة الحاكمة إلى أن قطاعات مهمة من العمال لديهم تاريخ عريض من النضال دفاعاً عن حقوقهم ومطالبهم، بدأ قبل ثورة يناير ومستمر حتى اليوم، فسائقو النقل الثقيل أصابوا مصر بالشلل خلال إضرابهم المتكرر، كذلك سائقو قطارات وعمال ورش الفرز والخدمات بالسكك الحديدية.
فى الشهر الأول من حكم «مرسى» أيضاً كان هناك 222 احتجاجاً فى القطاع الحكومى وحده، انخفض إلى 119 احتجاجاً من أصل 410 فى الشهر التالى (أغسطس)، كانت أبرز أسبابها انقطاع الكهرباء ونقص الوقود، والانفلات الأمنى، خاصة فى معظم المستشفيات، التى تعرضت لاعتداءات طالت الأطباء وطواقم التمريض، وانضم الصحفيون والإعلاميون لقوائم المحتجين، بسبب الممارسات القمعية ضد وسائل الإعلام.
وتميز سبتمبر، الثالث فى حكم «مرسى»، بأعلى نسبة إضرابات واحتجاجات فى عام 2012. بلغت 615 احتجاجاً، معظمها فى القطاع الحكومى، أبرزهم المعلمون مع بدء العام الدراسى، وكان إضرابا قوياً، لكنه انحسر تدريجياً. فى أكتوبر كان إضراب الأطباء الأقوى وتزامن معه إضراب الممرضات وسائقى الميكروباص. الإضراب الأكثر نجاحاً خلال عام 2012 كان لسائقى وعمال المترو، مطيحاً برئيس الشركة، بعد أن حول القاهرة الكبرى لجراج كبير فلم تقو سيارات الأجرة والميكروباصات والأتوبيسات على تغطية غياب مترو الأنفاق.
فى ترجيحات نتائج الصراع بين العمال والإخوان يميل عبدالفتاح خطاب، أمين عام اتحاد العمال، عضو اللجنة التأسيسية للدستور، أقرب لسيناريو الثورة الثانية، أو ثورة الجياع، وفق توصيفه، مستدركاً: «هذا إذا لم تتضح الرؤية السياسية، وظلت النخبة مشغولة بنفسها»، ثم محذراً: «ثورة جياع ستأخذ فى طريقها كل النخب والإخوان، والعمال لديهم مطالب مشروعة، وعلى الرئيس أن يكون صادقا ويضع مع الحكومة خريطة طريق لحل مشاكل العمال». يستبعد «خطاب» سيناريو التمكين أو الأخونة، ويتابع ساخراً: «مفيش حاجة اسمها أخونة، وكل ما يتردد هنا فزاعة لأن العمل النقابى نتاج انتخابات عمالية، ونرحب بالمنافسة مع الإخوان، فلن يستطيع أحد السيطرة على العمال.
الصدام لا مفر منه، وفق تحليل عبدالخالق فاروق، الخبير الاقتصادى، مستنداً إلى أن الميل العام لعقلية جماعة الإخوان وحلفائهم السلفيين ذو طابع استبدادى تضيقى على الحريات الاجتماعية والاقتصادية، وعلى الحريات العامة عموماً، مما سيؤدى لمزيد من التوتر الاجتماعى، لأن القوى المعارضة خرجت عن الطوق، وقوى العمال أنشأت نقاباتها المستقلة التى يستحيل إلغاؤها، لأنها أصبحت قوى حقيقية فى المجتمع، وستكون سلاحاً رئيسياً للقوى الاجتماعية فى مواجهة الإخوان.
يرى «فاروق» أن مشروعية الإخوان الأخلاقية تآكلت، ومشروعيتهم السياسية على المحك، مرجحاً أن تنفصل عنهم فى الانتخابات البرلمانية القادمة فئات تنتمى لأنماط معينة من التحيزات الاجتماعية، لأن البرنامج الاقتصادى للجماعة «يمينى «الهوى»، ويكاد يتطابق مع برنامج الحزب الوطنى المنحل إن لم يكن على يمينه.
ويعتقد الخبير الاقتصادى أن الإخوان ليست لديهم بدائل أخرى، مستطرداً: وإن كان عندهم بدائل فهم مضطرون إلى أن يأتوا بأشخاص من خارج الجماعة لكى يطبقوا تلك البدائل، فلن يحل مشكلة مصر الاقتصادية والمالية إلا شخصيات اشتراكية تعيد هيكلة السياسة المالية والاقتصادية، ليس فى اتجاه التأميم، وإنما نحو الرشادة الاقتصادية والعدالة الاجتماعية، والإخوان منظورهم هنا «لفظى»، فهم عمليا أقرب لليمين الرأسمالى.
مأزق الجماعة الأساسى، حسب «فاروق»، فى أنها تسير على قطار قضيباه هما التمكين والاستحواذ على المناصب والمواقع، محذراً من أن العقلية قصيرة النظر، ومحاولات الانفراد بالسلطة وتطبيق ما جرى الاتفاق عليه مع برنامج صندوق النقد الدولى سيولد انفجاراً اجتماعياً واسعاً، ربما لن يستطيعوا السيطرة عليه، خاصة أن مراكز القوى فى النظام السياسى مثل الجيش والشرطة ليست فى صفهم، بل بالعكس، ربما يكونوا أكثر شماتة إن جرت مظاهرات للإطاحة بهم، والحل عنده هو فى ظهور شخص من الجماعة يتحلى بشىء من البصيرة الاستراتيجية، يدرك أن إدارة الدولة تختلف عن إدارة الجماعة، ويعمل على مد جسور التواصل مع القوى الاجتماعية الحقيقية، ويدير معها حواراً بناء ومنتجاً ليس على شاكلة حوارات العلاقات العامة التى يجريها الرئيس «مرسى».