دعت مجموعة من العاملين في مجال تقنية المعلومات وصناعة البرمجيات الحُرَّة ومفتوحة المصدر، إلى تنظيم وقفة صامتة، الأحد، في الساعة 11 صباحًا، أمام مقر مجلس الوزراء، اعتراضًا على القرار الذي اتخذه المجلس في اجتماعه الأسبوعي، الذي نتج عنه التعاقد مع شركة مايكروسوفت لشراء تراخيص برمجيات الحواسيب المكتبية والخواديم المستخدمة في الحكومة بتكلفة 43 مليونا و762 ألفا و321 دولارًا أمريكيا، وقد أصدرت المجموعة بيانا وضحت خلاله موقفها.
وجاء في البيان: «دعا التقنيون إلى هذه الوقفة بسبب ما رأوه إهدارًا في موارد البلاد في هذا الوقت العصيب، إذ إن الحكومة بإمكانها تقليص هذه النفقات إلى أقل من 20% من ذلك المبلغ إن لجأت إلى البرمجيات الحُرّة مفتوحة المصدر، حيث توجد في مصر كفاءات قادرة على تنفيذ المتطلبات الحكومية مع تقليل التكلفة لأدنى قدر ممكن مع إطالة أعمار الأجهزة والعتاد وعمرها التشغيلي، مع إمكانية توجيه الأموال المتبقية بعد ذلك إلى تدريب الموظفين الحكوميين لزيادة مهاراتهم».
وقال أحمد غربية، أحد دعاة فكرة البرمجيات مفتوحة المصدر: «لنأخذ مثالا أحمد مكاوي وزملاءه التقنيين والمبرمجين الماهرين مؤسسي شركة البرمجيات ونظم المعلومات التي صمّمت ونفّذت النظام الذي اعتمدته الحكومة لتشغيل موقع الإنترنت الذي قدّم خدمة استعلام الناخبين عن قيدهم في الجداول الانتخابية، وهو النظام الذي استُخدِم في استفتاء 19 مارس 2011 كما استُخدم بعد تطويره في انتخابات مجلسي الشعب والشورى في 2012، ثم في الاستفتاء على الدستور في 2012، وهذا مثال لتجربة ناجحة معروفة شعبيًا في استخدام البرمجيات الحرة في مجال الخدمات العامة، خاصة أنه يوجد اتجاه عام في دول عدة، نامية ومتقدمة، إلى وضع سياسات واستراتيجيات لاستخدام البرمجيات الحُرّة في تطبيقات الحكومة والمؤسسات العامة لما في ذلك من مميزات عديدة».
وعدّدَ «غربية» المميزات في عدة نقاط منها :«وقف نزيف الأموال إلى خارج البلاد حيث إن الشركات مالكة تراخيص البرمجيات الأساسية التي تستخدمها الحكومة حاليا هي شركات أجنبية، توظيف الإنفاق الحكومي في هذا القطاع لدعم صناعة برمجيات وتقنية محلية، بما لذلك من أثر في دفع الاقتصاد الوطني، تفادي وقوع الحكومة أسيرة تقنيات غامضة مملوكة لشركات بعينها لا يمكن لغير تلك الشركات تحسينها أو حتى إصلاح عيوبها، مما قد يمنع الحكومة لاحقا من تغيير نظمها المعلوماتية إلى ما هو أفضل منها، ويجبرها على تجديد عقود باهظة التكلفة لضمان عمل التطبيقات واستمرار الخدمات الجماهيرية أو التطبيقات الاستراتيجية التي تعتمد عليها، تلافي خطر الاضطرار إلى إعادة إنشاء نظم معلوماتية حكومية بالكامل بما يتبعه ذلك من تكلفة غير مبررة في حال اختفاء الشركات الأجنبية الموردة للبرمجيات المُغلقة، أو حتى حظر دول تلك الشركات تصدير تقنيات بعينها في حال تغيّر موازين السياسة الدولية، توطين المعرفة التقنية في المجتمع، وحسب احتياجاته وظروفه، لحل مشاكله بأيدي أبنائه بما يؤدي إليه ذلك من نمو معرفي وتقدم مجتمعي بسبب دوران عجلة الدراسة والبحث العلمي والتقني والاجتماعي، أخذ العامل الأمني في الاعتبار فيما يتعلّق بنظم المعلومات الوطنية ذات الطبيعة الحساسة التي تستلزم إبقاء جوانب بعينها من المعرفة المتعلقة بها في يد شركات وطنية».
وأضاف: «من الدول التي اتخذت خطوات حثيثة نحو الاعتماد على البرمجيات مفتوحة المصدر في تطبيقاتها الحكومية الهند والبرازيل وماليزيا، كما أصدر الاتحاد الأوروبي توجيهات حاكمة لكل مؤسساته باعتماد البرمجيات الحرة والمعايير القياسية المفتوحة في كل مشروعاته ونظمه الإدارية، ومؤخرا بدأت تركيا في دعم إنتاج توزيعة من نظام التشغيل الحرّ (جنولينكس) مخصصة للمؤسسات الحكومية التركية بدلا من دفع أموال طائلة تذهب كلها إلى شركات أجنبية لترخيص منتجاتها من البرمجيات، يمكن توجيه تلك الأموال إلى دعم الشركات المحلية العاملة في هذا القطاع الإنتاجي، في مدفوعات رواتب المطورين والمصممين والمبرمجين المصريين، علمًا بأن الإنفاق الحكومي المدروس في صناعة المعلوماتية هو أحد أهم ركائز نمو هذا القطاع محليا، والنماذج عديدة من دول العالم، بينها القانون الذي سعى إلى استصداره الرئيس الأمريكي في 2010 بتحديث قطاع الخدمة الصحية والبنية المعلوماتية التحتية الداعمة له».
وتابع: «من أقرب المواقف التي توضح أن الحكومة المصرية تهدر أموالًا في غير محلها بسبب غياب الشفافية في ممارساتها التقنية والمالية مأساة تعاقد وزارة الداخلية المصرية مع شركة ألمانية لتصنيع نظام قراءة بطاقات الرقم القومي إلكترونيا ثم إلغاء التعاقد في 2007 لامتناع الشركة المنفذة عن تعمية البيانات المُرَمَّزة بالطباعة على البطاقات، وذلك بعد تنفيذ أغلب المشروع وإصدار البطاقات لأغلب المواطنين، وهي الواقعة التي كانت دافعًا وراء قرار وزارة الداخلية الاستثنائي بتحديد مدة صلاحيات البطاقات الشخصية بسبع سنوات وإجبار المواطنين على تجديدها، وذلك بغرض الخروج من المأزق الناتج عن قصورها الإداري، وقررت الوزارة في سعيها لتدارك الأمر إحلال وتجديد نظامِ (أتمَتَةِ) الرقمِ القوميِّ فتعاقدت مع شركة فرنسية كانت قد اتُّهِمَت بتسريب بصمات اللبنانيين إلى إسرائيل عبر تعاقدات لها مع شركات صناعية عسكرية إسرائيلية».
واستكمل: «بعيدا عن النظم الحيوية للدولة، فإن عيوب استخدام تقنيات شركات بعينها بدلا من المواصفات القياسية المفتوحة في تنفيذ نظم المعلومات الحكومية وخدماتها الإلكترونية، يظهر في بعض مواقع الحكومة التي لا تعمل إلا باستخدام نظم التشغيل التي تنتجها تلك الشركات، وهو ما يعني أن اختيارات الحكومة تؤثر على قدرة المواطنين في اختيار الحلول التقنية الأصلح لهم، وتؤثر على وصول تلك الخدمات إلى المواطنين الذين لا يستخدمون نظم تشغيل وتطبيقات تلك الشركات المتعاقدة مع الحكومة».
كانت شركة «فيجن» العاملة في تطوير البرمجيات مفتوحة المصدر قد أصدرت مؤخرًا دراسة تتناول المميزات الاستراتيجية لاستخدام البرمجيات الحرة ومفتوحة المصدر في القطاع الحكومي، مما يعضد دعوات تبني الحكومة استراتيجية قومية بهذا الصدد، وتعتبر مؤسسة التعبير الرقمي العربي «أضِف» واحدة من المؤسسات المهتمة بتقنية المعلوماتية مفتوحة المصدر ونشر استخدامها بين الأفراد والمؤسسات في المجتمع، كما أن مصر بها مجتمع نشيط ونامٍ من الخبراء والعاملين في قطاع المعلوماتية المقتنعين بأفضلية البرمجيات مفتوحة المصدر للمجتمع المصري، وهم يعقدون فعاليات جماهيرية ويصدرون نشرات للتعريف بها.