من المفارقة أن الدستور الجديد، وبحسب المادة 61، فإن أجهزة الدولة تلتزم بوضع خطة شاملة للقضاء على الأمية خلال 10 سنوات من تاريخ العمل بالدستور، وهى المدة الزمنية نفسها التى حددها الرئيس السابق حسنى مبارك، عندما أصدر قرار فى سبتمبر 1989 ببدء عقد زمنى لمحو الأمية وتعليم الكبار، وأنشأ الهيئة القومية لتعليم الكبار عام 1992، إلا أن النتيجة حتى الآن، هى وجود 16.5 مليون أمى فى مصر، ووفقاً لآخر إحصائية رسمية، فيما يقول خبراء إن العدد الحقيقى يتراوح بين 18 و20 مليون نسمة.
«القضاء على الأمية من الأمور التى تحتاج إلى جهود مضاعفة، ولا يمكن القضاء عليها ولا فى 100 عام»، هذا هو تأكيد الدكتور مجدى قاسم، رئيس الهيئة القومية لضمان الجودة والاعتماد، الذى يرى أنه لا قضاء على الأمية إلا من خلال مسؤولية جماعية لجميع الجهات المعنية فى الدولة، مع تحديد أصل المشكلة ومعالجتها من جذورها، والتى تكمن فى تسرب الأطفال من التعليم، نتيجة الحالة الاجتماعية أو الاقتصادية السيئة، ونظراً لضعف المنظومة التعليمية.
ورغم إلزام الدستور أجهزة الدولة بوضع استراتيجية شاملة للقضاء على الأمية، إلا أنه لم يحدد من هى الجهات التى ستتولى وضع هذه الاستراتيجية، ومن المسؤول عن متابعتها، ولم يحدد ما إذا كانت الهيئة القومية لتعليم الكبار ومحو الأمية، ستستمر أم لا، وهى الهيئة التى اعترفت بأنها لم تنجح فى القضاء على الأمية حتى الآن، لكبر حجم المشكلة، ورغم بذل الدولة جهوداً مكثفة طوال الفترة الماضية.
أنشئت الهيئة العامة لتعليم الكبار عام 1992، بمقتضى القرار رقم 8 لسنة 1991 فى شأن محو الأمية وتعليم الكبار، انطلاقا من حق كل مصرى فى التعليم، وأن يبقى متعلماً ما بقى على قيد الحياة، وهى هيئة ذات شخصية اعتبارية تتبع وزير التربية والتعليم، وقد أناط هذا القانون للهيئة المسؤوليات التخطيطية والتنفيذية والتعليمية التى يتطلبها العمل.
وللهيئة جهاز تنفيذى يصدر بتعيين رئيسه قرار من رئيس الجمهورية لمدة 3 سنوات قابلة للتجديد، ويشكل مجلس إدارتها رئيس مجلس الوزراء، أو من ينيبه، وعضوية وكلاء أول الوزرات المعنية بمحو الأمية، و6 من الشخصيات المهمة المهتمة بقضية محو الأمية، ويوجد فروع لها بكل المحافظات.
ورغم كل هذه الأهمية التى أعطتها الدولة للهيئة، لدرجة إسناد رئاسة مجلس إدارتها إلى رئيس مجلس الوزراء، إلا أنه وفقاً للجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء فى آخر تقرير له فى سبتمبر 2011، فقد وصلت نسبة الأمية إلى 26.1% من السكان، ما يعادل 16.5 مليون نسمة، فيما يؤكد عدد من الخبراء أن العدد الحقيقى يتراوح بين 18 و20 مليون نسمة.
وأوضح الجهاز أنه طبقا لبيانات بحث القوى العاملة لعام 2011، فإن نسبة الذكور الأميين تبلغ 18.8% مقابل 33.6% للإناث، وتبلغ بين الشباب فى الفئة العمرية من 15 إلى 24 سنة، نسبة 10.2% مقارنة بكبار السن 60 سنة فأكثر، والتى بلغت 65.1%، كما وصلت نسبة الأمية للمقيمين بالحضر لتسجل 19% مقابل 31.7% للمقيمين بالريف، والتى تصل نسبة الأمية فيها إلى 41% مقابل 24.2% للإناث فى الحضر.
ورغم أن الإحصائيات أكدت تراجع نسبة الأمية حيث تقلصت من 29.7% بمعدل 17 مليون نسمة عام 2006 إلى 16.5 مليون نسمة فى 2011، إلا أن السؤال هنا: هل ستسير خطة القضاء على الأمية من خلال الجهات المعنية نفسها والقوانين التى أصدرها النظام السابق؟ أم ستتم مشاركة جهات أخرى؟ خاصة أن النص الدستورى يؤكد على مشاركة المجتمع، وهو الأمر الذى قد يفتح الباب لعودة الكتاتيب مرة أخرى، واستخدام شيوخ المساجد فى تعليم الكبار.
ولم تحدد المادة الدستورية، الجهات المسؤولة عن متابعة ووضع الخطط الاستراتيجية لتحقيق هذا الهدف، ما يعنى إمكانية اعتمادها على الجهات القائمة حالياًَ، كما لم تذكر المادة كلمة ما ينظمه القانون، وهو ما يعنى استمرار العمل بالقانون الحالى الذى أصدره «مبارك» ويحمل رقم 8 لسنة 1991، الذى يؤكد على التنسيق بين الجهات المختلفة المسؤولة عن تنفيذ الخطط والبرامج فى الدولة، وهى الوزارات، والهيئات العامة، واتحاد الإذاعة والتليفزيون، والشركات، والأحزاب، والتنظيمات الشعبية، والاتحاد العام لنقابات العمال، والجمعيات والمنظمات غير الحكومية، ورجال الأعمال.