أمام مدخل الجزيرة، حيث «حلقة السمك»، يقف محمد محمد - سبع سنوات - يوزع على السيارات المارة أوراقاً تدعو للتصويت برفض الدستور. لا يجيد «محمد» القراءة، ويعمل مع شقيقه بعد وفاة والدهما فى حلقة السمك التى يتعيش منها معظم صيادى جزيرة «القرصاية» بمحافظة الجيزة.
فى صبيحة يوم المرحلة الثانية للاستفتاء على الدستور، كان «محمد» واحداً من بين الأطفال المنتشرين للدعوة لرفض الدستور، بتوزيع أوراق تناثرت فيها الأخطاء الإملائية والطباعية، كتبها سكان الجزيرة وصوروا منها نسخًا بما جمعوه من بعضهم البعض من جنيهات قليلة مقتطعة من أجورهم اليومية. بينما كان الكبار من السكان منشغلين بتعليق لافتات باتوا يحرسونها ليلا، تدعو المارة والسيارات لرفض الدستور الذى يرونه جائرا على حقوقهم. يقول أحمد على، صياد: «قضينا الليل نحرس هذه اللافتات، لو غفلنا عنها سيمزقها الإخوان».
تخوف أحمد من هجمة أنصار الحزب الحاكم على لافتاتهم القليلة التى انتشرت بين سكان الجزيرة الذين صوتوا للرئيس محمد مرسى فى الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة، وكان خيارهم فى انتخابات مجلس الشعب المنحل للنائب «أبوالدهب ناصف»، عضو حزب الحرية والعدالة وجماعة الإخوان المسلمين. ولا يخفى السكان سخطهم على الكادر الإخوانى «جمال العشرى»، الذى لم يساندهم فى أزمتهم الأخيرة، عندما اجتاحت قوات من الجيش جزيرتهم واعتقلت 25 منهم، يخضعون الآن للمحاكمة العسكرية، بينما تنتظر أسرة محمد عبدالجواد، الذى استشهد برصاص الجيش أملاً فى القصاص.
بيت «الشهيد محمد عبدالجواد» لا يعترف بالدستور. فى ركن بين جدارين كالحين تجلس الأم صامتة، بين دقيقة، وأخرى تتحدر من عينيها دموع تمسحها دون صوت، بينما تهدهد رضيع ابنتها الكبرى «هناء» الراقد على ساقيها. تقول الابنة: «إحنا مش عاوزين حاجة ولا مقتنعين بالدستور ده، الدستور ده مش هيحكم بالعدل ولا هيرجع حق أخويا اللى مات، يرجع حقه إزاى والناس بتدبح بعض فى الشارع عشان الدستور ده؟».
الحديث يحمل مرارة أسر، فقد كل منها أكثر من فرد لصالح المحاكمة العسكرية المؤجلة التى ينظرها القضاء العسكرى حاليا ضد 25 من سكان الجزيرة، تم القبض عليهم فى السابع عشر من نوفمبر الماضى عقب اقتحام الجيش للجزيرة قبل دقائق من صلاة الفجر.
لا ينسى سكان الجزيرة أن الصيادين منهم منسيون فى الدستور الجديد، وهو ما يجدون فيه مدعاة أخرى لرفض الدستور، إلى جانب ما يراه سكان الجزيرة من ممارسات لا تختلف «فى رأيهم» عما كان يجرى لهم خلال حكم الرئيس المخلوع.
أمام مدخل جزيرتهم، علق السكان ثلاث لافتات، كتبها أشرف «خطاط هاوٍ، وجزار باليومية، وصياد أحيانًا»، تعلن رفضهم مشروع الدستور المستفتى عليه، وتطالب بالاحتكام إلى القانون لإقرار حقهم فى الأرض التى يملكون أوراقًا وأحكامًا قضائية تثبت ملكيتهم لها، ويرفضون المحاكمات العسكرية للمدنيين، ويطالبون بعلاج أبنائهم الذين تدهوت الحالة الصحية لبعضهم فى السجن خلال انتظار المحاكمة العسكرية.
لا ينتظر سكان الجيرة خيرا من الدستور الجديد، ولا يتوقعون منه الانتصار لحقوقهم ومستقبلهم، ويترقبون بعد إقراره مزيداً من المحاكمات العسكرية ومصادرة الأراضى. لكن لسان حالهم يعبر عنه «أحمد على» ويقول: «هنفضل نقاوح عشان حق عيالنا.. إحنا اتولدنا فى الجزيرة وعيالنا اتولدوا فيها وهيعيشوا فيها وهنموت على أرضنا ورزقنا، وكله بالقانون».