يُشهر الإسرائيليون، بجميع توجهاتهم المتراوحة بين أقصى اليسار وأقصى اليمين، «التوراة» بصفتها وثيقة ملكية لأرض فلسطين، وهنا تكمن المعضلة الأساسية فى هذا الصراع الذى لا يمكن أن ينتهى على قاعدة الدين وأيًا كان الدين.. لأن المشكلة ببساطة شديدة جدًا تتعلق بالأرض.. بالأوطان.
والذين عاشوا فوق هذه الأرض وداخل تلك الأوطان لقرون طويلة تنوعت قناعاتهم داخلها بين اليهودية فى مرحلة، ثم المسيحية فى حقبة لاحقة، وبعدها الإسلام الذى يدين به أغلب من كانوا يهودًا ثم مسيحيين..
وقد يتبادر إلى الذهن سؤال منطقى: ماذا عن سلالات تلاميذ أو حواريى السيد المسيح مَنْ بقى منهم على دينه المسيحى أو مَنْ اعتنق منهم الإسلام؟ هل يُقصى هؤلاء وتُنتزع حقوقهم لمجرد أنهم لم يظلوا على دينهم الأول، وهو اليهودية؟
ومن هذا المنطلق يجدر بمن يفكرون فى إنهاء هذا الصراع الدامى والطويل أن يتحدثوا بلغة المواطنة وليس الانتماء الدينى.. فنحن لا نرفض أن يكون اليهود يهودًا مائة بالمائة، ولكننا نرفض- بالتأكيد- حرماننا من وطننا لأن «التوراة!!» قد خصصت «الأراضى العربية من الفرات إلى النيل» لبنى إسرائيل، وإذا كان يجوز لنا أن نتكلم فإن سؤالاً آخر يتداعى إلى الذهن وهو: لماذا لا يشعر اليهود بالمواطنة فى الدول «الديمقراطية؟!»
التى يهاجرون منها إلى أرضنا ويطردون أبناءها ويشردونهم أو يقتلونهم بأشد الأسلحة فتكًا ووحشية؟ لقد كان خطاب الرئيس الأمريكى باراك أوباما خطابًا مغايرًا فى مفرداته لخطاب سلفه جورج بوش،
ولكن أوباما تحدث عن «المحرقة» وكأنها السبب الرئيسى فى إنشاء دولة إسرائيل، علمًا بأنه - كما هو معروف - لا العرب هم «الجناة» فى مسألة المحرقة ولا وعد بلفور كان بعد المحرقة لوضع الأمور فى نصابها!
والأدهى أن التلويح بالمحرقة فى كل مرة يتناول فيها أحد الوضع فى الشرق الأوسط يعطى لقادة تل أبيب المسوغ الكاذب فى العدوان المستمر والغطرسة الإسرائيلية التى حشدها مؤخرًا رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو،
حيث يريد أن يحدد هو، ووفق منظوره الاستعمارى، حدود الدولة الفلسطينية وتحديد وظيفتها التى يمكن تلخيصها فى أنها ستكون «فضاء» للدولة الإسرائيلية، منزوع السلاح والإرادة والمستقبل، وأن يكون ذلك كله بأيدى إسرائيل،
وليذهب حق الشعوب فى تقرير المصير وعدم جواز الاستيلاء على أراضى الغير بالقوة إلى الجحيم.. إننا فى حاجة إلى وقفة جادة مع أنفسنا وأن نغلّب صوت المواطنة ومفهومها على العنصر الدينى الذى نرى حصاده المر فى كل الدول العربية، خاصة فى فلسطين،
حيث غدا الحوار الوطنى الفلسطينى أصعب من الحوار مع إسرائيل مثل ترتيبات التهدئة وغيرها، إننا فى حاجة إلى مواجهة واقعنا المحزن كى تتسنى لنا مواجهة دعاوى الملكية بنص التوراة، فاليهود فى الدول العربية مثلهم مثل المسلمين والمسيحيين،
مواطنون بكل ما تحمل الكلمة من التزامات وحقوق، وليس لأحد التعالى على الآخر بدعاوى دينية، ويستحيل أن يتذرع أحد بالدين لارتكاب الجرائم التى تُرتكب يوميًا فى أوطاننا! إنه صراع على الأرض وليس على العقائد!