يرى الدكتور محمود شريف بسيوني، أحد مؤسسي القانون الجنائي في العالم، الذيى عين من قبل الأمم المتحدة رئيساً لعدد من لجان تقصي الحقائق في جرائم التعذيب والإبادة في أعقاب الحروب والثورات في أفغانستان وليبيا والسودان والعراق والبحرين - يرى أن المشهد فى مصر أصبح سيئاً للغاية، وأن الثمن سيكون فادحاً للغاية فى كل الأحوال.
قال «بسيوني» في حواره لـ«المصرى اليوم»: «إذا ما استمر مرسى في الحكم سيسهم ذلك فى إحكام قبضته وجماعته (الإخوان المسلمين) على المجتمع، فإما أن تشهد مصر ثورة ثانية قبل انتهاء مدة الرئاسة الأولى، ستكون ثورة جياع، تأكل الأخضر واليابس، وإما أن تستسلم مصر لقدرها وتنتظر حتى نهاية المدة الأولى للرئاسة ويتم عزله بالصندوق والانتخابات.
وأضاف أنه فى حالة إصرار الرئيس على موقفه فإن الشارع المصرى سيشهد عنفاً غير مسبوق ودماً يسيل في كل الشوارع، فعدد من التيارات الإسلامية باختلاف فصائلها لن تقبل بإضاعة الفرصة التاريخية التى ظلوا يعملون من أجلها طيلة 80 عاما وسيدافعون عن وجودهم فى الحكم تحت أى ظرف وبكل الوسائل.. وإلى نص الحوار:
■ كيف تقرأ المشهد الحالي؟
- مصر أمام نظام حكم إسلامي مبني على نظرية الخلافة الإسلامية، التى لا تتماشى مع مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان التى وصل لها عدد من دول العالم الإسلامى، على رأسها تركيا، فهم ابتعدوا عن النظام التركي واختاروا لمصر النظام الإيرانى وولاية الفقيه.. الاختلاف الوحيد أنهم بدلا من أن يكون لدينا ولاية الفقيه الشيعى أصبحت لدينا ولاية مجلس الفقهاء السنى، وكلنا نعلم أن الإخوان خلال الثمانين عاما الماضية عانوا وقاسوا الكثير من الاضطهاد والتعذيب وسوء المعاملة، وعملوا جاهدين للوصول إلى الحكم، في هذه اللحظة المهمة في تاريخهم، من السذاجة أن نتصور أنهم سيتركون الحكم بسهولة كما كان الوضع وقت تنحي الرئيس السابق حسنى مبارك، وأرى أنهم لن يتركوا الحكم ولن يسمحوا بضياع هذه الفرصة من أيديهم بل لن يشركوا أحدا معهم فى الحكم إلا الأطراف التى تنتمى إليهم فكريا وأيديولوجيا.
■ لكن تاريخ الإخوان يؤكد أنهم قادرون على إحداث مواءمات في اللحظات الحرجة لتهدئة الأوضاع؟
- الإخوان المسلمون مارسوا بالفعل على مدار تاريخهم ما يسمى «المرونة السياسية» للوصول إلى أهدافهم خطوة بخطوة، وهم فى كل مرة يقيمون حجم وثقل معارضيهم، فعندما أزاح مرسى المجلس العسكري كان قد علم أن قيادات المجلس ليست قوية وأنهم مظهر فقط وليسوا قوة حقيقية يخشاها، واختبر الإخوان فكرة إصدار إعلان دستوري فوجدوا أن القوى الليبرالية لم تتصد لهم لانشغالها بصراعاتها وتشتت رموزها، وعندما أصدر قراراً بعودة مجلس الشعب ووجد من تصدى له تراجع مؤقتا حتى تمكن من إصدار الإعلان الدستوري الأخير.. أما الآن فهم حصلوا على مكاسب كبيرة ويمتلكون ورقة الدستور فى أيديهم، ومن غير المتصور أنهم سيتركون هذه الورقة بسهولة.
■ وما هو الحل للخروج من المأزق الحالي؟
- أن يتراجع الرئيس ويسحب الإعلان ، والخيار الثانى وهو دموى للغاية إذا ما فكر الشعب فى إسقاطه، لأن الأمر لن يكون سهلا كما حدث مع مبارك، فلن يسمح به عدد من التيارات الإسلامية التى ستقرر الدفاع عن الرئيس ولو بالقتل وسفك الدماء، ووقتها ستتحول مصر لبحور دم.
■ من وجهة نظرك، هل يوجد للإعلان أي شرعية، ثورية كانت أو دستورية؟
- هذا ضحك على الذقون وخلط للأوراق، فالحاكم يأخذ من كل شرعية ما يأتى على هواه وما يتناسب مع مصالحه «شوية شرعية دستورية وشوية شرعية ثورية» هذا لا يجوز.
الإعلان غير شرعي فلا يعطيه دستور 71 هذه الشرعية ولا تعطيه الإعلانات الدستورية، التى تبعته والتى انتخب على أساسها، هذا الحق، ولا أى دستور فى العالم، كما أنه اعتدى اعتداءً جسيماً على السلطة القضائية، وأقال النائب العلم ومنع المحكمة الدستورية من القيام بعملها.
■ هل من حق المحكمة الدستورية العليا أن تنظر في مدى شرعية الإعلان؟
- نعم، وكان لابد أن ترد على الرئيس بحكم بعدم دستورية الإعلان، لأنه مخالف لكل دساتير العالم، وإحدى نقاط الضعف التى تؤخذ على المحكمة أنها لم تصدر هذا الحكم حتى الآن.
■ امتناع القضاة وتعليقهم العمل فى المحاكم ورفض الإشراف على الاستفتاء.. هل يعد جريمة؟
- لا، فهذا حق يكفله الدستور، وكل اتفاقيات حقوق الإنسان التى وقعت عليها مصر ورد فعل القضاة بالامتناع عن العمل والاعتصام رد فعل طبيعي وحق أصيل لإحساس القضاة بالاعتداء على استقلال القضاء في واقعة غير مسبوقة.
■ البعض يؤكد بطلان الدستور لصدوره عن جمعية تشكلت من قبل مجلس شعب تم حله، وآخرون يؤكدون أن حل المجلس لا يلغي ما سبقه من قرارات؟
- هنا يوجد خلط شديد في الأمور، فهناك قاعدة قانونية بالفعل تؤكد أن عدم الإخلال بمصالح المواطنين كان يقضي أن تبقى الإجراءات والقوانين الصادرة عن المجلس التي تتعلق بمصالح المواطنين صحيحة بعد حل المجلس، فمثلا أن يقر مجلس الشعب قانوناً بتحويل أرض زراعية إلى أرض مبانٍ، ويترتب على ذلك بناء منازل للناس والسكن فيها، هنا لا يترتب على حل المجلس إلغاء القانون لمصلحة المواطن، ولكن هذا لا يسري على الإطلاق على الإجراءات الإدارية التى لها علاقة بصلب حق المواطن من الأساس، وهو الدستور الذى يمنحه كل حقوقه، فإلغاء هذا الإجراء وبطلانه لن يترتب عليه ضرر للمواطن، بل بالعكس سيؤدى إلى تصحيح خطأ فادح، فالجمعية مكونة من 65% من التيارات الإسلامية، و35% لا نعرف على أي أساس تم اختيارهم، والنتيجة جمعية لا تعبر عن التيارات المختلفة، وأدخلتنا في الصراعات الحالية بل نزيف من الدماء.
■ وما رأيك في مسودة الدستور التى دعا الرئيس الشعب للاستفتاء عليها؟
- أولا، لا يوجد دستور في العالم يتعرض لتفاصيل شديدة محلها في الأساس القوانين وليس الدستور، هذا من الناحية الفنية، أما من الناحية الموضوعية فيوجد ما لا يقل عن 15 مادة ترسخ الأرضية للخروج من نظام دستورى إلى نظام الإفتاء الشرعى المختلف على ماهيته داخل تيارات الإسلام السياسى نفسها وسيفتح الباب للأخطاء والتفسيرات بحسب الأهواء وتغيير طبيعة المجتمع إلى نظام أشبه بنظام ولاية الفقيه أو ولاية مجلس الفقهاء السني كما قلت.
■ هل تتفق مع القول بأن أعضاء الجمعية أصدروا الدستور فى عجلة لغرض ما؟
- نعم، كان واضحا جدا أنهم يريدون إنجازه سريعا وقبل حكم المحكمة الدستورية، غير عابئين بالمنسحبين، وكان واضحا جدا أن الدستور يكتب بعيدا عن المهنية والفنية، فليس هكذا تكتب دساتير الأمم.
■ ما هي ملحوظاتك القانونية على عملية الاستفتاء على مشروع الدستور الجديد؟
- الاستفتاء فى حد ذاته تجربة ديمقراطية مهمة للشعوب، ولكن الاستفتاء على هذا الدستور بالذات عليه شكوك كثيرة لعدم شرعية اللجنة التى وضعته، ولا يعول على هذا الاستفتاء إلا بنسبة الحضور الكافية، فالتصويت على دستور بنسبة 50+1 من نسبة الحاضرين لا يجوز، إنما لو كان 50+1 من نسبة المقيدين في الجداول تكون النسبة معقولة، وهكذا يكون الفارق بين أن يوافق 5 ملايين أو 25 مليوناً، والأخطر أن الاستفتاء على هذا الدستور يحول مصر تحولاً تاريخياً من دولة تقوم على المواطنة إلى دولة دينية.
والدستور بهذه الصورة أخرج القضاء من الساحة الوطنية وأنشأ سلطة رابعة وهي سلطة الأزهر، ولن يمر قانون من مجلس النواب إلا بموافقة الأزهر حتى لو كان قانون مرور، ولم يكن هناك داع لتأكيد ما هو واضح بالضرورة وهو النص على أن مصر دولة إسلامية، فمصر بالفعل دولة إسلامية دون تأكيدات أو ضمانات.
■ «مبارك» حوكم بتهمة التقصير وعدم إعطاء أوامره بوقف قتل المتظاهرين.. فهل الاتهام نفسه يوجه إلى مرسي؟
- لدي ملاحظات على محاكمة «مبارك» وعدد من التهم التى وجهت إليه، حيث إنها جرائم لا ينص عليها القانون، وأنا أتحدث عن الجانب القانوني الفني، ولا علاقة لي بالجانب السياسي فى القضية، ومع ذلك لو أعملنا نفس المنطق وطبقنا نفس القاعدة سنجد أن مرسي متهم تماما بنفس الاتهامات التى وجهت لـ«مبارك» ويجب أن يقدم للمحاكمة ويجب ألا يكون هناك معياران فى تطبيق القانون، فهو متهم بعلمه بقتل المتظاهرين ولم يعط أوامر بإيقاف القتل، وتقاعس عن حماية المواطنين.
■ ماذا تقصد بأن محاكمة مبارك كانت على جرائم ليست فى القانون؟
- فيما يخص قضية قتل المتظاهرين، تم التعامل معها كقضية سياسية، فلو نظرنا إلى القانون الذى طبق عليه، فهذا القانون غير سليم، لعدم وجود شيء فى القانون الجنائي اسمه «مسؤولية تقصيرية»، كما في القانون المدني، ونص «مسؤولية القائد» موجود فى القانون العسكري ولا يوجد فى القانون المدني ولا الجنائي، و«مسؤولية القائد» فى قانون الأحكام العسكرية مبنية على إعطاء القائد تعليمات، وفى حالة «مبارك» هو لم يعط الأوامر كما أنه لم يحاكم وفق القانون العسكرى.
■ وهل من الممكن فى هذه الحالة أن يُحكم عليه بالبراءة فى قضية قتل المتظاهرين؟
- مؤكد أن ذلك سيحدث.