x

إسرائيل من الداخل: اليهود العرب يؤدون الصلاة على أنغام أم كلثوم وعبد الوهاب والشيخ زكريا أحمد

الأربعاء 10-06-2009 00:00 |

حبوشة واحد من عشرات المنشدين اليهود الذين مزجوا أدعيتهم وترانيمهم الدينية بموسيقى عبد الوهاب وأم كلثوم، وفريد وأسمهان والسنباطى.

فاكتسبوا شهرة هائلة فى أوساط اليهود العراقيين والمصريين واليمنيين والمغاربة بسبب البهجة التى يضفونها على الصلوات التى تقام فى المعابد مساء كل سبت.

عشرات الرجال والنساء من اليهود العرب يجلسون فى المعبد، وكأن على رؤوسهم الطير. تتمايل أجسادهم طربا، بينما تصدح فى قاعة الصلاة ألحان الشيخ زكريا أحمد. يتهادى مقام الهزام شيئا فشيئا. ويصير اللحن شجيا، وتكاد تسمع كوكب الشرق تشدو بكلمات بيرم التونسى: «الورد جميل..جميل الورد».

لكن صوت أم كلثوم غائب عن المشهد. ويظهر على المنبر الحاخام موشيه حبوشة يطلق بصوته «يا عين يا ليل» طويلة وملهمة، ثم يترنم بالعبرية: إلهك إله واحد..وَحِد إلهك، إلهك إله واحد.. وَحِد إلهك.

وتتهادى فى الأفق صلاة يهودية تفيض بالتسابيح والاستغفار، والتضرع لرب العالمين. لا تستطيع أن تقطع برد فعل «الست» أم كلثوم، لو كانت على قيد الحياة الآن. هل كانت ستغضب، وتعتبر ما يحدث تشويها لتراثها الغنائى؟ أم كانت ستعتبر نفسها «قوة ناعمة»، وتقف شامخة لتغنى: «وقف الخلق ينظرون..كيف أخترق الثقافة اليهودية وحدى».

حبوشة واحد من عشرات المنشدين اليهود الذين مزجوا أدعيتهم وترانيمهم الدينية بموسيقى عبد الوهاب وأم كلثوم، وفريد وأسمهان والسنباطى. فاكتسبوا شهرة هائلة فى أوساط اليهود العراقيين والمصريين واليمنيين والمغاربة بسبب البهجة التى يضفونها على الصلوات التى تقام فى المعابد مساء كل سبت. ونتيجة نجاحهم الكبير، تسابقت شركات الإنتاج الفنى على طبع صلواتهم فى اسطوانات مدمجة تحقق مبيعات ضخمة، وأرباحاً هائلة.

«نظرة عينيك تسحرنى.. والشوق إليك حيرنى..عطف وحنان من الزمان ولا عشان جميل جمال». كلمات غناها فريد الأطرش فى «لحن الخلود»، تحولت بقدرة قادر إلى: «الخير فى عينيك.. والتقوى على شفتيك..إلهى يحفظك من أخطائك.. ويحميك من أعدائك». وحل صوت بالعبرية محل صوت فريد، وبقى اللحن على حاله.

الحاخام حبوشة يتفوق على جميع منافسيه فى إسرائيل، بسبب مرونة صوته وطبقته العريضة، وقدرته على أداء أصعب الألحان، وكأنه ولد وتربى فى صفوف فرقة للموسيقى العربية. لهذه الأسباب صار أقرب المنشدين إلى قلب وأذن الحاخام عوفديا يوسف الزعيم الروحى لحزب شاس.

والحاخام عوفديا واحد من كبار محبى الموسيقى العربية فى إسرائيل. فهو لا يكتفى بسماعها بعد إعادة توزيعها على كلمات دينية عبرية. بل يحرص على الاستمتاع بها فى صورتها الأصلية، ويقول فى سيرته الذاتية الصادرة حديثا: «أنا لا أجلس لكتابة الفتاوى ليلا، إلا لو كان فى الخلفية صوت أم كلثوم أو فريد أو عبد الوهاب يصدح فى الغرفة».

ويحكى سائقه الخاص أفراهام أن الحاخام يبادره بجملة روتينية أثناء توصيله للمعبد كل صباح: «سمَّعنا صوت أم كلثوم». وما إن تبدأ الأغنية حتى ينظر للكاسيت، ويتمتم: «الله يحرقها»، ثم يواصل الاستمتاع بصوتها العذب!

ويقول أحد المقربين من الحاخام: «على الرغم من عدائه المستحكم للعرب، ووصفه لهم بالأفاعى والصراصير فى خطبه الدينية، فإنه ارتبط بالموسيقى العربية، وصوت فريد وأسمهان، أثناء إقامته فى مصر من 1947- 1950، حيث عمل حاخاما للقاهرة، ونائبا لناحوم أفندى كبير الحاخامات اليهود فى مصر.

لذلك تبنى عددا من المنشدين مثل موشيه حبوشة ويحيئيل نهارى وتسيون يحزقئيلى، لأنهم يجيدون غناء «النصف والربع تون». وقد أرسل نهارى إلى مصر عام 1991 لمقابلة صباح وبليغ حمدى، ويتعلم منهما.

ويحكى يحيئيل نهارى تفاصيل هذا اللقاء قائلا: «شعرت بالتوتر فى بداية اللقاء، لكن ما إن طلب منى بليغ أن أغنى (القدس من ذهب) مع الحفاظ على الربع تون، حتى شعرت أن نفسى هدأت، واستقرت».

وعلى الرغم من أن الألحان العربية التى تصاحب الصلوات اليهودية، هى فى الأصل أغانى حب وغزل صريح، فإن الحاخام عوفديا يعتقد أن قليلا من الكلمات العبرية يطهرها! فيقول فى واحدة من أشهر فتاواه: «استخدام الألحان مع الصلوات اليهودية يزيدها شموخا، وسموا.

لذلك لا أرى حرجا فى استخدام الموسيقى العربية أثناء الصلاة، لأنها موسيقى تسمو بالنفس، وتحضها على الخشوع. لكن ينبغى الحرص فى اختيار الكلمات المناسبة للجو الدينى السائد فى المعبد».

ولا ينسحب موقف الحاخام على الموسيقى الإسرائيلية بوجه عام. فهو يحرم غناء النساء اليهوديات، ويعتبر أغانى الروك الشائعة فى إسرائيل، موسيقى همجية لا تتناسب مع أجواء الصلاة، بالمقارنة مع الموسيقى العربية الأكثر هدوءا وتلاؤما مع الأجواء الروحانية».

الناقد والأديب الإسرائيلى ألموج بيهر يقول: «لقد تحولت الموسيقى العربية إلى ركن أساسى فى حركة الإنشاد الدينى. وربما يكون السبب، هو رغبة اليهود العرب فى العودة إلى جذورهم الثقافية. ففى الخمسينيات والستينيات كان من الضرورى أن نتخلص من جريمة «الجذور العربية» حتى نندمج فى المجتمع الإسرائيلى المعادى للعرب.

أما اليوم وبعد استقرارنا، وصعودنا للسلم الاجتماعى، صار من السهل إضفاء الشرعية على الموسيقى العربية، والتراث العربى، وإعادة إحيائه، وممارسته فى الطرب العادى، والدينى أيضا».

ألموج بيهر يهودى من أصل عراقى، يستعد هذه الأيام لكتابة ترانيم يهودية تتلاءم مع ألحان الموسيقار محمد عبد الوهاب لرائعة أم كلثوم «أنت عمرى». ويوضح ألموج: «على الرغم من نجاحى فى كتابة الشعر والقصة القصيرة، لكننى أكرس وقتى الآن لكتابة الإنشاد الدينى المصحوب بالموسيقى العربية. فهذا المجال ازدهر جدا فى إسرائيل خلال السنوات الأخيرة.

وأشعر أننى أستطيع المساهمة فى التقريب بين الثقافتين من خلاله. ومن السهل الوصول إلى وجدان اليهودى العربى عبر ألحان عبد الوهاب والسنباطى، وزكريا أحمد وبليغ حمدى».

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية