على الرغم من تعدد الجماعات المنتمية إلى تنظيم القاعدة أو حتى الموالية لها فى العالم، تظل باكستان وأفغانستان المنبع الرئيسى لكل هذه الكيانات المتشددة، التى عادت للانتشار مجددا على الساحة الدولية، رغم اعتقاد الكثيرين أن شبح «القاعدة» انتهى باغتيال مؤسسها أسامة بن لادن.
ودائما ما ثارت الشكوك والتكهنات حول طبيعة نشأة هذا التنظيم، فى ظل الحديث عن أن «القاعدة» كانت صنيعة أمريكية فى الأساس وتلقت تمويلا من الولايات المتحدة، التى دعمت المجاهدين العرب خلال الحرب السوفياتية الأفغانية (1979- 1989).
وتختلف روايات المتخصصين فى شؤون الجماعات الإسلامية حول مكان وكيفية نشأة هذا التنظيم، فهناك من يعتبر باكستان نواة تأسيس«القاعدة» بمفهومها الحالى، بعد اجتماع بن لادن وأيمن الظواهرى، فى أغسطس 1988، بمدينة بيشاور الباكستانية لوضع سجل لحصر المجاهدين فى أفغانستان وسمى بـ«قاعدة بيانات المجاهدين» إذ طرح اسم «القاعدة» لأول مرة.
وساهمت حرب الخليج وانهيار الاتحاد السوفيتى، فى ظهورالجيل الثانى لـ«القاعدة»، وبدأ المقاتلون الأجانب البحث عن جبهات جديدة للقتال داخل بلدهم كما حدث فى الجزائر وليبيا ومصر والشيشان والبوسنة وغيرها، ثم تحول بعضهم لمحاربة الولايات المتحدة لدعمها أنظمة دولهم المستبدة، فقرروا محاربة «عدوهم البعيد» أمريكا، لتتكون الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبيين والأمريكان عام 1998.
وجاءت هجمات 11 سبتمبر 2001، ثم غزو أمريكا لأفغانستان وإزاحة حكم طالبان، فعملت على تفكيك التنظيم والقضاء على مركزيته وتشتيت قيادته وعجلت الإعلان عن وفاته، إلا أن السياسات الخاطئة لإدارة المحافظين الجدد عملت على ولادة ثانية للقاعدة عبر بوابة العراق.
وعلى الرغم من تضرر تنظيم القاعدة المركزى كثيرا خلال السنوات الأخيرة، إلا أن أيديولوجيته الصلبة أصبحت أكثر جاذبية ونفوذا عقب ثورات الربيع العربى، ومقتل زعيمه أسامة بن لادن، على العكس مما توقعه بعض الخبراء بأن مقتل بن لادن سيمثل هزيمة لأيديولوجية «القاعدة» العنيفة وتقويض لفكر «السلفية الجهادية» المتشدد.
واستطاعت «القاعدة» استثمار الربيع العربى، ومقتل بن لادن، لتكوين «جيل ثالث» أكثر قوة وأشد فتكا وأوسع انتشارا، بما يؤكد أن التنظيم بدأ يفيق من الهجمات الأمريكية لمدة 12 عاما ويعيد ترتيب قوته وينتشر فى دولتى المقر بأفغانستان وباكستان إلى مفرخة للجهاديين فى أنحاء العالم. ولعل إغلاق الولايات المتحدة فى نهاية رمضان الماضى 25 من سفاراتها وقنصلياتها فى العالم بسبب مخاطر الإرهاب مؤشر على خطورة الجيل الجديد للتنظيم، كما اتبعت دول أوروبية عديدة فى مقدمتها بريطانيا وفرنسا وألمانيا، هذا الإجراء الأمر الذى وصفه بعض المحللين بأنه «أكبر تهديد أمنى منذ هجمات 11 سبتمبر».
ولا توجد أرقام محددة حول أعداد مقاتلى التنظيم المركزى فى باكستان وأفغانستان، إلا أن بعض خبراء مكافحة الإرهاب يقدرون أعدادهم ما بين عشرات إلى مئات الآلاف، فضلا عن غموض بشأن الجهات الممولة، ويعتقد بعض المحليين أنهم يمولون أنفسهم ذاتيا أو يعتمدون على التبرعات الخارجية أو تدعمهم بعض الدول بجانب سيطرتهم على زراعة وتجارة المخدرات فى أفغانستان.
وعلى الرغم من مرور 12 عاما على هجمات 11 سبتمبر، فإن نشاطات الجماعات المسلحة فى باكستان وأفغانستان فى تصاعد رغم العمليات العسكرية الواسعة النطاق للقوات الأمريكية وقوات حلف شمال الأطلنطى (الناتو) فى أفغانستان بمنطقة القبائل الباكستانية؛ حيث الملاذات الآمنة لقيادات «القاعدة» أو«طالبان». ولعل من أهم أسباب إعلان إدارة الرئيس الأمريكى باراك أوباما عن جدول زمنى لسحب القوات الأمريكية من أفغانستان نهاية 2014، هو تزايد وتيرة هذه العمليات وزيادة الخسائر البشرية والمادية فى صفوف القوات الأجنبية.ويتوقع خبراء عسكريون تصاعد العمليات العسكرية خلال الانسحاب الأمريكى لارتفاع معنويات الجماعات المسلحة التى تعتبر قرار الانسحاب نصرا عسكريا جديدا بعد سنوات الحرب.
وخلال السنوات الثلاث الأخيرة، قُتل عدد من قيادات القاعدة فى باكستان وأفغانستان، من بينهم زعيم القاعدة فى باكستان بدر منصور، والرجل الثانى فى التنظيم فى أفغانستان صخر الطيفى، إلا أنه تبقى عدد من قيادات الصف الأول، من بينهم أيمن الظواهرى، وقائد تنظيم القاعدة فى باكستان خالد الحبيب، ومصطفى حميد، المسؤول عن التدريب التكتيكى للقاعدة لكن محللين يرون أن التنظيم استعاد عافيته بعد الحرب.