x

مدارس «الإخوان».. الصراع من أجل البقاء (تحقيق)

الخميس 12-09-2013 19:25 | كتب: ريهام العراقي |
تصوير : طارق وجيه

خلف مكتب أنيق داخل صالة استقبال واسعة، جلس «إسلام»، شاب ثلاثينى، صاحب لحية طويلة، يستقبل الزوار، يتحدث الإنجليزية بطلاقة مع الوافدين الأجانب، بابتسامة هادئة وأسلوب مهذب تحدث عن المناهج الدراسية بالمدرسة، إلا أنه حرص طوال حديثه على تكرار عبارة: «إحنا صحيح مدرسة أمريكية لكننا فى نفس الوقت إسلامية، لا نستقبل طلبة أو مدرسين أقباطا».

على طريق مدينة نصر – المعادى بالهضبة الوسطى بمنطقة القطامية، يظهر مبنى كبير تتوسطه كلمات محفورة باللغتين العربية والإنجليزية، تشير إلى «مدارس جنى دان الدولية» المملوكة لأسرة خيرت الشاطر، نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، والمحبوس على ذمة قضية التحريض على قتل المتظاهرين بالمقطم. سور حديدى مرتفع يحيط بالمدرسة الدولية، يشتمل على عدة بوابات، جميعها مغلقة، فيما عدا بوابة صغيرة جانبية لاستقبال الزوار، خلف البوابة يستقبلك فرد من الأمن لا يسمح لك بالمرور إلا بعد تسليم بطاقتك الشخصية «نظرا للدواعى الأمنية» - على حد قوله.

سلالم رخامية تصل بك إلى صالة استقبال مكيفة، محاطة بأبواب زجاجية، تلونت جدرانها بألوان زاهية، تتوسطها لوحة فنية للآية القرآنية «وجنى الجنتين دان»، التى اقتبست منها المدرسة اسمها. تراصت على جوانبها أربع أريكات جلس عليها ثلاث سيدات منتقبات وأخرى محجبة.

تحرص مدرسة «جنى دان» الدولية على تخصيص زى موحد للمعلمات بها، فجميعهن يرتدين عباءة لونها زيتى وحجاب أبيض، حتى المعلمات الأجانب يرتدين نفس الملابس وجميعهن مسلمات، وتفصل المدرسة بين الطلبة والطالبات داخل الفصول بعد مرحلة رياض الأطفال، والمدرسة المملوكة للقيادى الإخوانى تبدأ مصاريفها من 31 ألف جنيه فى المرحلة الابتدائية، وتزيد 800 جنيه كل عام، ورغم اقتراب بدء الموسم الدراسى فإن المدرسة مازالت تفتح أبوابها للمتقدمين.

عن المناهج الدراسية بالمدرسة يقول «إسلام»، أحد الموظفين العاملين بالمدرسة: «(جنى دان) لا تختلف عن المدارس الدولية، فيما عدا حفظ القرآن، لأن المدرسة تلتزم بتحفيظ القرآن يوميا للطلبة، إلى جانب بناء الشخصية، وينقسم إلى شقين: دينى يتمثل فى علوم الشريعة مثل الأزهر الشريف، والآخر دنيوى ويتمثل فى تهيئة التلميذ للتنمية البشرية مثل التخطيط للمستقبل وكيفية استثمار الوقت».

«جنى دان» الدولية صممت على الطراز الأمريكى، إضافة إلى توصيل فصولها بسماعات داخلية لسماع الأذان، وإقامة الصلاة جماعة مع المعلمين، وهو السبب الذى تراه «هناء» إحدى أولياء الأمور كافيا لاستمرار ابنها تلميذ المرحلة الابتدائية، رغم معارضة زوجها لذلك خاصة بعد حبس خيرت الشاطر، إلا أنها أوضحت أن «جنى دان» مؤسسة ولن تتأثر بحبس خيرت الشاطر لأن هناك آخرين يديرونها - على حد قولها.

نفت إحدى المعلمات بالمدرسة - اشترطت عدم الإفصاح عن هويتها - ترديد التلاميذ شعارات خاصة بجماعة الإخوان المسلمين، مؤكدة أن تلاميذ المدرسة يرددون النشيد الوطنى إلى جانب عدة أناشيد دينية ليست لها صلة بالجماعة.

تورط خيرت الشاطر فى قتل المتظاهرين دفع «هاجر» إلى سحب ملف ابنها من المدرسة، مستجيبة لدعوات شبكات التواصل الاجتماعى بمقاطعة مدارس الإخوان المسلمين، وتقول: «لا أنكر أن المستوى التعليمى جيد، فأنا لا أنتمى إلى جماعة الإخوان المسلمين، وأعلم أن المدرسة تمتلكها أسرة خيرت الشاطر، إلا أننى ألحقت ابنى بالمدرسة لأنها قريبة من منزلى، ولكن بعدما حدث من قتل المتظاهرين السلميين بحجة الدفاع عن الشرعية قررت سحب ملف ابنى من المدرسة وإلحاقه بمدرسة أخرى».

استدعاء قوات من الشرطة والجيش لتفتيش المدرسة بعد تلقى بلاغ يفيد بوجود أسلحة يستخدمها أنصار الرئيس المعزول فى مسيراتهم كان السبب وراء تحويل ملف «محمود» تلميذ فى المرحلة الابتدائية بمدرسة أمجاد الدولية بالمعادى إلى مدرسة أخرى، لأن والده فضل إبعاد ابنه عن الصراع السياسى - على حد قوله - وحرصت إدارة «مدرسة أمجاد»، التى تملكها كاميليا العربى على تعليق ثلاث لافتات على واجهات المدرسة تنفى انتماءها لأى تيار سياسى، مؤكدة حرصها على مصلحة مصر، وأن المدرسة تتبع جمعية أحباب الله لتنمية المجتمع، وهى إحدى الجمعيات الخيرية.

تولى محمد مرسى رئاسة الجمهورية كان نقطة تحول فى تاريخ مدرسة أمجاد، فالمدرسة استقبلت «نجلاء على» زوجة الرئيس المعزول ثلاث مرات أثناء حكم مرسى، وقامت خلال الزيارات بتكريم العاملين بالمدرسة، وفى الأخرى بتكريم الطالبات، أما الثالثة فكانت زيارة شخصية لكاميليا العربى والتى تربطها علاقة صداقة بزوجة الرئيس المخلوع - حسب قول أحد الموظفين بالمدرسة رفض ذكر اسمه - قائلا: «سبحان مغير الأحول، الضباط اللى حضروا علشان يشوفوا فيه أسلحة فى المدرسة ولا لأ، هما نفس الضباط اللى كانوا بييجوا علشان تأمين موكب زوجة مرسى أثناء زيارتها للمدرسة ثلاث مرات بشكل شخصى، لأنها صديقة كاميليا العربى صاحبة المدرسة قبل أن يصل زوجها إلى الحكم، إلى جانب أنهم جيران فى القاهرة الجديدة، وإحنا فوجئنا الشهر الماضى بقوة من الشرطة والجيش بسبب تقديم بلاغ يفيد بوجود أسلحة فى المدرسة إلا أنه لم يثبت صحة البلاغ».

مدرسة «أمجاد الدولية» تتبع نظاما خاصا بها، فهى تمنع اختلاط المعلمين والمعلمات داخل المدرسة. المعلمات لهن مبنى خاص منفصل عن مبنى المعلمين، بالإضافة إلى فصل التلاميذ بعد مرحلة رياض الأطفال. وتلزم المدرسة المعلمات بارتداء عباءة سوداء وحجاب لونه مرتبط بالمرحلة الدراسية التى يدرسونها، ولا تستقبل المدرسة تلاميذ أو معلمين أقباطا، ومصاريف المدرسة تصل إلى 14 ألف جنيه فى العام، واستمارة إلحاق التلاميذ بالمدرسة تصل رسومها إلى 250 جنيها.

رغم تأكيد كاميليا العربى انقطاع الصلة بينها وبين شقيقها الممثل وجدى العربى، أحد أنصار الرئيس المعزول وأحد رموز منصة رابعة العدوية.. حسبما نقل أولياء أمور الطلاب الذين التقتهم «المصرى اليوم»، فإن ذلك لم يكن مبررا كافيا من وجهة نظرهم كى يدفعهم للإبقاء على أطفالهم فى المدرسة. من بين هؤلاء «رأفت»، أحد أولياء الأمور، والذى أكد أنه لم يكن أمام كاميليا العربى وسيلة سوى التبرؤ من أخيها الذى شاهده الجميع على شاشات التليفزيون أثناء اعتصام رابعة العدوية. وقال: «أسكن بمنطقة صقر قريش بالمعادى، ورأيت أن مدرسة أمجاد الدولية مناسبة لابنتى، خاصة أن مصاريفها تقل بكثير عن باقى المدارس الدولية التى تتجاوز 40 ألف جنيه، إلا أننى أرفض استمرار ابنتى بالمدرسة خوفا من حدوث مشاكل وصراع سياسى فى ظل الظروف الصعبة التى تمر بها مصر».

لم تبد «حنان» تخوفا من إلحاق ابنها بمدرسة إسلامية، فهى أرادت تعليمه على مبادئ الإسلام، حسب قولها، إلا أنها تخوفت من ترسيخ مفاهيم خاطئة فى عقل ابنها الصغير، خاصة أن إدارة المدرسة تناصر الرئيس المعزول. وتقول:«رفضت استمرار ابنى بالمدرسة خوفا من تفسير ثورة 30 يونيو بشكل خاطئ، خاصة أن إدارة المدرسة كانت مشاركة فى اعتصام رابعة العدوية وتناصر عودة الدكتور محمد مرسى، لذلك فأنا لا أحب أن ينشأ ابنى تحت تأثير جماعة أو تيار بعينه».

فيما أكد أحد الموظفين بالمدرسة، رفض ذكر اسمه، أن «ارتفاع نسبة تحويل التلاميذ من المدرسة لا يرجع إلى مناصرة كاميليا العربى للرئيس المعزول، وإنما يرجع إلى تغيير عدد من الأهالى عنوان سكنهم» - على حد قوله.

«تلعثم فى الكلام واحمرار بالوجه».. كان ذلك رد فعل إحدى موظفات مدرسة «فضل الخاصة»،عند سؤالها عن مدى علاقة المدرسة بالإخوان المسلمين، فأوضحت أن عصام العريان على صلة قرابة بصاحب المدرسة إلا أن زوجته لا تمتلك أسهما بالمدرسة، وهو ما نفاه أحد الموظفين بالمدرسة، رفض ذكر اسمه، مؤكدا أن زوجة عصام العريان تمتلك أسهما بالمدرسة، إلا أنه ليس لها مكتب خاص.

فى أحد الشوارع الجانبية بمنطقة الطالبية بحى الهرم تقع مدرسة «فضل الخاصة»، إدارة المدرسة حرصت على تعليق لافتة فى صالة الاستقبال تنفى انتماءها لأى فصيل سياسى.

«مش عيب إن المهندس عمرو صاحب المهندس كان بيروح رابعة لمناصرة الدكتور مرسى، كل واحد حر فى رأيه، ومش معنى كده إن المدرسة تابعة للإخوان المسلمين».. بهذه الكلمات عبرت «راندا» إحدى الموظفات بمدرسة فضل قائلة: «المدرسة تقبل التلاميذ الأقباط، ويشتغل بها معلمون أقباط منذ افتتاحها منذ ما يزيد على الثلاثين عاما، وهذا يؤكد أننا لا ننتمى إلى جماعة الإخوان المسلمين التى لا تستقبل التلاميذ الأقباط فى مدارسها».

وأوضحت «رباب»، ولية أمر تلميذ بمدرسة فضل، أنها فضلت تحويل ملف ابنها من المدرسة، بعد الحديث عن امتلاك زوجة القيادى الإخوانى عصام العريان أسهما فى المدرسة. وتقول: «سمعنا كلاما عن امتلاك زوجة عصام العريان أسهما فى المدرسة، ففضلت أن أقوم بسحب ملف ابنى خوفا من إغلاق المدرسة، خاصة بعد القبض على قيادات الإخوان المسلمين».

من جانبه، قال الدكتور كمال مغيث، الخبير التربوى، إنه فى السابق كان يخاف الإخوان المسلمون من الإعلان عن المدارس التابعة لهم، إلا أنهم بعد توليهم الحكم أفصحوا عنها وكانوا يتباهون بها، مؤكدين أنها لا تقل كفاءة عن مدارس الكاثوليك، خاصة بعد سيطرتهم على منبع وزارة التربية والتعليم، من خلال تعيين أغلب مستشارى الوزير مثل: عدلى قزاز، مستشار الوزير وصاحب مدرسة «المقطم الدولية»، ومحمد السروجى، المستشار الإعلامى للوزير السابق وصاحب مدارس «الجيل المسلم».

وحذر «مغيث »من مدارس الإخوان المسلمين على العملية التربوية، قائلا: «وظيفة المدرسة الأولى صناعة مواطن فى ظل مجتمع مصرى تختلف أطيافه على المستوى الدينى والاقتصادى والثقافى والعمرانى، فالمدرسة يجب أن تجمع كل هذه الطوائف فى جذع واحد لشجرة ضخمة، أما الإخوان المسلمون فلا يغرسون مبدأ المواطنة فى عقول التلاميذ بمدارسهم، بل يحرصون على نمو جذر واحد فى الشجرة لتتحول إلى مجموعة من الأعشاب والحشائش وليس شعبا حقيقيا والدليل هو استبعاد الأقباط من مدارسهم».

وعن تغيير المناهج، استبعد «مغيث» هذا الأمر، مضيفا: «سنة واحدة فى الحكم ليست كافية لتنفيذ ذلك، لكنهم استطاعوا وضع مصطلح (أهل الذمة) فى كتاب المواطنة وحقوق الإنسان بالصف الثانى الثانوى، وكتاب المطالعة بالصف السادس الابتدائى، وأعتقد أن استمرار الإخوان فى الحكم كان سيؤدى إلى تغيير المناهج بما يخدم أهداف الجماعة».

ومن جانبه، أوضح الدكتور محمود أبوالنصر، وزير التربية والتعليم، فى تعليق لـ «المصرى اليوم» أن الوزارة لا تقوم بعمل تحريات على المدارس إلا بعد استقبال شكاوى من أولياء الأمور تتعلق بوجود مخالفات بالمدرسة، مثل غياب النشيد الوطنى أو ترديد شعارات خاصة، فنرسل على الفور لجان تفتيش إلى هذه المدرسة للتحقق من تطبيق المدرسة تعليمات الوزارة من عدمها.

وأشار «أبوالنصر» إلى أنه لا يوجد حصر كامل ودقيق لمدارس الإخوان المسلمين أو التيار الإسلامى عموما، قائلا: «هى تتراوح ما بين 50 و60 مدرسة، واستقبلنا بلاغات من المواطنين تفيد بأن المدرسة تابعة للإخوان المسلمين إلا أنه يتبين من لجان المتابعة أنه ليس لها أى انتماء لجماعة الإخوان المسلمين، ومع بدء السنة الدراسية الجديدة سيظهر لنا أى مدارس منتمية إلى التيار الإسلامى من خلال عملية المتابعة».

وحول ارتفاع نسبة تحويل الطلاب من مدارس الإخوان المسلمين إلى مدارس أخرى، أكد «أبوالنصر» أن الوزارة ليست لديها إحصائية عن نسبة تحويل الطلاب من مدارس الإخوان إلى مدارس أخرى، فالوزارة ليست مسؤولة عن تحويل الطلاب، ولا تبلغ إدارات المدارس عن نسبة تحويل الطلبة منها لأن ذلك يضر بسمعتها - على حد قوله.

وذكر «أبوالنصر» أنه أرسل تعليمات إلى إدارات التربية والتعليم على مستوى الجمهورية تنص على إلزام جميع المدارس بتنفيذ تعليمات الوزارة من عدم الخروج على المحتوى التعليمى، خاصة مادتى التربية الوطنية والتاريخ، وأنه التقى عددا من السفراء للتأكيد على أن المدارس الدولية تخضع لإشراف من وزارة التربية والتعليم.

وأوضح الوزير أنه لا يستطيع حذف فترة حكم الرئيس المعزول من كتب التاريخ، لأنه من الصعب نسيان عام كامل من حياة المصريين، إلا أنه قام بتنقية المناهج من كل ما هو مخالف للحقيقة والواقع، فلا توجد مزايدة أو إضافة فى المناهج التعليمية خاصة مادتى التاريخ والتربية الوطنية.

وحذر «أبوالنصر» من عدم التزام المدارس الخاصة بتعليمات الوزارة قائلا: «المدارس غير الملتزمة بالتعليمات سيتم إنذارها مرتين، وإذا لم تستجب المدرسة إلى الإنذارات نبدأ فى تطبيق الجزاءات من خلال فرض الإشراف المالى والإدارى من جانب الوزارة على المدارس، ولا نستطيع إغلاق المدارس المخالفة لأن لوائح الوزارة لا تسمح بغلق المدارس حتى لو كانت مخالفة».

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية