لم تكن المحاولة الفاشلة التي نفذها مسلحون للتأثير على حركة الملاحة باستهداف إحدى السفن العابرة، وإطلاق النيران تجاهها، ظهر الأحد الماضي، وأعلن الفريق مهاب مميش، رئيس هيئة القناة، هي العملية الأولى من نوعه التي تستهدف المجرى الملاحي، الذي بات في مرمى النيران، والتي تمت السيطرة على الوضع والتعامل معه سريعا لتستمر حركة الملاحة دون توقف، بل كان لها سابقات ولم يتم الإعلان عنها.
كانت تلك هي الواقعة الأولى فقط، التي يتم الإعلان رسميا عن تنفيذها من قبل الدولة، لكن سبق لهذه المجموعة تنفيذ عملية أخرى وفقا لبيان لمجموعة أطلقت على نفسها «الفرقان»، ونشرت فيديو خاصا بها على موقع «يوتيوب».
الواقعة الأولى، تقول المجموعة الجهادية إن تنفيذها جاء في 21 رمضان الماضي، والفيديو تم تصويره مساءً دون ظهور ملامح أو أصوات تفجيرات في الفيديو، لكن البيان المرفق بالفيديو أكدت خلاله المجموعة الجهادية أنها هي العملية الأولى لها، وتم استخدام فيها قذيفتى «آر بي جي».
وقال منفذو العملية حسبما جاء في الفيديو: «طال الظلم واستفحل، وطغت الجاهلية العالمية من خلال أذنابها من اليساريين والعلمانيين، فإن كتائب الفرقان على مستوى القطر المصري قد نفد صبرها، الذي كان فقط عن حكمة صبر، ونبشر جموع المسلمين بأن عملياتنا مستمرة إن شاء الله، ولن يسلم منا كل إخوان أثيم من الصليبيين والإعلاميين، ورجال الأعمال، وقضاة النظام السابق، وكل مجرم تلوثت يداه بدماء المسلمين»، مختتمين بيانهم الأول بقول: «هذا وبالله وحده التوفيق.. وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون».
بينما تم تنفيذ العملية الثانية الأسبوع الماضي، ونشرت فيديو العملية، الذي جاء واضحا أكثر من سابقه مع وضع «لوجو» علم القاعدة المكتوب عليه «لا إله إلا الله محمد رسول الله»، ومن الأسفل كتب اسم المجموعة الجهادية «كتائب الفرقان»، ويظهر فيه شابان كل منهما يحمل قذيفة «آر بي جي» يتسللان وسط أرض زراعية بالقرب من المجرى الملاحى للقناة، وينجح الأول في إصابة جسم السفينة، أما الثاني فيفشل في توجيه قذيفته لتصطدم بتبة رملية، ومن خلفهما شاب بلهجة بدوية يهلل فرحا بإصابة القذيفة للسفينة، وهو يردد «الله أكبر».
ونشرت المجموعة الجهادية بيانا ثانيا مع الفيديو بعنوان «الديمقراطية كفر»، قائلين فيه «بعد أن خاض إخواننا طريق الديمقراطية والانتخابات وأشربوا في قلوبهم عجل (السلمية) و(الديمقراطية)، وأعطوا الشرعية للصناديق لا إلى الله ولرسوله والمؤمنين، لتكون كلمة الله هى العليا صناديق الذخيرة لا صناديق الانتخاب، وأن (السلمية) لن تغنى من الحق شيئا.. وإننا نعد لضربات قاصمة للنظام وأعوانه ومؤسساته، والقادم أدهى وأمر».
«المجموعة تعرف جيدا كيف تتعامل مع التكنولوجيا» يتحدث وائل عباس، المدون المصرى، الذي نشر الفيديو عبر مدونته، المجموعة قامت برفع الفيديو على موقع مخصص لرفع الفيديوهات، ليقوم بعدها الموقع بإرسال رسالة على إيميلي الخاص ليخبرني بأن هناك فيديو يجب تنزيله لأنه سيتم حذفه في خلال 48 ساعة، وهو نفس الأسلوب، الذى اتبعوه في الفيديو الأول، والفيديو الثانىي هم من قاموا بعمل التمويه على وجه أحد الأشخاص، حتى لا يستطيع أحد معرفة هويته، وأيضا إعادة لقطة إصابة الصاروخ للسفينة بالتصوير البطيء.
ويعد تكنيك تصوير الفيديوهات للعمليات، التي تقوم بها مثل تلك الجماعات تكتيك مماثل لتنظيم القاعدة، الذى كان عادة يرسل هذه الفيديوهات إلى قناة الجزيرة، ولكن «عباس» يرى أنهم اختاروه هو، لأن المجموعة كانت تبحث عن جهة محايدة تقوم بنشر الفيديو، حتى لا يقوم بالتشكيك في مدى صحته، أو نفيه من الدولة الرسمية بسهولة، وهو ما لم يجدوه في قنوات الجزيرة، أو «أون تي في» أو «سي بي سي» مثلا، حسب قوله.
وقال أحد مهندسى الصيانة، الذي شارك في أعمال الإصلاحات بالسفينة COSCO ASIA، إن الإصلاحات بالسفينة استمرت تقريبا يوما ونصف اليوم داخل إحدى ورش الهيئة، وهو ما يؤكد أن الأضرار التي لحقت بالسفينة لم تكن جسيمة، لكن تمنعها من التحرك، وكان يجب توقيفها لإصلاحها، وأكد المهندس بعد مشاهدة الفيديو المنشور لواقعة الضرب أنها هى السفينة نفسها، التي كان يقوم بالمشاركة في إصلاحها، وأن مكان الإصابة هو بالفعل ما شاهده بعد دخول السفينة إلى الورشة.
وعلمت «المصرى اليوم» من مصادر داخل هيئة قناة السويس أن إدارة الهيئة كانت تنوي عدم الإعلان عن الواقعة في البداية، ولكن مع إصرار مسؤولى السفينة على إبلاغ شركة التأمين الخاصة بها، لكي تتكفل بأعمال الإصلاحات اضطرت الهيئة للإعلان عن الواقعة.
واقعة أخرى لم تعلن عنها هيئة قناة السويس رسميا، وإن انتشرت بشكل شعبى، لأنها وقعت بالقرب من منطقة سكنية. يروى تفاصيل العملية سيد إبراهيم، الذى يسكن في مواجهة المجرى الملاحي، قائلا: «سمعت طلقات رصاص ليلا بالقرب من المنزل، وشاهدت بعينى مجندين مصابين تنقلهما سيارة إسعاف تابعة للقوات المسلحة بعد إصابتهما أثناء عملية تبادل إطلاق نيران مع مسلحين مجهولين»، الواقعة أكدها أحد المصادر العسكرية المسؤولة عن تأمين الهيئة، مؤكدا أنها حدثت في الأسبوع الأخير من شهر رمضان الماضي بعد أيام قليلة من إعلان كتائب الفرقان في بيانها الأول عن بدء عمليات ضرب المجرى الملاحي.
لقناة السويس حكايات تتناقلها الأجيال يدور معظمها عن الدور البطولى لرجال المقاومة الشعبية والفدائيين في السويس، يقول عنها سيد إبراهيم، الشاهد على واقعة تبادل إطلاق النار مع قوة تأمين المجرى الملاحى في بورفؤاد، وهو يشير بحزن إلى القناة: «الحكايات دى كلها ليها طعم تانى لو اتحكت هناك وإحنا قاعدين على شط القناة، أنا سمعتها من أبويا وجدي هناك، لكن دلوقتي ما ينفعش حد يقرب من المجرى الملاحي».
بطول 162 كيلومترا هي الخط الموازى لشاطئ القناة لا يستطيع أحد الاقتراب. سور من الأسلاك الشائكة بارتفاع مترين ونصف المتر تقريبا، خلفه جنود يقفون في صف مستقيم تفصل بين كل مجند وآخر مسافة 5 أمتار تقريبا، ويحمل كل منهم بندقيته، ويقف ظهره إلى القناة يراقب جيدا أى تحرك، والأوامر واضحة لديهم «الضرب في المليان»، إضافة إلى كمائن الجيش والشرطة الموجودة بالقرب من خط الملاحة مع انتشار عناصر للمراقبة فوق الأبنية القريبة من شاطئ القناة، لمراقبة أي تحركات غريبة، والإبلاغ عنها عن طريق أجهزة اللاسلكى.
الأمر يختلف كثيرا عند الكتل السكنية، التي توجد بالقرب من شط القناة مثل قرى شندورة وأبوالعزايم وعمر بن الخطاب، فكمائن الجيش تنتشر بكثافة على مداخل تلك القرى مع تحرك مدرعات الجيش بين المنازل والبيوت، خاصة مع تحرك السفن من السويس إلى بورسعيد أو العكس.
ويرجع أحد المصادر العسكرية بعد مشاهدة فيديو استهداف السفينة أن المنطقة التي أطلقت منها القذيفتان تقع في المنطقة بين بورسعيد والإسماعيلية، التى تصل مسافتها إلى ما يقرب من 78 كيلومترا، خاصة أن «هناك تكتلات بدوية تنتشر على ذلك الطريق، ويعتقد أن يكون المسلحون نسقوا مع أحد الأهالى، لتسهيل دخول منفذى العملية، ليكونوا متواجدين لأقرب نقطة يستطيعون من خلالها تنفيذ مخططهم».
من جانبه، قال الدكتور كمال حبيب، الباحث والخبير في شؤون الحركات الإسلامية، البيانات والفيديوهات الخاصة بكتائب الفرقان: «إنها مجموعات تكفيرية صغيرة جديدة بدأت تنتشر بعد الثورة، وبانتهاء ثورة ليبيا، حيث إنها تنتمي معظمها للسلفية الجهادية، التي تستطيع أن تنمو في المساحات الصحراوية والزراعية، التي تبعد عن الكتل السكانية، وعن سلطة الدولة، مثلما يظهر في الفيديو»، مضيفا أن «لهجة الشاب الذي يهلل الله أكبر تبدو أنها بدوية، ولكن تهليله عند مشاهدته اصطدام الصاروخ بالسفينة يؤكد انتماءه للفكر الجهادي، خاصة أن عمر الشابين اللذين يطلقان القذيفتين صغير، والتأثير عليهما سهل».
من جانبه، أكد اللواء الدكتور عادل سليمان، مدير المركز الدولي للدراسات المستقبلية أن «هذان الشابان يبدو عليهما أنهما ليسا مدربين بشكل جيد، لأن أحدهما أخطأت قذيفته هدفها، واصطدمت بكتلة رملية، ولكن يبدو أن السويس ستنضم إلى سيناء من حيث انتشار مسلحين ومجموعات جهادية لا يعلم عنها الأمن أى شىء أو عن تحركها أو تمركزها».
وتنتشر بسيناء مجموعات جهادية عديدة تحت أسماء عديدة، لكن واقعتى الاعتداء على المجرى الملاحى تعتبران أول ظهور لكتائب الفرقان في مصر، حيث يوجد امتداد لها في سوريا، وتقوم بتنفيذ عمليات ضد الجيش السوري التابع لبشار الأسد، ولكن الباحث الإسلامي كمال حبيب ينفي أن تكون لتلك المجموعة الموجودة في مصر صلة بالمجموعة الموجودة في سوريا، مؤكدا «هذه جماعات عنف صغيرة جديدة، وهو ما يظهر في صيغة بيانهم الثاني».
في خلال الـ4 سنوات الأخيرة أعلنت أجهزة الأمن ونيابة أمن الدولة القبض على مجموعات جهادية كانت تنوى القيام بعمليات إرهابية، وأن قناة السويس كانت من ضمن أهدافهم، وذلك عندما عثروا معهم على خرائط تفصيلية للمجرى الملاحى، وهو ما يؤكده «حبيب» أن المجرى الملاحي مستهدف من فترة طويلة من قبل الجماعات الجهادية، موضحا «يعلمون جيدا أهميتها الاستراتيجية لدى الدولة، وأن ضربها المسلح يضعف الدولة خارجيا».