كشفت المجموعة المنسحبة من الجمعية التأسيسية للدستور عن أنها كانت قدمت تقريراً مفصلاً بمقترحاتهم ورؤيتهم لتعديل عدد من نصوص مشروع الدستور، وكذلك اعتراضاتهم التى سبق تقديمها للجمعية ولم تأخذ بها، وكانت السبب فى انسحابهم منها.
وحددت المجموعة المقترحات والاعتراضات فى وثيقة قدمتها لدى إعلانها الانسحاب من الجمعية التأسيسية، تشمل مجموعة من المحاور تغطى مختلف أبواب مشروع الدستور، وتتضمن عدة نقاط منها:
النقطة الأولى: إهدار دولة القانون والتأسيس لدولة ولاية الفقيه:
تطالب المجموعة بالحفاظ على نص المادة «2» دون تعديل، وترى أن تعديلها بموجب المادة «219» من المشروع غير مقبول لأنه يعدل «مبادئ الشريعة الإسلامية» التى تمثل الثابت والمتفق عليه من حيث المصدر والمدلول إلى «أحكام الشريعة» التفصيلية والمتغيرة بحسب الظروف والمكان والزمان، والمختلف عليه بين الفقهاء، لذلك فإن التعديل على المادة «2» بموجب المادة «19» وفى إطار وجوب أخذ رأى الأزهر فيما يتعلق بالشريعة المادة «4»، يضع مؤسسات الدولة الديمقراطية تحت ولاية الفقيه، ويهدد الاستقرار القانونى والاجتماعى ويتعارض مع مقتضيات دولة الديمقراطية والقانون.
وأوضحت المجموعة أن هناك إشكالية فى المادة «4» الخاصة بالأزهر الشريف من حيث وجوب أخذ رأيه فى الشؤون المتعلقة بالشريعة الإسلامية، إذ إن الأزهر الشريف له مكانته العلمية والتاريخية، والنص على وجوب أخذ رأيه فى كل ما يخص الشريعة الإسلامية يضع السلطة التشريعية فى إطار المادة «2» من الدستور - وكذلك السلطتان التنفيذية والقضائية - تحت وصاية المؤسسة الدينية، موضحة أنه من غير المتصور أخذ الرأى وعدم الالتزام به، كما أنه من المستقر منذ أكثر من 30 عاماً أن المرجعية فى مدى دستورية أى قانون يطعن عليه لمخالفة مبادئ الشريعة هى للقضاء ممثلاً فى المحكمة الدستورية العليا التى تشهد أحكامها باستنادها لأمهات المراجع التى تتناسب مع الوقائع المعروضة والمتغيرة بحكم طبيعتها.
وكذلك فإن المادة «81» تحمى المبادئ والحقوق والحريات من تقييدها بقوانين، إلا أنها قد أضيفت إليها فقرة «تمارس الحقوق والحريات المنصوص عليها فى هذا الباب بما لا يتعارض مع الأحكام الأساسية للدولة والمجتمع الواردة فى هذا الدستور»، وحيث إن الدستور هو المرجع النهائى للحقوق والحريات التى يمارسها المواطن وتحميها الدولة فإن المشروطية المضافة تفتح الباب لإلغاء مرجعية الدستور والتراجع عن الحقوق والحريات وتقييد ممارستها على نحو يمس جوهرها ويتعارض مع الهدف من النص عليها فى الدستور ومع نص الفقرة الأولى من ذات المادة.
وبحسب المجموعة المنسحبة من الجمعية التأسيسية فإن خطورة هذا النص تزداد فى إطار المادة «219» المقترحة التى تجعل أحكام الشريعة وآراء الفقهاء المختلف عليها، والتى تمثل اجتهاداً بشرياً غير ملزم، المصدر الرئيسى للتشريع، مما يسمح باستخدام رأى الفقيه الدينى، سواء من هيئة علماء الأزهر وفقاً للمادة «4» أو غير ذلك، لتقييد حقوق وحريات المواطن الأساسية.
كل ذلك يجعل الدستور وثيقة لا تضمن حقوق المواطن وتسعى لفرض هوية ثقافية أحادية دينية متشددة مخالفة للهوية المصرية الوسطية المنفتحة على العالم، ولفرض ولاية الفقيه بدلاً من دولة القانون.
النقطة الثانية من مقترحات المنسحبين تنص على أحادية الثقافة وسطوتها، وفيها أن نص المادة 10 يسمح بتدخل المجتمع لحماية الطابع الأصيل والقيم الأخلاقية وفقاً لقانون جديد يشار إليه فى الدستور لأول مرة، ويمكن أن يكون ذلك سنداً لقانون الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ومصدراً للعنف الاجتماعى.
أما النقطة الثالثة فتتعلق بمبدأ المساواة أمام القانون والتزام الدولة بتفعيل مبدأ تكافؤ الفرص وعدم التفرقة بين المواطنين.
وتم حذف الالتزام بعدم التمييز على أساس الجنس أو الدين أو العقيدة أو اللون أو اللغة أو الرأى أو الوضع الاجتماعى أو الإعاقة، من المشروع المقدم، وهذا يخالف جميع الدساتير المصرية ومؤشر خطير يسمح بإصدار قوانين تمنع المرأة أو المواطن المسيحى مثلا من تقلد بعض الوظائف بادعاء اختلاف مراكزهم القانونية، استنادا إلى آراء فقهية متشددة ومسيئة للشريعة الإسلامية، ويزداد الخطر فى إطار العدوان على المحكمة الدستورية العليا والسيطرة على تشكيلها.
كما تقترح المجموعة إضافة فقرة «وتلتزم الدولة بالقضاء على جميع أشكال التمييز وضمان إعمال مبدأ تكافؤ الفرص لجميع المواطنين ومحاربة العادات والتقاليد والأنماط الثقافية والاجتماعية التى ترسخ التمييز والمحسوبية.. والدعوة إلى الكراهية أو التحريض عليها جريمة يعاقب عليها القانون»، وذلك للتصدى لمشكلة غياب تكافؤ الفرص والتمييز بين المواطنين.
رابع النقاط التى طرحها المنسحبون من الجمعية هى مخالفة مبادئ الشرعية الجنائية والعقوبات لأول مرة بنص دستورى، حيث نصت المادة «76» على أن «العقوبة شخصية، ولا جريمة ولا عقوبة إلا بنص دستورى أو قانونى، ولا توقع عقوبة إلا بحكم قضائى، ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون»، ولم يحدث أن نص أى دستور فى العالم على أن تنشأ جريمة وعقوبة بنص دستورى، ولا يمكن أن يفهم هذا النص الغريب إلا أنه يهدف لتمكين القاضى من الحكم بعقوبة كالجلد على جريمة بموجب أحكام الشريعة على أساس نص دستورى، دون الحاجة للنص عليها فى قانون العقوبات، وهذا يمثل خطرا داهما على حقوق وحريات المصريين وعلى الاستقرار القانونى والقضائى.
وطالب المنسحبون بحذف المادة «232» الخاصة بمنع قيادات الحزب الوطنى المنحل من ممارسة العمل السياسى والترشح للانتخابات الرئاسية والتشريعية لمدة 10 سنوات من تاريخ العمل بالدستور، إذ مع الإقرار بأن هناك مفسدين من أعضاء الحزب «المنحل» يجب حماية المجتمع من شرهم، إلا أن ذلك لا يجوز أن يتم من خلال دستور من المفترض أن يكفل العدل وأن يحمى الحقوق والحريات، والمقترح إصدار قانون للعدالة الانتقالية يضمن المحاسبة ويحقق المصالحة الوطنية فى نفس الوقت.
واعترضت المجموعة على نص التحصين من رقابة القضاء والعصف بحصانة القضاة وباستقلال القضاء، حيث تنص المادة «129» على أنه «لا يجوز حل المجلس (النواب) خلال دور انعقاده السنوى الأول، ولا للسبب الذى حل من أجله المجلس السابق»، وترى المجموعة أن تحصين قرارات السلطة التنفيذية والتشريعات الصادرة من السلطة التشريعية من رقابة القضاء دليل قاطع على التأسيس للاستبداد ومخالفة قواعد دولة القانون الديمقراطية، وأن تحصين تشكيل مجلس النواب من رقابة القضاء بالمخالفة للأعراف الدستورية وقواعد المشروعية يعكس نية مبيتة لمخالفة مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص فى قانون الانتخابات ومصادرة حق المحكمة الدستورية فى الحكم بعدم دستوريته.
وبخصوص تقييد حرية الصحافة واستمرار الحبس فى جرائم الرأى المعروفة بجرائم النشر فلم تنص المادة «48» الخاصة بحرية الصحافة والطباعة على حظر الرقابة على النشر وحظر وقف أو مصادرة الصحف وسائر وسائل الإعلام، كما تتكرر المشروطية بإخضاع حرية الصحافة للباب الأول فى شأن مقومات الدولة والمجتمع، وهو ما يفتح الباب لتقييدها وفقاً لآراء الفقهاء أو لإرادة الحاكم لا وفقاً لقواعد مجردة فى القانون، كما خلا الدستور المقترح من النص على عدم جواز توجيه الاتهام فى جرائم النشر بغير طريق الادعاء المباشر، وعدم توقيع عقوبة سالبة للحرية فى جرائم النشر.. مع مراعاة أن جرائم النشر ليست جرائم الصحفيين وإنما لكل مواطن ارتكب جريمة بإحدى وسائل العلانية «مادة 171 من قانون العقوبات» مثل الكتاب وخطباء ميدان التحرير، وشباب المظاهرات ومن يتحدثون فى الفضائيات أو أى مواطن ينشر رأيه فى الصحف أو على الإنترنت.
وحول نص إهدار حقوق أطفالنا، ذكرت المجموعة أن المادة «70» الخاصة بالطفولة أغفلت بعض التزامات الدولة بموجب اتفاقية حماية حقوق الطفل التى صدقت عليها مصر، ثم رفعت التحفظات السابق إبداؤها عليها، كما ضمنتها قانون الطفل رقم 12 لسنة 1996، وتعديله بموجب القانون رقم 126 لسنة 2008.
والمطلوب أن يكون النص الدستورى سنداً للحقوق المنصوص عليها فى القانون واتفاقية حقوق الطفل، فلم تنص على حماية الطفل من جميع أشكال العنف ومن الإساءة والاستغلال، كما أغفلت حظر زواج الأطفال دون سن الثامنة عشرة حرصاً على حصولهم على الحد الأدنى للتعليم والرعاية، وسمحت بعمل الأطفال فى سن الإلزام التعليمى بشرط أن تكون أعمالاً تناسب عمرهم ولا تمنع استمرارهم فى التعليم.
وحول نص التراجع عن موقف مصر من حرية العقيدة وممارسة الشعائر الدينية الثابت فى دستور 1923 ودستور 1971 وفى الإعلان العالمى لحقوق الإنسان، ذكرت مجموعة المنسحبين أن المادة «43» قصرت دور الدولة على كفالة حرية ممارسة الشعائر الدينية وإقامة دور العبادة للأديان السماوية، وأن حرية العقيدة وممارسة الشعائر الدينية حقوق دستورية ثابتة فى دستور 1971 «مادة 46» كما أنها ثابتة بموجب المادة «18» من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان الذى شاركت مصر فى صياغته وصدقت عليه دون أى تحفظات، وأنه لا يمكن حرمان أى إنسان من ممارسة العبادات الدينية فى المنزل أو غرفة الفندق.
من جانبه، قال الدكتور وحيد عبدالمجيد، المتحدث السابق باسم الجمعية التأسيسية، إن القوى المدنية قبل انسحابها من الجمعية، قدمت وثيقتين، الأولى تتضمن المواد والنقاط التى تعترض عليها بشكل محدد، بعد أن راوغ «الإخوان المسلمون» والسلفيون وتهربوا من التوافق الذى تعهدوا به عندما شكلت الجمعية.