x

المصريون يستعيدون حياتهم بعد عودة الروح إلى «الشوارع المحظورة»

الأحد 01-09-2013 23:24 | كتب: محمد طارق |
تصوير : إيمان هلال

قبل الساعة السابعة بدقائق، استلم محمود يحيى، سيارة التاكسى من شقيقه الذى يعمل عليها فى الفترة الصباحية، نصف ساعة قضياها سويا على المقهى بعد انتهاء الوردية، تناولا فيها الشاى والأحاديث التى لا تخلو في نهايتها من السياسة.

نظر محمود فى ساعته، وعلم أن ثلاث ساعات مازالت متبقية على موعد حظر التجوال، بعد قرار مجلس الوزراء، السبت، تعديل مواعيد حظر التجوال المفروض ليبدأ 11 مساءً بدلا من 9 مساءً، فقرر أن يركب التاكسى ويتجول في شوارع القاهرة، بحثا عن زبائن قبل بدء الحظر، فساعتان فقط كفيلتان بتخفيف الأعباء المادية عليه، نوعا ما، أمام ما يطلب منه توفيره كل شهر. «الساعتين يفرقوا معايا كتير، لأنى باشتغل على التاكسى أنا وأخويا بدل المواعيد الأولى اللى كانت بتمثل لنا موت وخراب ديار بسبب وقف الحال والبهدلة اللى تعبنا منها».

قاد محمود سيارته التاكسى، باتجاه وسط المدينة على أمل البحث عن زبون، الساعة لم تصل الثامنة والنصف، والشوارع خالية، أغلقت المحال أبوابها، بعضها بواجهاتها الزجاجية والبعض بالواجهات الحديد.

لكن أضواء الشوارع مازالت مشتعلة، تعديل مواعيد حظر التجوال كان له أثر جيد على مزاج محمود السائق، «من 7 إلى 11 كده زى الفل، أنا فى احتياج لكل ساعة زيادة لأنى بأدفع قسط 1750 جنيه كل شهر يا أستاذ».

يقولها محمود، ويكرر المبلغ بغضب، ويضيف أنه التزام طوال الأيام السابقة بمواعيد الحظر عندما كان يبدأ من الساعة السابعة، وبعدما امتد ليصل إلى التاسعة.

أيام قليلة فقط، اخترق فيها محمود ساعات الحظر بحسب روايته، كحالة طوارئ لزبون مريض يريد الذهاب إلى المستشفى أو مصلحة مستعجلة، بحسب قوله: «التاكسى مايقدرش يقول للزبون لأ، خصوصا لو فى حالة طوارئ».

يحكى موقفا حدث معه الخميس الماضى، «طلب منى أحد الزبائن ومعه زوجته، أن أنقلهما إلى مستشفى الحميات لأن زوجته مرضت فجأة، كنت أجلس على المقهى حينها بعد بدء الحظر، لم أستطع أن أرفض طلبه وركبنا التاكسى وغادرنا، استوقفنى كمين للجيش فى شارع صلاح سالم، فتش السيارة واطلع على هويتى وهوية الرجل وزوجته، ولما علم أنها مريضة تركنا نذهب إلى المستشفى».

فى طريق محمود، إلى وسط المدينة وأثناء تجوله، أزعجه هدوء الشوارع وخلوها قليلا من المارة، يرى محمود أن ذلك الهدوء يعود إلى التأخر فى إعلان قرار الحكومة، بتعديل مواعيد بداية الحظر «هما قالوا القرار الساعة 6، فكل الناس جريت تلحق المترو وقالت نروح قبل الزحمة، غالبا اتعودوا وقالوا نروح قبل المعاد، نفس الشىء حصل أول يوم اتعدل فيه معاد الحظر إلى 9 مساء».

فى شوارع الزمالك، كانت الساعة التاسعة تقريبا، وبقيت ساعتان على الحظر، لكن أغلب المحال أغلقت أبوابها، والشوارع شبه خالية من السيارات إلا قليلا، يعبر إشارات المرور دون توقف لقلة السيارات، لم يستمر فى العمل سوى بعض المقاهى التى خلت من الزبائن خاصة التى تطل على شارع 26 يوليو، أما المقاهى التى تسكن فى الشوارع الجانبية، فقد شهدت إقبالا متزايدا نوعا ما، قياسا بالمقاهى التى تطل على الشوارع الرئيسية.

وعلى طاولة لأربعة أشخاص بأحد المقاهى، التى تقع فى أحد الشوارع الفرعية بحى الزمالك جلس جورج إيهاب، ومارك حنا، وجون مراد، وبشوى مراد، شباب فى منتصف العشرينات، قرار مد فترة الحظر أسعدهم، بسبب عدم اعتيادهم الجلوس بالبيت لفترات طويلة.

«حتى لو نزلت من البيت وقت الحظر، فأنا مطالب إنى أظل فى المنطقة ماخرجش منها» يقولها جورج وهو يكمل مشاكل تطبيق حظر التجوال بالنسبة له، مضيفًا: «كما أنى مطالب بأن أتحرك قبل الحظر بساعتين على الأقل بسبب الزحام إذا أردت الذهاب إلى البيت».

يلتقط مارك أطراف الحديث من جورج، ويوافقه فى الرأى، لكنه ينظر إلى المسألة كمؤشر اطمئنان لديه من جانب الحكومة، التى فرضت نظاما على الدولة باستجابة من الشعب «التدرج اللى حصل فى ساعات الحظر إشارة لإزالة المخاوف التى كانت موجودة لدى الناس، وهى إشارة للأمان أمام المخاوف التى أعربت عنها الحكومة فى وقت سابق».

يضيف: «هذا بالإضافة إلى أن الحكومة بدأت تشعر أن الناس زهقانة خصوصا أننا فى موسم الصيف حيث يعتاد المواطنون السهر والخروج إلى ساعات متأخرة من الليل».

ويتفق جون وبيشوى مراد، مع كلام جورج ومارك، كلاهما يرى أن قرار تعديل ساعات الحظر كان بسبب اطمئنان الدولة مما حدث يوم 30 أغسطس الذى كان من المتوقع أن يشهد مظاهرات حاشدة لجماعة الإخوان، والسبب الآخر هو الملل الذى بدأ يصيب الناس فى البيوت. لكن بيشوى يضيف:«استطاعت الدولة أن تضع يدها على الدولة مرة أخرى، خصوصا مع توالى القبض على القيادات الإسلامية، إلى ذلك فإن الشوارع مؤمنة تأمينا جيدا فالكمائن والمدرعات منتشرة فى شوارع القاهرة والجيزة بأكملها».

داخل الكافيه جلس المدير، فضل عدم نشر اسمه، على إحدى الطاولات الخشبية، يتابع حساب الزبائن وينظم عمل العاملين بالكافيه، الساعة لم تصل العاشرة بعد لكنه يحدق فى ساعته كل فترة، يلتزم المدير والعمال بقرار الحظر، بسبب عدم وجود مواصلات بعد بدء الحظر أكثر من أى شىء «ملتزمين بالحظر عشان نروح بيوتنا، أنا والعاملين ماحدش فينا ساكن فى الزمالك»، يصمت قليلا ثم يضيف مبتسما «ولو حد فينا ساكن فى الزمالك مش هيشتغل هنا طبعا».

يرى مدير المقهى أن قرار الحظر التجوال أصابهم بركود لم يزل عن كاهلهم الخسارة كل يوم «ساعات العمل قليلة ومصاريف العمالة ما نقدرش نخفضها لأنهم مالهمش ذنب، فى العادة قعدات المقاهى بتكون من بعد المغرب لأن النهار بيكون الجو حر والناس شغالة، العدد بدأ يزيد تدريجيا النهارده والزبون رجع ينزل تانى الشارع مع تعديل ساعات الحظر».

لكنه يرى فى نفس الوقت، أنه كان من الأفضل للحكومة وللناس أن تطبق تعديل قرار الحظر من الغد وليس فى نفس اليوم، «المفروض كان القرار يبدأ من بكرة، لأن المواصلات عاملة حسابها على 9، حتى المترو قفل من الساعة 9».

ومع وصول عقارب الساعة إلى العاشرة، وقبل بدء تطبيق حظر التجوال بساعة واحدة، كانت تتلاشى أنوار المحال التجارية تدريجيا، في شوارع القاهرة، وتعلو فى الشوارع التي تمتلئ بالمحال التجارية أصوات أزيز إغلاق أبوابها الحديدية. أمام أحد محال بيع الأحذية بشارع طلعت حرب وقف ثلاثة عمال أمام باب المحل نصف المغلق، تعديل قرار الحظر جعلهم يدركون أن الأيام ستعود إلى ما كانت عليه بعدما تمتعوا بعدد ساعات لا بأس به كل يوم يستغلونه فى الجلوس مع الأولاد والزوجة أو الأصحاب على المقهى، لكنهم يتمنون أن تطول مدة بدء حظر التجوال من 11 مساء فترة أطول.

مع بداية تطبيق قرار حظر التجوال، تغيرت أحوالهم، تقلص عدد ساعات عملهم من 14 ساعة إلى 9 ساعات فقط، ما كان يعطى لهم مساحة من الزمن يجلسون فيها مع أسرهم.

يقول ربيع جمال، أحد العاملين فى المحل، محاولا تحليل ميزة الحظر بالنسبة له: «منذ بداية قرار الحظر وإحنا بقينا زى القطاع العام، لينا عدد ساعات معينة، لكن الأول كنا بنشتغل 14 ساعة كل يوم ومابنلحقش نشوف عيالنا».

ويؤكد كلام ربيع، محمد عوض، العامل الثانى قائلا: «بعد تطبيق الحظر صحيح أن ساعات التسوق باتت أقل، لكنها جعلت الزبون يحترم المحال أكثر، لم نعد كافتيريا يدخل ويخرج منها الزبائن كما يشاءون، من يأتى فهو يحتاج لشراء حذاء فعلا أما فيما سبق فكان يأتى وهو يأكل الآيس كريم يشاهد الأحذية ويغادر دون أن يشترى شيئا أو حتى يهتم بالمشاهدة».

وقال أحمد الشربيني، العامل الثالث: «فى عهد الرئيس مرسى حاولت الحكومة أن تطبق ذلك القرار، يمكن هى الحاجة الوحيدة الصح اللى حاولت تعملها الحكومة الفاشلة، لكنها فشلت كمان تطبقه»، يقولها ممتعضا، ثم يغادر للحاق بالعودة إلى البيت قبل بداية الحظر.

على الناحية المقابلة، كان محمود محمود، يلملم بضاعته من الطاولة الخشبية، شاب عشرينى، يعمل كبائع متجول منذ سنتين فقط، لم تتجاوز الساعة العاشرة والنصف، لكنه فضل أن ينهى اليوم، «الجو مريح لأننا بعد العيد، ودايما فترة ما بعد العيد بتبقى زى ما أنت شايف، مافيش رجل فى المنطقة». لكن رغم ذلك، فإن قرار تعديل حظر التجوال أنعشه كثيرا حتى إذا استمر الوضع لشهور، «الساعة الحادية عشرة كافية لإنهاء العمل، أما الساعة 7 كانت الرجل بتبتدى تخف من الساعة 5، الموضوع كان فيه خراب ديار لناس».

ومع اقتراب الساعة من الحادية عشرة، بدت الشوارع خالية من المارة إلا قليلين، تزاحموا فى أماكن محطات الميكروباصات والمواقف لمن عرف بتعديل قرار الحظر، الكل ينتظر دوره فى العودة للبيت.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية