حذرت 22 منظمة حقوقية عربية، من المخاطر الجسيمة التي تهدد حقوق الإنسان في مصر، وذلك إثر تفشي ما سمته «ممارسات العنف»، التي أفضت منذ «30 يونيو» الماضي، إلى سقوط نحو 1000 قتيل، وآلاف الجرحى من مختلف الأطراف، مستنكرة الاستخدام المفرط للقوة المميتة في مواجهة احتجاجات واعتصامات جماعة «الإخوان المسلمين» وأنصارها، ولجوء أنصارها إلى الممارسات الإرهابية.
وأشارت المنظمات في بيان مشترك لها، الخميس، أن العنف أدى إلى اتساع نطاق الممارسات الإرهابية خارج شبه جزيرة سيناء، وامتدادها إلى العاصمة وعدد من المحافظات في شمال وجنوب وغرب البلاد، واقتحام وتدمير أو إحراق مقار بعض المؤسسات المملوكة للدولة والكنائس وأقسام الشرطة، واستهداف الأقباط وجنود الجيش والشرطة، فضلاً عن تعرّض الصحفيين للقتل والاعتداء والتضييق على عملهم، من جانب السلطات الأمنية وأنصار جماعة «الإخوان المسلمين» على السواء.
وأبدى عدد من المنظمات منها مركز «القاهرة لدراسات حقوق الإنسان»، و«تجمع الهيئات الأهلية في صيدا»، بلبنان، و«الجمعية البحرينية للشفافية»، و«جمعية حقوق الإنسان أولًا» بالسعودية، و«جمعية شباب البحرين لحقوق الإنسان - جمعية عدالة»، بالمغرب، ملاحظاتها بأن استخدام السلطات الأمنية للقوة المميتة في مواجهة الاحتجاجات الشعبية لم يتوقف منذ ثورة «25 يناير 2011»، سواء في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، أو في عهد المجلس العسكري، أو الرئيس السابق محمد مرسي، أو في عهد الحكومة الانتقالية الحالية.
وأشار البيان إلى أن الإحصاءات تشير إلى أن عدد ضحايا الاستخدام المميت للقوة في مواجهة الاحتجاجات وفض الاعتصامات في منحنى صاعد، بالتزامن مع الافتقار لإرادة سياسية للكشف عن الحقيقة وتحقيق الإنصاف والعدالة، معتبرًا أن الحقيقة والعدالة هما أبرز ضحايا 30 شهرًا من العنف السياسي في مصر، إلى جانب آلاف القتلى والجرحى، موضحة أنه لولا الافتقار للإرادة السياسية لتحقيق العدالة والتوصل للحقيقة، ما كان ممكنًا أن يسود مبدأ الإفلات من العقاب حتى الآن، وتواصل النزيف اليومي للدماء، قبل حكم «الإخوان المسلمين» وأثنائه وبعده.
وذكر البيان أن تجاهل نظامي المجلس العسكري، الذي تولى إدارة شؤون البلاد في 11 فبراير 2011، والرئيس السابق محمد مرسي، الذي تولى الحكم في أول يوليو 2012، لخارطة طريق تعزيز حقوق الإنسان التي اقترحتها منظمات حقوق الإنسان المصرية المستقلة منذ اليوم الأول لتولي كلاهما حكم البلاد، ساهم في سياسات استبدادية وأمنية مناهضة لأهداف الثورة المصرية، وإلى تأجيج الغضب الشعبي ضد سياسات وحكم جماعة «الإخوان المسلمين»، وهو ما عبر عنه الشعب المصري أكثر من مرة منذ نوفمبر العام الماضي، قبل أن يصل إلى ذروته في انتفاضة شعبية في «30 يونيو» الماضي، مطالبًا بانتخابات رئاسية مبكرة، مما جعل الجيش إليها يتدخل في 3 يوليو الماضي، ويصدر قرارًا بعزل الرئيس محمد مرسي، ويعلن عن خارطة طريق جديدة لفترة انتقالية تتبنى مقترحات القوى السياسية وبعض الأحزاب المدنية والإسلامية.
ونوه البيان بأن سلطة الحكم بعد «30 يونيو» تواصل ارتكاب بعض خطايا النظام السابق، وتتجاهل مطالب منظمات حقوق الإنسان المصرية بإجراء تحقيقات جادة مستقلة في أحداث العنف الأخيرة التي أدت لسقوط نحو 1000 قتيل منذ «30 يونيو» من مختلف الأطراف، وفي ظل استمرار القيادات الأمنية المسؤولة عن انتهاكات حقوق الإنسان في عهد محمد مرسي، رغم الانتفاضة ضد نظامه والممارسات الأمنية في عهده.
وانتقد البيان تصاعد الاستقطاب الحاد والعنيف في وسائل الإعلام الداعمة للنظام السياسي الحالي أو المؤيدة لجماعة «الإخوان المسلمين».
وأكدت المنظمات الموقعة: «الضحية الأولى لهذا الاستقطاب هي الحقيقة، ولاحظنا استخدام وسائل الإعلام المؤيدة لجماعة الإخوان المسلمين خطابات ومصطلحات التكفير الديني ضد الخصوم السياسيين في عهد محمد مرسي، وهو ما حدث من وسائل الإعلام المؤيدة لحكومة ما بعد 3 يوليو، التي تبنت خطاب التخوين الوطني ضد من يعارض توجهات النظام الجديد، وهكذا يجري تهميش الأصوات المستقلة من سياسيين وكُتّاب وصحفيين وأكاديميين ومنظمات حقوق الإنسان المستقلة، ومهاجمتهم أحياناً بأقذع العبارات».
وحذر البيان: «استمرار هيمنة التوجهات والاعتبارات الأمنية سيؤدي لمزيد من نزيف الدم وتقويض فرص التحول الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان وتحقيق العدالة الاجتماعية، وبالتالي تعزيز البيئة الاجتماعية والسياسية والدينية الحاضنة لأعمال العنف والإرهاب».
وحث البيان السلطات المصرية على احترام حرية الرأي والتعبير، والتمييز بين الاحتجاج والتعبير السلميين عن الرأي وبين ممارسة العنف وإرهاب المواطنين، والالتزام بالقانون الدولي ومعايير حقوق الإنسان خلال مكافحة الإرهاب والالتزام بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان عند اضطرار السلطات الأمنية لاستخدام القوة المميتة بعد استنفاد الخيارات الأخرى.
وشدد البيان على أهمية الالتزام الصارم بالمضي في المسار السياسي المحدد وفقًا للجدول الزمني لخارطة الطريق خلال الفترة الانتقالية، وتوفير الحماية لكل المواطنين والأطراف والمؤسسات المستهدفة بالإرهاب والعنف في سيناء أو خارجها، وضمان وسائل الدفاع القانوني لكل المحتجزين، والسماح لهم باللقاء مع محاميهم وذويهم ومنظمات حقوق الإنسان المستقلة وتقديم التسهيلات اللازمة لبعثة المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، لتقييم مشكلة حقوق الإنسان في مصر، والتي قدمت للسلطات المعنية طلبًا بذلك منذ أكثر من شهر، ولكنها لم تحصل على تأشيرة دخول حتى الآن.
وحث البيان أنصار جماعة الإخوان المسلمين على التخلي عن انتهاج العنف وعن استهداف المواطنين، بما في ذلك المسيحيين منهم ورجال الشرطة والجيش والتوقف عن بث خطابات الكراهية الدينية والتحريض على العنف في المساجد ووسائل الإعلام وغيرها، والتبرؤ من القيادات التي مارست التحريض على الكراهية والعنف وحملت السلاح في مواجهة المواطنين والشرطة.
وطالب البيان جامعة الدول العربية بدعوتها للتشاور مع الحكومة المصرية حول إيفاد بعثة لتقصي الحقائق في أعمال العنف التي شهدتها مصر مؤخرًا، خاصةً أن الأمم المتحدة تحركت على أكثر من مستوى من خلال بيانات متواترة من الأمين العام، وبعثة خاصة برئاسة مساعد الأمين العام للشؤون السياسية، وطلب المفوضية السامية لحقوق الإنسان السماح ببعثة لتقييم مشكلة حقوق الإنسان، كذلك الاتحاد الأفريقي الذي قام بإنشاء «لجنة عالية المستوى بشأن مصر» قامت بزيارة مصر مرتين لهذا الغرض.