بعد أيام من عزل الرئيس السابق محمد مرسى، كان خطاب جماعة الإخوان المسلمين التى أعلنت الاعتصام فى ميدان رابعة العدوية تفصله فجوة كبيرة عن الشارع، فالقيادات التى هتفت كثيرا باسم الرئيس المعزول، ودعت المعتصمين إلى رفع صوره لم تكن تدرك بعد أن مرسى صار تاريخا وصفحة طوتها مصر إلى الأبد. ما غاب عن تلك القيادات أدركه أحمد منصور، المذيع بقناة «الجزيرة»، المقرب من جماعة الإخوان المسلمين، بعد عدة أيام، عندما ظهر فى مقطع فيديو على موقع «يوتيوب» بتاريخ 9 يوليو من داخل دار مناسبات رابعة العدوية، يوجه فيه عددا من التعليمات التى يجب على الإخوان الأخذ بها لـ«جذب أطياف الشعب»، حسب وصفه. أهم تعليمات منصور كانت عدم رفع صور الرئيس المعزول محمد مرسى، والتركيز على رفع أعلام مصر، وقال مخاطبا الحضور: «نريد أن يتغير خطابنا نهائيا، لم تعد القضية قضية الرئيس محمد مرسى، الرئيس مرسى أصبح جزءا من المشهد فقط، انتبهوا ولا تقعوا فى هذا الفخ، الذى سقط ليس رئيس الجمهورية وحده، وأرجو أن تكفوا عن الهتاف للأشخاص واهتفوا لمصر، ارفعوا أعلام مصر فى كل مكان، زى ما هما رفعوا أعلام مصر وسرقوا الثورة، فخطابنا لابد أن يتغير».
حظيت كلمة منصور بترحيب عدد من الحاضرين، وهو يضيف: «لن يخرج الشعب المصرى معنا إلا إذا ذكرناه بأن ثورة 25 يناير سُرقت وعليه أن يخرج ليسترد ثورته، أما إذا بقينا نقول محمد مرسى فسيظل الرافضون لمحمد مرسى خاضعين فى بيوتهم». تزامن مع تلك التصريحات خروج أول مسيرة لحركة «أحرار» بعد غيابها عن الساحة السياسية والتحركات فى الشارع شهرين قبل 30 يونيو، وفى أول تحركاتها فى الشارع رفعت الشعار الذى تحدث عنه منصور: «انتفاضة 25 يناير ضد العسكر والفلول».
هذا الشعار الذى اعتبرته الحركة فى أكثر من بيان «يوحّد» أطياف الثوار، طبقته عمليا لكن بشكل معكوس، ففى إحدى المسيرات فى شهر أكتوبر 2012 اعتدى أعضاء الحركة بدنيا على بعض أعضاء حركة «6 إبريل»، الجبهة الديمقراطية، أثناء مسيرة «اتحدوا» التى كان من المقرر لها أن تنطلق من أمام «مسجد الفتح»، من أجل التوحد وإعادة لمّ الشمل، حيث اعترضت حركة 6 إبريل أثناء مشاركتها على رفع أعلام تخالف الهدف من المسيرة، فيما رد المسؤولون عن حركة أحرار وقتها بأنهم نظموا المسيرة من أجل تطبيق شرع الله، ورفضوا إنزال الرايات التى تطالب بتطبيق الشريعة، وعندما قرر أعضاء 6 إبريل الانسحاب، فوجئوا بهجوم «أحرار» عليهم واتهامهم بالكفر، وقد أسفرت الاشتباكات عن إصابة 5 أشخاص من أعضاء 6 إبريل بإصابات مختلفة، وتم نقلهم إلى مستشفى الهلال الأحمر برمسيس.
بعدها دار جدال بين أعضاء الحركة على صفحتها الرئيسية، حيث أيد عدد من الأعضاء إعلان الحركة بشكل قاطع أنها «حركة شبابيه إسلامية»، وعدم فرض الحركات الأخرى شروطاً تتعلق بالشعارات الدينية.
تعتبر حركة «أحرار» منذ نشأتها ذراعا لحازم صلاح أبوإسماعيل، المحبوس حاليا على ذمة قضية تزوير جنسية والدته الأمريكية، بعد أن ورثت حركة «حازمون»، التى فتر تأثيرها بعد رفض اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية أوراق ترشح أبوإسماعيل. وحسب صفحة الحركة على «فيس بوك» فهى تعرّف نفسها بأنها «حركة الحد الأدنى» التى تقوم بتحويل المشروع الإسلامى «بالحد الأدنى المتفق عليه بلا أى خلاف»، كما ترى «أحرار» نفسها أنها حركة «شمول ثورية، وحقوقية، ودعوية، وخيرية».
بدأت تحركات «أحرار» فى الشارع شهر نوفمبر 2012 حين نظمت مظاهرات متتالية أمام اللجنة التأسيسية من أجل تطبيق الشريعة فى الدستور، وأصدرت بيانا أوصت فيه بأن تكون «الشريعة مادة فوق دستورية غير قابلة للاستفتاء»، وأن يُنص على ذلك. وأضافت الحركة فى البيان: «معركتنا للحفاظ على ثوابت الدين ومنهاجه، والمطالبة بتفعيل هذا المنهاج الصافى فى حياتنا شىء، ومعركتنا للدستور شىء آخر»، مرددين وقتها شعارات «ديننا فوق التأسيسية.. لا غطاء للعسكرية»، «الشعب الذى يريد تطبيق شرع الله هو الشعب الذى أراد إسقاط النظام ليحيا حياة كريمة يستحقها»، «لن نستسلم حتى تطبيق الشريعة».
وأعلنت الحركة على صفحتها الرسمية بعد ذلك عن مسؤوليتها عن حصار دار القضاء العالى ومحاولة اقتحامها أثناء انعقاد مؤتمر نادى القضاة، نوفمبر 2012، رداً على الإعلان الدستورى الذى أصدره الرئيس المعزول الرئيس مرسى، مرددة هتافات: «الشعب يؤيد قرار الرئيس»، بعدها بأيام اعتدى أعضاء من الحركة على حزب الوفد بالشماريخ والألعاب النارية وطلقات الخرطوش.
أثير جدل حول الحركة منذ نشأتها بعد اعتقال الناشط الإسلامى أحمد عرفة، أحد قيادات الحركة، فى ديسمبر 2012، بتهمة حيازة سلاح آلى دون ترخيص، حسب بيان وزارة الداخلية، وهو ما تبعه إصدار عدد من الأحزاب والحركات الثورية بيانات تضامن مع «عرفة»، ترفض اعتقاله و«التعدى على حُرمة منزله وعلى والدته»، قبل أن ينتهى الأمر بالإفراج عنه بكفالة. وبعد خطاب الفريق السيسى بأسبوع وقبل نزول الحركة إلى الشارع مجددا بالتزامن مع تعليمات أحمد منصور أمام قيادات الإخوان برابعة العدوية، أمرت نيابة جنوب القاهرة الكلية، بحبس أحمد عرفة و5 آخرين، 15 يوما على ذمة التحقيقات، بعد اتهامهم بحيازة ذخيرة وأسلحة بيضاء. وقالت النيابة إن المتهمين اعترفوا خلال التحقيقات بتكوين جماعة لمناهضة الجيش والمطالبة بعودة الحكم المدنى على مرجعية إسلامية مرة أخرى للبلاد، عن طريق تكوين حركة «أحرار»، وأضافوا فى التحقيقات أنهم كانوا يعتزمون تهريب الشيخ حازم صلاح أبوإسماعيل.
فى منتصف شهر يوليو الماضى دعا أنصار جماعة الإخوان إلى تنفيذ خطة «احتلال الميادين» بالتزامن مع فعاليات مليونية «ضد الانقلاب»، وكلمة المرشد العام للجماعة، لكنهم فشلوا فى الدخول إلى ميدان التحرير فى الليلة التى سبقتها، حيث وقعت اشتباكات عنيفة بينهم وبين المعتصمين بميدان التحرير سميت وقتها بموقعة «كوبرى أكتوبر»، لكن حركة «أحرار» نجحت فى دخول ميدان التحرير، ونظم أعضاؤها وقفة مفاجئة فى شارع محمد محمود تحت شعار «انتفاضة ثورة يناير»، مرددين هتافات: «يسقط حكم العسكر»، يومها لم يتجاوب معها سوى أعداد قليلة من المعتصمين. ووقف سيد مشاغب، العضو البارز بحركة أحرار، قائد مجموعة ألتراس وايت نايتس المنتمية لنادى الزمالك، لقراءة بيان الحركة قائلا: «إلى ثوار يناير، عودوا لأصل ثورتكم وأكملوها من حيث انتهى الشهداء، أكملوا الطريق الذى رسمه الشهداء بدمائهم، ها قد أطل النظام القديم برأسه ووضع قدمه العسكرية بقوة، وهو يتجهز لهرسكم واحداً تلو الآخر»، بعدها بدقائق بثت بوابة «الحرية والعدالة» خبرا يفيد بدخول حركة أحرار ميدان التحرير ومحمد محمود حاملين لافتات عملاقة «انتفاضة ثوار يناير»، معلنين أن فعاليات الحركة بداية لسلسلة من المفاجآت القادمة. بعدها نظمت الحركة ثلاث مسيرات بداية من ميدان المطرية، وأمام قصر القبة، وأمام محطة مترو البحوث بمنطقة الدقى، تحت شعار «ضد العسكر والفلول والإخوان».
قبيل فض اعتصام القوى الإسلامية من ميدانى رابعة العدوية والنهضة، الذى لم تعلن الحركة بشكل رسمى أنها مشاركة فيه، دعت الحركة إلى عدم الاعتراف بالحشود التى نزلت إلى الشوارع يوم 30 يونيو، وبدأت تدعو على صفحتها الرسمية إلى النزول يوم 30 أغسطس واعتباره اليوم الثانى عشر من فبراير- اليوم الذى تلا تنحى الرئيس الأسبق حسنى مبارك- مستنكرين أى مسارات سياسية تحت مظلة الحكومة الحالية.
وعقب فض اعتصامى رابعة العدوية والنهضة، نشرت الصفحة صورة لأحد أعضائها الذين قُتلوا أثناء الاشتباكات مع قوات الشرطة المكلفة بفض الاعتصامين، ودعت إلى النزول بشكل رسمى يوم ١٦ أغسطس بميدان رمسيس، بالتزامن مع دعوة الإخوان المسلمين للنزول، وشاركت الحركة فى الاشتباكات التى اندلعت بين جماعة الإخوان المسلمين والشرطة بميدان رمسيس، ورُفعت شعارات الحركة والدعوات الحاشدة ليوم 30 أغسطس أثناء الاحتجاجات فى ساحة مسجد الفتح، وقُتل عضوان من الحركة وأصيب عدد كبير من أعضائها، واعتقل 12 شخصا منهم، حسب بيانات أعلنتها الحركة على صفحتها الرسمية.
وفى مواجهة الاتهام للحركة بأنها ورقة من أوراق الإخوان بسبب الأعلام التى رفعها أعضاء الحركة فى مظاهرات ميدان رمسيس، قال بيان للحركة إنها «لا تريد تكرار ذلك الموقف يوم 30 أغسطس، ولذلك اختارت ميدان سفنكس لانتفاضة خاصة بها»، معتبرة أن اليوم سيكون مجرد بداية لانتفاضة ثورية كاملة غرضها إكمال الثورة دون الاعتراف بأى مسار سياسى تحت مظلة العسكر، لكنها فى الوقت ذاته لم تحدد موقفا أو مطالب معينة، فهى ضد المطالبة بعودة مرسى، التى رأت أنها تصطدم مباشرة مع أهداف الثوار من غير الإخوان والمعارضين لحكم العسكر، وأيضا ضد يوم ٣٠ يونيو الذى وصفه بيان للحركة بأنه كان يوم العسكر والفلول.