«مصر ذاهبة إلى حرب أهلية»، هذا ما يخشاه الدكتور جابر عصفور، وزير الثقافة الأسبق، إذا لم يتراجع الرئيس محمد مرسى، وجماعته، عن سعيهم للهيمنة على الساحة، وإقصاء الآخرين بالقوة.
الناقد الأدبى البارز يرى أن مرسى الذى ظل يخلط طوال الحوار، بينه وبين الرئيس السابق، حسنى مبارك، قائلاً: «لا فارق بينهما، إن مرسى فقد شرعيته بتمرده على القضاء، وأنه جاء للحكم بصفقة أمريكية، ستتكشف تفاصيلها مع الأيام.
عصفور مع ذلك، لا يخشى على الثقافة المصرية من «عصر الإخوان»، مبرراً ذلك بأن تقاليدها العريقة تحميها، وهو يتوقع ثورة جديدة، تصحح مسار 25 يناير، لكنه لا يتمنى أن تكون ضحيتها جماعة الإخوان فهم، من وجهة نظره، يظلون فصيلاً سياسياً له حق التواجد على الساحة.
وإلى نص الحوار:
■ ما تعليقك على حوار الرئيس مرسى؟
- استمعت له بتمعن شديد، لكن للأسف لم أجده يقول شيئاً جديداً، كل ما فعله أنه لف ودار، دون التطرق للب الأزمة، وكان واضحاً أنه يهرب منها، مطلقا مجموعات من الجمل الإنشائية، التى لا تؤدى إلى أى معنى.. كان عليه أن يعترف أنه خالف الشرعية الدستورية، لأنه يعرف ذلك فى قرارة نفسه، متجاهلاً أنه منح اللجنة التأسيسية شهرين، لكى يتم التوافق حول الدستور، فكيف يعقل أن تنتهى اللجنة من أعمالها فى يومين؟ هذه مؤامرة.
■ هل الإعلان الدستورى أزمة مختلقة لتمرير الدستور؟
- يحتمل هذا، لكن لا شىء يمر على الناس هباء، بعدما تيقظوا فى كل ميادين مصر، الرئيس لا يريد أن يعترف بينه وبين نفسه أنه بهذا الإعلان، وبما ألحقه به من قرارات، قد عصف بكل قيم الثورة، ونسى دماء الشهداء.
■ نحن فى مأزق إذا قلنا «نعم» فى الاستفتاء، نتخلص من «الإعلان» ونتورط فى الدستور والعكس.. كيف ترى الأمر؟
- عن نفسى لن أذهب إلى الاستفتاء، لأنه غير دستورى، وبنى على قرارات غير شرعية، وصاغته لجنة مشكوك فيها. الإعلان جاء لإلهاء الناس، وعلى الرئيس أن يلغيه أولا، ومن ثم نتحدث بشأن الموافقة على الدستور أو عدم الموافقة.
أنا لا أتوقع «نعم»، ولا أتوقع «لا»، لأن هذا السؤال غير مطروح علىّ كمواطن، لأنى أعرف أن ما يبنى على باطل هو باطل، و«أعضاء اللجنة» اللى سهروا ليل نهار على سلق الصياغة وكلفتتها، ينبغي أن يخجلوا من أنفسهم.
■ لماذا أصدر «مرسى» الإعلان هل خشى على صلاحيته كرئيس للجمهورية؟
- نعم، لتأكيد ديكتاتورية كان يرجوها من زمن. وتصور أن اللحظة جاءت لكى تتحقق بشكل واقعى، لأنه لا يوجد أى مبرر يدفعه لإصدار جملة هذه القرارات، التى حسبما قال فقهاء فى القانون الدستورى إنها غير دستورية. الإعلان هو تحصين لقراراته هو الشخصية، ولمجلس الشورى، وللجنة التأسيسية، ولجماعته وحزبه، وإعطاؤه سلطة التشريع فى حال عدم وجود مجلس الشعب، وهو بهذا التحصين أسرف على القانون وعلى المواطنين، ووصل إلى أعتى درجات الديكتاتورية.
الرئيس أصدر الإعلان لأنه علم مسبقا، وفقا لما صرح به محمد البلتاجى بأن المحكمة الدستورية العليا ستحكم الأحد بإلغاء كل القرارات الدستورية للرئيس، بما فيها الخاصة بحل سلطة المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وبهذا يعود الوضع كما كان، عندها يحق للمجلس العسكرى أن يتواجد فى الحكم، مع مرسى. والغريب أن المحكمة الدستورية فى بيانها الذى أعلنته فى 29 نوفمبر، نفت هذا تماماً، وقالت إنهم أرسلوا للرئيس يسألونه عن أى أخبار وصلت إليه عن أحكامها، وطلبت أن يخاطبهم بشأنها، لكى يحاسبوا من تسبب فيها، لأنها خاطئة، وأكدوا على أنه لم تصل إليها أى قضايا خاصة بإلغاء سلطات الرئيس.
■ ألم يستقرئ المجلس العسكرى بتسليمه السلطة للإخوان نتائج الوضع الذى نتجه إليه؟
- ما نحن فيه الآن هو نتيجة تواطؤ بين أمريكا والمجلس العسكرى والإخوان، على أن ينفردوا بالحكم، بموافقة أمريكا، ولحماية مصالحها ويبدو أن أوباما، وحزبه قرروا أن يجربوا حزباً دينياً معتدلاً بالسلطة فى مصر، ولا يغرنك ما يصدر من شجب وانتقادات فى الجرائد والمجلات الأمريكية ■ هل الرئيس كان مطمئنا لمباركة أمريكا لإصداره الإعلان الدستورى، خاصة بعد إثنائها على موقفه بعد نجاحه فى التهدئة بغزة؟
- «مرسى» أخذ الضوء الأخضر من أمريكا قبل إصداره للإعلان الدستورى بكثير، حتى من قبل انفراد الإخوان بالحكم، وهناك مباحثات بين الطرفين من زمان، وهناك اتفاقات بينهما، قد تستخدمها أمريكا وقت اللزوم ضدهم، لكى تضمن موالاتهم لها، وكان ضمن هذا الاتفاق أن يخرج المشير طنطاوى والفريق عنان فى أمان.
■ هل ترى موقفا سلبيا ممن يمثلون المؤسسات الرسمية تجاه أحكام القضاء؟
- طبعاً، المشكلة أنه عندما يصل بهم الأمر إلى غرور السلطة، تتقلص تحتها كل الأشياء الأخرى، الأستاذ مرسى يتصور الآن أنه يملك القوة كاملة، إذاً فليحصن نفسه كما يشاء، ويفعل ما لم يفعله رئيس من قبله فى العالم.
مجموع القرارات، التى تسمى دستورية، وما ترتب عليها، يجعل هذا الرجل يفعل أى شىء دون أن يملك أى أحد ردعه أو محاسبته، وهذا هو الذى أشعل ثورة القضاة، ومعهم كل الحق، المدهش أن نجد واحدا من المستشارين القانونيين للإخوان يقول ليس على القضاة أن يشتغلوا بالسياسة، «إزاى يعنى؟»، تصادر سلطاتهم القانونية لا تريدهم أن يقولوا لا؟!
أريد أن قول له الجملة نفسها التى قالها توفيق الحكيم فى مسرحيته «السلطان الحائر» لكن ببعض التعديل، الحكيم قال «السيف يفرضك، ولكنه يعرضك»، وأنا أقول له «القوة تفرضك، لكنها تعرضك للخطر والزوال، أما القانون فهو يتحداك لكنه يحميك»، المشكلة أن الرئيس تحدى القانون وقرر أن يوقفه، وإلا هل يعقل أن هناك رئيس جمهورية يدخل فى خصومة مع كل رجال القانون، لنصل إلى إضراب القضاة، هذا أصلاً إن دل على شىء فإنه يدل على ديكتاتورية لا تعترف بالقانون، وهو فقد شرعيته بتمرده على القضاء.
■ بعد 5 أشهر من انتخاب أول رئيس بعد الثورة سمعنا أول هتاف لإسقاطه «ارحل يا مرسى».. هل يعنى هذا أنه يسير على خطى مبارك؟
- للأسف نعم، وأعتقد أن الإخوان كلهم لم يتعلموا الدرس، ولم يتعلم حزبهم الحرية والعدالة مما حدث مع الحزب الوطنى ولم يتعلموا من إخوانهم فى تونس، بزعامة الشيخ راشد الغنوشى الذى دخل فى تحالف مع حزبين آخرين، وقد قبل بالدولة المدنية نحن الآن نسير للوراء والرئيس وحكومته ليتهم فعلوا فى الأشهر الماضية أشياء مفيدة للشعب.
■ التصعيد الشعبى المدنى فى الشارع هل يعنى أننا على أعتاب ثورة جديدة؟
- نحن الآن نصحح الثورة، التى سرقت يوم 28 يناير، ومن يومها أخذت من الثوار، وهم لم ينتبهوا إلى ذلك، ولم يكن لديهم تصور واضح بما ينبغى أن يحدث بعد سقوط مبارك، ووصلنا إلى الوضع الحالى، وهو نتيجة مترتبة على مقدمات كثيرة. إعادة الثورة لمسارها هو فى حد ذاته ثورة جديدة لا تهدف إلى إزاحة الإخوان وإنما تفرض عليهم بوصفهم قوى وطنية أن يحترموا الباقين ويتعاملوا معهم بندية والاعتراف بحقهم فى تمثيل هذا الوطن.
■ ألا يبالغ البعض بالقول إن المليونيات المناهضة هى المسمار الأول فى نعش حكم الإخوان؟
- شخصياً لا أتمنى أى نعش للإخوان، بالعكس أريد أن يظل احترامنا لهم قائماً على أنهم شركاء فى الوطن، ولا يكون مصيرهم كمصير الحزب الوطنى، نحن لن نرمى الإخوان فى البحر لكن نريد منهم أن يتعلموا درس الديمقراطية ولا يتعالوا على باقى القوى الوطنية، ولا يقصوهم لأن هذا سيكون السكتة القلبية التى ستصيبهم فى الشارع.
■ ألا تتحمل النخبة جزءاً من المسؤولية بتركها الساحة للإسلاميين، ليتصدروه منذ استفتاء 19 مارس؟
- النخبة المثقفة بعد 19 مارس تشرذمت ونتيجة لذلك، وقعنا فى خيبة، وفشل كل رموز القوى المدنية فى الانتخابات الرئاسية، لأن جميعهم أيضاً تفرقوا فيما بينهم، ورغم هذا هم تعلموا درساً أن فى الاتحاد قوة، وما يحدث الآن من تشكيل لجبهة الإنقاذ الوطنى يؤكد ذلك، وأصبحوا يدركون أهمية الائتلاف الوطنى بينهم.
■ لكنهم لم يكونوا مؤثرين، حتى إن ممثلى الإسلام السياسى داخل التأسيسية وصفوهم بأنهم شو إعلامى؟
- أنا أصلاً لا أكن لهؤلاء أى اعتبار كبير، خاصة المتشددين منهم، إزاى أعمل اعتبار لشخص يرفض أن يقف تحية للسلام الوطنى، بحجة أن الرسول نهى عن المعازف؟ إزاى أحترمه وآمنه على مستقبل بلدى فى الدستور، وهو يقترح أن يكون زواج الطفلة فى سن 9 سنوات؟ إزاى اطمأن على بلدى، من آخر يفتى بأن من حق الرجل، إذا عملت عنده امرأة لفترة طويلة، تصبح فى منزلة الزوجة، وفى حكم ما ملكت يمينه؟ كيف أثق فيه؟
■ بعد أن انقسمت مصر لتيار مدنى ودينى، وكلا الطرفين مصر على موقفه.. أى مصير ينتظر مصر؟
- مصر ستذهب إلى حرب أهلية، إذا لم يقم الرئيس وعقلاء الإخوان بإعادة النظر فى مواقفهم، وعدم التطرف والعنف الذى سيقابله عنف مضاد، وإصرار الرئيس على موقفه هو تحد واضح لكل المدنيين الرافضين لقراراته، والإخوان يتحدثون بثقة شديدة وقناعات أنهم على الحق و«مفيش حد منهم بيتكلم بصيغة خد وهات»، وهذا هو مشكلة الفكر الدينى عندما يصل فى تعصبه إلى درجة حادة، ويرى أنه الفرقة الناجية، وما عداه من المسلمين من الفرق الضالة.