قالت مجلة فورين بوليسي الأمريكية، الإثنين، إن الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا تنتهجان أسلوبًا حذرًا في التعامل مع فكرة التدخل العسكري في سوريا، مؤكدة أن ذلك يعكس التخوف الشديد من تكرار الأخطاء التي ارتكبتها كلتا الدولتين في حرب العراق، استناداً إلى معلومات استخباراتية، اكتشفا في وقت لاحق عدم صحتها.
وأشارت إلى أن الولايات المتحدة تستعد لحرب جديدة ضد سوريا بعد تلويحها بتوجيه ضربة عسكرية، على خلفية هجوم كيميائي يعتقد أن قوات الرئيس السورى بشار الأسد شنتها ضد شعبه، فيما وصفه بعض المحللين بأنه «إطلاق للجزء الثاني من فيلم العراق»، في إشارة إلى الاحتلال الأمريكي للعراق، الذي شكل أكبر عملية برية أمريكية بهدف إسقاط نظام الرئيس الراحل صدام حسين، حيث ادعت الولايات المتحدة وبريطانيا امتلاك العراق أسلحة دمار شامل يشكل تهديدًا لها وللدول الحليفة.
وحذرت روسيا الولايات المتحدة وبريطانيا من تكرار أخطاء الماضي، وما قد يترتب عليه من أثر مروع على الوضع الأمني في الشرق الأوسط.
وأوضحت المجلة أن الأمر لم يتوقف عند الأخطاء التي ارتكبتها الولايات المتحدة في العراق والتي مازالت الإدارة الأمريكية تدفع ثمنها حتى الآن ودفعت بالعراق إلى صفوف الدول الفاشلة والمنقسمة التي لا تزال تعاني ويلات الحرب الأهلية والطائفية، وإنما وصل الأمر إلى أن الولايات المتحدة، التي تبحث القيام بعمل عسكري، رداً على استخدام الأسد السلاح الكيميائي، ساعدت صدام حسين على شن هجوم كيميائي استخدمت فيه غاز الأعصاب ضد القوات الإيرانية خلال الحرب بينهما، ولم تتحرك لمنع الهجوم، وذلك استناداً لوثائق ومعلومات خاصة بالمخابرات المركزية الأمريكية «سي آي إيه».
وأشارت المجلة إلى أن وثائق ومقابلات سرية تخص الـ«سي آي إيه» تشير إلى أن الولايات المتحدة كانت تملك دليلاً قاطعاً بشأن الهجمات الكيماوية العراقية على القوات الإيرانية عام 1983.
وذكرت المجلة أن الولايات المتحدة علمت عام 1988، في الأيام الأخيرة للحرب «العراقية-الإيرانية»، أن إيران بصدد الحصول على ميزة استراتيجية من خلال استغلال ثغرة في خطوط الدفاع العراقي، وقد أبلغت المخابرات الأمريكية مواقع القوات الإيرانية للعراق، رغم علمها التام بأن قوات صدام حسين ستستخدم الأسلحة الكيماوية، بما في ذلك غاز السارين السام.
وقالت المجلة، إن إيران كانت تزعم آنذاك علناً بأن هجمات كيميائية تشن على قواتها وكانت تعد قضية لتقديمها إلى الأمم المتحدة، لكنها لم تملك دليلاً يحمّل العراق المسؤولية، وقد وضعت كل ما لديها بمذكرات وتقارير سرية أرسلت إلى مسؤولين مخابراتيين رفيعي المستوى في الحكومة الأمريكية، ورفضت «سي آي إيه» التعليق على الموضوع.
وأشارت المجلة إلى أن المسؤولين الأمريكيين نفوا المعرفة بشأن الهجمات الكيماوية العراقية، وأصروا على أن حكومة صدام لم تعلن أبداً أنها تعتزم استخدام سلاح كيميائي إلا أن الكولونيل المتقاعد في سلاح الجو الأمريكي، ريك فراكونا، الذي كان ملحقاً عسكرياً في بغداد عام 1988، قال للمجلة: «لم يبلغنا العراقيون أنهم يعتزمون استخدام غاز أعصاب، ولم يكن عليهم ذلك، فقد كنا نعلم».
وبحسب الوثائق التي حصلت عليها المجلة، قالت «سي آي إيه» إن إيران قد لا تكتشف دليلاً مقنعاً على استخدام سلاح كيميائي، رغم أن الوكالة كانت تمتلك مثل هذا الدليل، كما لفتت إلى أن الاتحاد السوفيتي سبق أن استخدم عناصر كيميائية ولم تكن العواقب كبيرة.
وتظهر الوثائق أن الولايات المتحدة كانت تملك تفاصيل حول زمان وكيفية استخدام العراق الأسلحة الكيماوية القاتلة، وتم تبليغ كبار مسؤولي «سي آي إيه» ومن بينهم مدير الوكالة وقتها، وليام كايسي، بشأن مكان معامل جمع الأسلحة الكيميائية العراقية، وبأن العراق يسعى لامتلاك كميات من غاز الخردل تكفي حاجات قواتها، وأن العراق على وشك شراء جهاز من إيطاليا للمساعدة في تسريع إنتاج القنابل الكيميائية، وأنه سيستخدم عناصر مؤثرة بالأعصاب ضد القوات الإيرانية، وربما ضد مدنيين.
وحذر المسؤولون الأمريكيون من أن إيران قد ترد ضد مصالح أمريكية في الشرق الأوسط، في حال اعتقدت أن الولايات المتحدة تواطأت مع العراق في شن حرب كيماوية ضدها.