قال هشام النجار، القيادى السابق بالجماعة الإسلامية، إنه تقدم باستقالته من الجماعة، احتجاجًا على مواقفها وخطابها التصعيدي، وعلى سوء أداء تحالف دعم الشرعية سياسيًا، والذي وصفه بـ«الأداء الباهت»، محذرًا من أن استمرار الإخوان، والجماعة الإسلامية، على نفس المنهج، سيؤدى إلى انهيارهما، وبالتبعية انهيار الحركة الإسلامية.
ما الذى دفعك للاستقالة.. هل تخشى الملاحقة الأمنية كما قال البعض؟
- ظللتُ في بيتي، لم أهرب ولم أختف كآخرين، لكن الشجاعة كما تعلمناها ومارسناها ليست التهور والعصف بكيان الحركة الإسلامية وإدخالها في محن جديدة وترك الساحة خالية للمنافسين، إنما هى القدرة على اتخاذ القرار السليم في الوقت المناسب، وتحمل تبعاته الآنية، وإعلاء المصلحة العامة.
عامةً، موقفي اختلف بعد فض الاعتصام الرهيب، ورأيت ضرورة تغيير الخطاب والمواقف والتقدم بمبادرات من داخل التيار الإسلامي للوصول إلى حلول وسط، ونصحتُ ألا تقتصر المواقف على بيانات شديدة اللهجة، تحمل لغة تصعيدية غير مقبولة، أرى أنها تنتمي إلى مراحل سابقة ولا تناسب تطور الأحداث، ورأيتُ أن أداء التحالف الوطني والأحزاب والحركات المنضوية تحت لوائه «باهت»، ويعتمد لغة واحدة، ولا يعرف أن السياسة تحتاج مرونة توائم المتغيرات الجديدة. والاستقالة قوبلت بردود أفعال متباينة، بين التفهم والرفض، لكنى لا أعمل حساباً إلا لقناعاتي.
تقدمت بمبادرة لحقن الدماء والحفاظ على الحركة الإسلامية فتم رفضها.. ما هى الأسباب حسب وجهة نظرك وكونك كنت عضوا فعالا بالجماعة؟
- تقدمتُ بالمبادرة إيماناً منى بأن الحزب والجماعة لابد أن يكون لهما موقف إيجابي، ولقناعتي بأن التنوع داخل الحركة الإسلامية ضروري لحفظ وصيانة وجودها، وأن علينا إقناع الإخوان بالتنازل عن بعض المطالب وصولاً إلى نقطة التقاء، تمهيداً للمصالحة الشاملة، وإلا علينا تبني هذا الموقف منفردين، حرصاً على الحركة الإسلامية من جانب، وعلى الوطن كله من جانب آخر، حتى لا نستنزفه لدرجة الانهيار، ونحقق مساعي الأعداء، إسرائيل وأمريكا، بعد تجاهل مبادرتي استقلت يوم الجمعة 23 أغسطس.
ماهى أهم بنود المبادرة؟
- المبادرة من 16 بندا، وتدعو للمصالحة وطي صفحة الخصومة وتقديم مصلحة الوطن على المصالح الحزبية، ومسارعة الأطراف في الفوز بجائزة صاحب السبق في تقوية جبهة مصر الداخلية وحماية الأمن القومي المصري. وتتلخص بنودها في الوقف الفوري لإطلاق النار ومنع كل مظاهر العنف والتحريض على الكراهية وتشويه وتخوين الآخر من الطرفين، وإطلاق الحريات وعودة الصحف والفضائيات الممنوعة وإنهاء الإجراءات الاستثنائية وحالة الطوارئ وإطلاق المعتقلين السياسيين، في مقابل إنهاء المظاهرات والفعاليات الجماهيرية الرافضة لما حدث في 3 يوليو الماضى، وإضافة بعض الوزراء المحسوبين على التيار الإسلامى، من غير الحزبيين، والوطنيين المستقلين المتوافق عليهم إلى الحكومة الحالية، قبل دعوة الناخبين لانتخابات رئاسية وبرلمانية بالتزامن، خلال شهرين كحد أقصى، مع ضمانات قوية لنزاهتها بإعلان دستوري من الرئيس المؤقت، حسب قانون الانتخابات الذي أحاله مجلس الشورى السابق إلى المحكمة الدستورية العليا، ويتعهد التيار الإسلامى بعدم تقديم مرشح للرئاسة لفترتين رئاسيتين، ويُمنع ترشح شخصيات ذات خلفيات عسكرية لمنصب رئيس الجمهورية، مع تخليد ذكرى شهداء الفترة الماضية وحفظ جميع حقوقهم مع الجرحى والمفقودين، وحماية الجيش المصري.
البعض حسب موقفك لقربك من أحد مؤسسي الجماعة، ناجح إبراهيم، زعيم التيار الإصلاحى بالجماعة؟
- أعتز بجميع أساتذتى ومشايخي، سواء من داخل التيار الإسلامي أو من خارجه. وأعتز إنسانيا بصداقاتي داخل حزب البناء والتنمية والجماعة الإسلامية، خاصة الشيخ علي الديناري والدكتور عصام دربالة، لكن هذا لا يمنع أن أختلف معهم وتتباين مواقفنا من الأحداث وكيفية التعاطى معها. والدكتور ناجح يمثل لي ولكثيرين قيمة كبيرة تعلمنا منها الكثير، أكثر من الآخرين، لكنى لستُ مع تصنيف إصلاحيين ومحافظين، فلا يوجد بداخلها صراع بين تيارين، بل تباين فى وجهات النظر. ومن يطلق عليهم إصلاحيون غير مُؤثرين داخل الجماعة، بل إنهم يتبرأون من أطروحات الدكتور ناجي. لهذا فضلتُ أن تنطلق المبادرة من داخل الحزب، وعبر قياداته الفاعلة في التحالف الوطني لدعم الشرعية، حيث تملك أدوات وأوراق التفاوض والتأثير في الشارع. ولا أعتقد أنهم رفضوا مبادرتي لكوني محسوب على الدكتور ناجح، فأنا أمثل نفسى مع احترامي الكبير وتقديري العظيم له، لكن ظني أن لهم حسابات أخرى، وأنهم راهنوا على عامل الوقت، في حين ثبت أن الوقت لم يكن دائما في صالح الإسلاميين.
إذن هناك مواقف متناقضة داخل الجماعة، بين دعاة التهدئة للخروج من الأزمة الحالية وحقن الدماء، وبين الراغبين في التصعيد انحيازا للإخوان؟
- هي اختلافات في الرؤى لا أكثر، وهذا طبيعي في ظل أزمة هائلة وأحداث ضخمة ومَلحَمية غير مسبوقة بهذا المستوى، الذي لم يعهده المصريون والإسلاميون من قبل، فالإسلاميون يواجهون لأول مرة في تاريخهم طوفاناً من الأحداث والمواجهات والحرائق والانتهاكات والكراهية والإقصاء والرغبة في الإبادة وانتهاك قدسية المساجد والعلماء والإساءة لمظاهر الدين من حجاب ولحية بشكل غير مسبوق، وأنا أرى أن هذا يتطلب العودة لصفوف الشعب بالدعوة، وبالحكمة والموعظة الحسنة والعمل الخيري والاجتماعي والمعارضة السياسية الراشدة الحكيمة، وعدم تعجل الوصول إلى السلطة. الاتجاه الآخر يرى اختياراً واحداً في وجه هذه التحديات، وقد أثبتت الأحداث أنه بعيد المنال ودونه تضحيات جسام وتنبؤات بكوارث لا تتحملها مصر، وقد تسلمها غنيمة باردة خلال أشهر قليلة لإسرائيل التي لم تبذل جهدا كثيرا في إسقاط مصر.
ما موقف شباب الجماعة الإسلامية من المواقف الأخيرة لحزب البناء والتنمية والجماعة؟
- تلقيت اتصالات كثيرة من شباب وأفراد كثيرين محسوبين على الجماعة، رافضين لهذه السياسات ولديهم حالة من التذمر، لكنهم يرغبون في إعلان موقف لا أكثر، ولم أسمع عن رغبة فى تقديم استقالات، لأن تقديم الاستقالة في حد ذاته إجراء مُستبعد وغير متداول ومقبول داخل التيار الإسلامي بعمومه، لاعتبارات كثيرة وأسباب يطول شرحها.
حمل كثيرون مسؤولية العنف الطائفية في المنيا وأسيوط، وعدد من جرائم الاعتداء على أقسام الشرطة لعاصم عبدالماجد وطارق الزمر، أحد قيادات الجماعة التاريخية؟
- هناك رواية أمنية مؤخراً تنسب ما حدث لمجموعات من البلطجية والمسجلين خطر، بل سمعت بأذني أحد القساوسة بالصعيد يوجه هذه الاتهامات لتلك العناصر، وبالطبع الهدف معروف وواضح للجميع، وما أعلمه عن الشيخ عاصم، رغم اختلافى معه فى الخلط بين الدعوي والسياسي، أنه ملتزم بمبادرة وقف العنف، وقد صرحَ بذلك في كثير من المواقف، وأستبعد تماماً ضلوعهما فى مثل هذه الأحداث، وأنا أعرف جيداً الشيخ عاصم عبدالماجد، وكذلك الدكتور طارق الزمر، ولا أظن أن هذه الاتهامات في محلها، وقد تكون لتصفية الحسابات السياسية، وإضعا لحضور وتأثير التحالف الوطني وأحزابه ورموزه فى الشارع، وهذه الأحداث وغيرها تحتاج لتحقيقات عادلة ونزيهة لمعاقبة مرتكبيها الحقيقيين.
من المسؤول إذن عما وصلنا إليه اليوم من أحداث عنف وتخريب؟
- أرى أن الإخوان والدكتور مرسي ضالعون في هذه المأساة بقلة خبرة وحنكة سياسية، وهم اجتهدوا نوعاً ما في قضايا الداخل ومشاكل المواطنين، لكنهم فشلوا في قراءة الواقع الدولي والإقليمي وفي التعامل معه بالسرعة والحنكة المطلوبة، كما فشلوا في الحفاظ على المشروع الإسلامي، ومازالوا يساهمون في سقوطه بالتمسك بمطالبهم دون التنازل عن بعضها، كما فشلوا، وهذا هو الأهم، في التعامل بمسؤولية وتعاون واحترام مع أهم وأخطر مؤسسات الدولة، وهي الجيش.
كيف ترى مستقبل تيارات الإسلام السياسى مع تداعيات ثورة 30 يونيو؟
- إذا استمر الخطاب التصعيدي والتشبث بنفس المواقف والمطالب في كل المراحل، حتى بعد ما حدث فى يوم 14 أغسطس، وهو يوم فض الاعتصامات، فالحركة الإسلامية تسير بالوطن نحو المجهول وإلى مزيد من المآسي والآلام، وهذا يؤثر على مستقبل هذه الحركة في العالم كله لعقود مقبلة، وسيكتب الانهيار للمشروع الإسلامي. أنصحهم بتقديم مصلحة الوطن على حظوظ النفس وعلى المصالح الحزبية الضيقة، وبالمراجعة الدائمة ونقد الذات وتصحيح الأخطاء وعدم التمادي في الخطأ، والتفاعل مع الأحداث بإيجابية وديناميكية وسرعة.
هل تعتقد أن الجماعة الإسلامية ستلجأ للمفاوضات، وتنفصل عن تحالف دعم الشرعية؟
- أتمنى أن يحكم قيادات الجماعة الإسلامية بصوت العقل والرشد، وأن يجذبوا الإخوان معهم إلى المنطقة الوسطى، وإلى الانحياز لمصلحة الأوطان والحركة الإسلامية، وحقن دماء المصريين وتفويت الفرص على أعداء مصر في الخارج، فلا تنهار مصر اقتصادياً واجتماعياً ولا تنهار قواها الأساسية المتمثلة في أزهرها وإسلامييها وجيشها وفصائلها الوطنية، سواء إسلاميين أو قوميين أو ناصريين أو ليبراليين، ولا تنهار وحدتها الوطنية وتتمزق الأواصر الباقية بين مسلمي مصر ومسيحييها، فتصبح مصر فريسة سهلة المنال وجاهزة للافتراس من العدو اللدود الرابض والمتربص على الحدود.