x

سيناء.. قضاء سلفي برعاية «إخوانية» في غياب الدولة والمحاكم المدنية (تحقيق)

الأحد 25-08-2013 22:55 | كتب: محمد علي الدين |
تصوير : other

صار اللجوء للجان القضاء الشرعي في شمال سيناء واقعا يفرض نفسه على الجميع منذ ثورة 25 يناير 2011، فالشرطة التي انسحبت خلفت وراءها فراغا أمنيا، واختفاء ملحوظا لما تبقى من مظاهر الدولة المصرية في المحافظة الحدودية، في المقابل كانت مشاكل أهالي سيناء تتزايد في ظل الانفلات الأمني، وحاجة الناس تتزايد لأي بديل ينجح في إنهاء مشاكلها ولو بشكل مؤقت.

اليوم في سيناء لا يذهب الناس إلى القضاة العرفيين لحل مشاكلهم كما اعتادوا منذ سنوات طوال، وبالطبع أيضا لا يذهبون إلى أقسام الشرطة لتحرير محاضر رسمية لإثبات حقوقهم، بل يزورون اللجان الشرعية التي تأسست بعد الثورة ويشرف عليها قيادات التيار الإسلامي في سيناء.. هناك سيتقدم طرفا النزاع بشكواهم، وينزل القاضي ومساعدوه للتحقيق في القضية، وسماع الشهود ثم إصدار حكم شرعي نهائى بعيدا عن أي أثر للدولة وأشكالها العصرية.

في منطقة «الفيتات» الواقعة جنوب الشيخ زويد، يتوافد الناس عبر طريق ترابي لحضور إحدى جلسات «القضاء الشرعي» في دار بسيطة البناء يغطي جدرانها اللون الأصفر، بينما يعلوها لافتة صغيرة تعلن أنها مقر اللجنة الشرعية بالمنطقة.. هناك يجلس قاض شرعي ومعه مساعدوه بين الناس لسماع شهادات طرفي النزاع، ويدونها في عدة أوراق ثم يتحرك إلى مكان المشكلة لجمع الأدلة، وأخيرا يصدر حكمه الشرعي مكتوبا وممهورا باسمه وأسماء أعضاء اللجنة الشرعية الذين شاركوا معه فى إصدار الحكم.

تحتفظ اللجنة الشرعية عادة بنسخة من «الحكم» لضمان عدم تزويره أو التلاعب فيه بينما يحتفظ طرفا النزاع بصورة مختومة بخاتم يحمل اسم القاضيي الشرعي كضمانة للتنفيذ.. المفارقة هنا أن «خاتم يمكن شراؤه من أسواق العتبة» على حد تعبير أحد القضاة الشرعيين، أصبح أكثر ثقة لدى الناس من المحاضر الرسمية للدولة.. هناك في شمال سيناء دولة مدنية عصرية ترجع إلى الخلف، ولجان شرعية تخطو بثبات إلى الأمام.

لم يلق هذا المشهد بظلاله على سيناء إلا بعد ثورة 25 يناير، حينها سمح الفراغ الأمني بعد انسحاب الشرطة وضعف مكانة القضاء العرفيي في المجتمع إلى ظهور اللجان الشرعية بشكل علني، وانتشارها في مدن العريش، والشيخ زويد، ورفح، وقرى وسط سيناء، ورغم ذلك فإن اللجوء إلى قاض شرعي لإنهاء الخلافات كان موجودا ومتعارفا عليه حتى قبل الثورة لكن في دائرة محدودة تشمل المنتمين للجماعات الإسلامية.

نجح القضاء الشرعي بعد مرور حوالي سنتين ونصف على الثورة أن ينتشر ويثبت أقدامه في مدن شمال شرق سيناء، ففي العريش توجد لجنتان شرعيتان ومقرهما في حى الفواخرية (دار القضاء الشرعي ويرأسها الشيخ أسعد البيك، ولجنة الشيخ وليد سليمان)، وفي الشيخ زويد توجد ثلاث لجان (لجنة ساحل البحر ويرأسها الشيخ نائف الذيب وهو أول من أسس لجانا شرعية بشمال سيناء، ولجنة الشيخ حمدين أبو فيصل، ولجنة ثالثة تضم الشيخ أبو الحسن اسكندر والشيخ هاني محلاب)، وفي جنوب الشيخ زويد لجنة الشيخ سليمان أبو ملحوس، وفى رفح لجنتان (لجنة الشيخ موسى أبو أحمد، ولجنة الشيخ أبو سعيد)، وفي البرث بوسط سيناء لجنة الشيخ رمضان الدعيثى.

يقدم الشيخ هانى محلاب، قاض شرعي وإمام مسجد التوحيد بالشيخ زويد، ما يعتبره الأسباب التي دفعت بالقضاء الشرعي للواجهة في سيناء، ويقول: «أعمل في سيناء في مجال الدعوة منذ 6 سنوات.. الناس هنا تحب الدين والشرع، والمصري متدين بطبيعته حتى لو كان قبطيا»، ويضيف أن «القضاء المدني فقد مصداقيته أمام الناس وأصبح مسيسا والقضاء العرفي أيضا طالته المفاسد».

«تدين الشعب المصري» تبدو كديباجة متكررة لا تكفي لإقناع أي باحث اجتماعي مدقق، فالدكتور سعيد المصري، أستاذ علم الاجتماع بجامعة القاهرة ومدير برنامج القضايا الاجتماعية بمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، يرى أن الجذور التي أسست لفكرة القضاء الشرعي ترجع إلى أكثر من ربع قرن تقريبا، خاصة بعد أن أخفقت المواجهات الإسلامية المسلحة مع الدولة خلال الثمانينات حيث وفرت بيئة المجتمعات الحدودية له كل فرص القوة والنمو رغم محاولات التضييق الأمني على الإسلاميين.

ويضيف الباحث الذي أجرى دراسة عن «أسلمة القضاء البدوي بين قبائل أولاد علي»، أن ما يحدث حاليا في سيناء من انتشار للقضاء الشرعي تكرر من قبل فى مطروح وحلايب وشلاتين، موضحا أن ثورة 25 يناير أتاحت الفرصة بصورة أكبر لتوغل الجماعات الجهادية والسلفية، واختراقهم للمجتمعات البدوية الحدودية بصورة أكبر من أى وقت مضى.

وأوضح: «وفر صعود الإخوان المسلمين الى السلطة الغطاء السياسي لعمل تلك الجماعات بحرية أكبر».

من جانبه يحاول الشيخ هاني محلاب أن يشرح الشروط التي يجب توافرها في القاضي الشرعي، فهو لابد أن يكون ملما بالفقه الإسلامي في المسائل التي سيحكم فيها، وأن يكون قد تلقى ذلك العلم على يد مجموعة من العلماء الثقات، ثم يستدرك: «حصلت على الإجازة العالية في الشريعة من الأزهر الشريف والأخ أبوملحوس أنهى دراسات إسلامية في الجامعة الأمريكية أما الأخ أبو فيصل فقد توقف عند الثانوية العامة لكنه درس على يد علماء في السجن».

يستكمل الشيخ «هاني» توضيح إجراءات التقاضي لدى اللجان الشرعية، ويقول إن على القاضي أن يستمع إلى طرفي النزاع بينما يسجل كاتب أقوالهما ويوقعان على تلك الأقوال، ثم يبدأ القاضي في مراجعة الأدلة والمستندات والعقود المتعلقة بالقضية.

ويضيف: أحيانا بعض القضايا تحتاج إلى نزول القاضي واثنين من مساعديه إلى مكان المشكلة لتحري الوقائع، يلي ذلك التحري عن أحوال الشهود الذين سيشهدون في القضية لتجنب أن يكون أحدهم ممن عرف عنه الكذب أو شرب الكحوليات أو المخدرات، وأخيرا تصدر اللجنة الشرعية الحكم ممهورا بتوقيع القاضي ومساعديه أو أختامهم، ويحفظ أصل الحكم لدى اللجنة الشرعية بينما يحصل طرفا النزاع على صورة مختومة لضمان تنفيذ الحكم.

الشروط الواجب توافرها في الشهود لقبول شهاداتهم تمتد أيضا إلى مدى التزامه دينيا، فمثلا الشيخ أسعد البيك المسؤول عن دار القضاء الشرعي في العريش يرفض قبول شهادة غير المصلي، أو المفطر في رمضان، ويؤيده فى ذلك قضاة آخرون من الشيخ زويد، بينما يرى الشيخ هاني محلاب أن الأمر يحتمل قبول شهادة غير المصلي إذا عرف عنه الصدق، أو كانت شهادته مهمة للقضية.

خلال عدة لقاءات مع قضاة شرعيين، قدموا لنا صورة مثالية حول عدالة القضاء الشرعي في التعامل مع الأقباط المقيمين في شمال سيناء، وعددوا الأمثلة التي تبرهن على إنصاف القضاء الشرعي لهم حتى وإن كان أحد الطرفين مسلما، هذا الصورة المشرقة تتراجع كثيرا عندما يؤكد لنا قاضيان شرعيان هما هاني محلاب، وحمدين أبو فيصل أن اللجان الشرعية لا تقبل شهادة المسيحي في قضايا القتل أو السرقة وغيرها، والسبب وفقا لـ«أبو فيصل» أنه «لا يجوز قبول شهادة من يتواطأ.. لأنه من المعروف أن هؤلاء النصارى يتواطؤون مع بعضهم»، ثم يداعب لحيته الكثة ويقول: «إذا كان طرفا القضية من النصارى يمكن قبول شهادتهم لكن إذا كان أحد المتقاضين مسلما والآخر نصرانيا لا نقبل شهادة النصراني».

في منزل الشيخ حمدين أبو فيصل، قاض شرعي بالشيخ زويد، تتراص بشكل مرتب أعداد كبيرة من الكتب الدينية، التي يشير لها باعتزاز قائلا: «هؤلاء هم شيوخي الذين تعلمت على أيديهم»، بينما يجلس معنا على الأرض، وأمامه «طبلية» دائرية الشكل عليها أختام تحمل أسماء أعضاء اللجنة الشرعية، ونسخ من المستندات المستخدمة في اللجنة الشرعية، فتلك صيغة استدعاء لطرفي النزاع للحضور أمام القاضي الشرعي، وتلك ورقة تدون فيها التحريات وشهادات الشهود، وهذه الصيغة النهائية لإصدار الأحكام الشرعية.

الحديث مع «أبو فيصل» امتد لساعتين حتى جاوزنا منتصف الليل، وخلالها كان دائم التأكيد على «ارتباط ظاهرة اللجان الشرعية بانتشار الالتزام الديني وأفكار التيار الإسلامي في سيناء»، مشددا على أنه «لا يحل لإنسان يؤمن بالله واليوم الآخر أن يتحاكم إلى ما لا يجوز له في دينه أن يلتزم من القوانين الوضعية أو العرفية التي تصادم الكتاب والسنة.. الله نفى أصل الإيمان عن الشخص الذي يريد أن يتحاكم لغير الشرع».

لم يتوقف «أبو فيصل» طوال حديثنا معه عن رفضه لفكرة إصلاح القضاء العرفي، بل أيضا أدخله مع القضاء المدني في دائرة «التحاكم لغير الشريعة» و«التصادم مع الكتاب والسنة». وقال إن «القضاء العرفي يتصادم من النصوص الشرعية، والقضاة العرفيون يرون أننا ننافسهم ونسحب البساط من تحت أرجلهم، ونحن على هذه النية حتى نلغى القضاء المخالف للشريعة بكل السبل الشرعية».

يجمع القضاة العرفيون والشرعيون الذين التقيناهم خلال التحقيق على ارتفاع قيمة ما يعرف بـ«الرزقة» وهي مبالغ يدفعها المتقاضون لدى القاضي العرفي كأنها رسوم للتقاضي، لكن قيمتها ارتفعت خلال السنوات الأخيرة حتى بلغت فى بعض الأحيان 15 ألف جنيه، وهو ما دفع كثيرا من المتقاضين لهجر القضاء العرفي والاتجاه إلى نظيره الشرعي الذي لا يتقاضى «الرزقة» أو أي مبالغ أخرى.

القضاة العرفيون يمثلون واقعا يمتد لمئات السنين فى سيناء، فسكان المناطق الحدودية في مصر، ومعظمهم من البدو اعتادوا اللجوء للقضاء العرفي بدلا من القضاء المدني، وهو ما أقرته الدولة، لكن هذا الشكل من القضاء يواجه تحديا صعبا من القضاء الشرعي الذي ينزع عنه صفة الارتباط بالشرع، ويتهمه بالفساد.

في «ديوانه» بالعريش، استقبلنا الشيخ حسين أيوب، وهو قاض عرفي جاوز الستين عاما، وتحمل كلماته خبرات عشرات السنين التي قضاها في هذا المجال.. يرد الشيخ «حسين» بحزم: «كلامهم عن عدم التزامنا بالشريعة خاطئ لأننا نستند إلى القرآن والشريعة فى أحكامنا».

ويضيف أن القاضي الشرعي يصدر حكما نهائيا لا رجعة فيه بينما يمنح القاضي العرفي المتقاضين فرصة نظر القضية أمام ثلاثة قضاة على ثلاث مراحل، وكأنها درجات تقاض، كتلك المتعارف عليها فى القضاء المدني.

ويوضح الشيخ «حسين» أن القضاة العرفيين يحكمون في القضايا وفقا لتخصصهم، فمنهم قضاة لمشكلات الأراضي، وقضاة متخصصون في قضايا الدم، وآخرون في قضايا المرأة والأعراض بينما يتصدى القاضي الشرعي لكل أنواع القضايا التي تعرض عليه، وكأنه خبير في كل تلك التخصصات.

يفسر الدكتور سعيد المصري، الأسباب التي تدفع القضاة الشرعيين إلى إعلان رفضهم للقضاء العرفي، والإفصاح عن نيتهم فى استبداله باللجان الشرعية قائلا: «جهود الجماعات السلفية تنصب على محاربة ثلاثة أنواع من الجاهلية بحسب تصورهم وهي جاهلية البداوة، وجاهلية الحداثة، وجاهلية السلطة».

ويوضح أن المقصود بجاهلية الحداثة أي البدع الحديثة التى تخالف الشرع، والقصد من جاهلية السلطة أي مؤسساتها وقوانينها المدنية المخالفة للشرع، أما جاهلية البداوة فهي في نظر السلفيين الأعراف التي تفتقد إلى فهم الإسلام الصحيح وتشجع على الخرافة وتمجيد الأولياء وزيارة الأضرحة، ولذلك فإن إحلال قواعد الشرع محل العرف تعني بلا شك القضاء على العرف في عملية فض المنازعات.

في ظل التنافس بين القضاء العرفي والشرعي، حقق الأخير نجاحا منذ عدة أشهر مازال يباهي به حتى اليوم، عندما نجحت لجنة «البرث» الشرعية في إنهاء خصومة بين قبيلتي الترابين، والسواركة، وهما من أكبر القبائل في شمال سيناء، في حين لم تلجأ القبليتان العريقتان إلى القضاء العرفي، لكن النجاح الأهم للقضاء الشرعيي ما يسميه الشيخ أبو فيصل «اعتراف الدولة ضمنيا» باللجان الشرعية، من خلال تكرار لجوء مديرية أمن شمال سيناء للجان الشرعية لإنهاء وتسوية المشاكل بين عائلات وعشائر سيناء.

يُرجع الحاج يحيى الغول، قاض شرعي من العريش، لجوء مديرية الأمن للجان الشرعية إلى «حالة الرخاوة وانتشار الفوضى» التي استمرت لقرابة عامين ونصف بعد الثورة، موضحا أنها فرضت على الأمن اللجوء لأي طرف يكون قادرا على أن يمسك بالمجتمع، حتى لو لم يكن يحب هذا الطرف. ويضرب الغول المثل بـ«الاحتلال عندما يستعين بأى شخص لخدمة مصالحه وغالبا يختار أسوأ من فى المجتمع».

من جانبه يتعجب الدكتور سعيد المصري من موقف الدولة التي تضحي بدورها كدولة مدنية من أجل «تقفيل» محاضر، وإنهاء المشاكل بعيدا عنها.

ويضيف أن الدولة لم تكتف بتحويل قضايا إلى القضاء الشرعي لكنها أيضا ساهمت في نمو تلك الظاهرة من خلال حضور ممثليها جلسات صلح تضم بعض القضاة الشرعيين في سيناء، ومطروح، ومناطق شبه قبلية في الصعيد.

ومن جانبه، يعتقد أشرف أيوب، مفكر اشتراكي مقيم بالعريش، أن الدولة أسست لأولى خطوات إلغاء الدولة المدنية في سيناء فى آخر حكم مبارك عندما اعتمدت على القضاء العرفي وأحالت إليه عددا من القضايا، وذلك لأنها وصلت لمرحلة الدولة الرخوة العاجزة عن السيطرة على الأطراف، وعندما جاء الإخوان وحل «الحرية والعدالة» محل «الوطني» أصبح من المنطقي إحالة القضايا للقضاء الشرعي.

رغم الانتشار الملحوظ للجان الشرعية في مناطق شمال شرق سيناء، وتحديدا مدن العريش، والشيخ زويد، ورفح، وبعض قرى الوسط، فإن اللجان الشرعية تختفي تماما فى بقيه مدن شمال سيناء الممتدة من غرب العريش حتى قناة السويس، ففي مدينة بئر العبد مازالت كلمة القضاء العرفي هي العليا بينما لا توجد أي لجان شرعية. الشيخان هاني محلاب وأبو فيصل قالا إن «الطلب على القضاء الشرعي في بئر العبد كبير لكن لا تتوافر كوادر لتأسيس لجنة شرعية»، وهو الأمر المثير للتأمل لأن سكان بئر العبد يتمتعون بمستوى مرتفع من التعليم بفضل انتشار المدارس والتحاق عدد كبير من أبنائها بالجامعات ورغم ذلك «لا تتوافر بها الكوادر» اللازمة للقضاء الشرعي، على حد تعبير الشيخين.

ينفى الحاج سعيد صالح، من عواقل عائلة البياضية ببئر العبد، أن يكون الناس مقبلين على القضاء الشرعي، موضحا أن القضاء العرفي مازال الوسيلة التي يلجا إليها أبناء المدينة لإنهاء مشاكلهم، ويقول: «بئر العبد شهدت محاولات من بعض المنتمين لأهل السنة والجماعة لتأسيس لجان شرعية لكن المجتمع رفضها»، ويضيف: «أبناء بئر العبد يتمتعون بمستوى مرتفع من التعليم والمتشددون بينهم قلة».

ارتبطت بدايات القضاء الشرعي فى سيناء بانتشار أفكار التيار الإسلامي في الثمانينات، لكن ظهورهم بشكل علني وتأسيس لجان شرعية ارتبط بفترة ما بعد ثورة 25 يناير، وصعود التيار الإسلامي سياسيا، ففي فترة الاستعدادات التي سبقت انتخابات برلمان ما بعد الثورة، أعلن الشيخ أسعد البيك، قاض شرعي، وزعيم أهل السنة والجماعة في العريش، تأييده لمرشحي حزب الحرية والعدالة، ونظم عدة مؤتمرات لدعمهم وحشد المواطنين لصالحهم، ونفس الموقف تكرر خلال أزمة 30 يونيو 2013 عندما دعا نفس القاضي لمظاهرات مؤيدة للرئيس المعزول، وعندما دعا قاض شرعي آخر من الشيخ زويد هو أبو الحسن اسكندر لمسيرات من مدينتي رفح، والشيخ زويد للانضمام إلى مظاهرات مؤيدة للرئيس المعزول فى العريش.

يقول مصطفى الأطرش، ناشط سيناوي، إن القضاة الشرعيين هم قيادات التيار الإسلامي في شمال سيناء، وكانوا مشاركين في المظاهرات والأحداث الداعمة لمرسي بعد 30 يونيو، هم بالأساس استغلوا مكانتهم العلمية ليكونوا قضاة شرعيين، ثم استغلوا مكانتهم كقضاة وعلماء يطيعهم الناس ليكونوا زعماء سياسيين، ويضيف: «هم يستغلون فكرة أن القاضي هو أعلم من بالجماعة، وبالتالي عليهم جميعا أن يطيعوه في كل الأمور ومن بينها الأمور السياسية».

ويرفض الشيخ هاني محلاب ارتباط القضاة الشرعيين بأي عمل سياسي، أو حزبي، ويؤكد أن هناك فرقا بين الانتماء الحزبي، وأن يكون القاضي متابعا للقضايا العامة التي تشهدها البلاد، ويكون له رأي فيها.

من جانبه، يرى أشرف أيوب أن ارتباط القضاة العرفيين بالسياسة أمر لا يحتاج شواهد أو انضمام رسمي لأحزاب، ويقول: «القضاء إحدى سلطات الدولة، عندما تقرر أن تصنع قضاء موازيا للقضاء المدني يبقى أكيد بتلعب سياسية، هو فيه سياسة أكتر من كده؟!. أنت تريد أن تحتكر شكلا تنظيميا من أشكال الدولة».

تسعى التيارات الإسلامية في مصر إلى نشر فكرة اللجان الشرعية، والخروج بها من المحافظات الحدودية والمناطق القبلية إلى محافظات الدلتا، ففي تسجيل لحفل «تخريج الدفعة الخامسة من القضاة العرفيين» بمدينة دسوق، حضره الدكتور محمد بديع، مرشد جماعة الإخوان المسلمين، وعضو مكتب إرشاد الجماعة ومفتيها الشيخ عبد الرحمن البر في 3 يوليو 2011، قال الأخير إن «الإخوان يقولون (قضاء) عرفي جريا على العادة لكن الحقيقة أنه قضاء شرعي يتحرى حكم الله»، هذه الخطوة الإخوانية فى 2011، يتم استكمالها حاليا في 2013 عن طريق تأسيس معهد ديني لتخريج قضاة شرعيين في مدينة العاشر من رمضان سيشرف عليه الشيخ بدران العيادي، رئيس قسم الحديث بجامعة الأزهر، بهدف توسيع قاعدة القضاة الشرعيين في مصر، وقد تواصلنا مع الشيخ الذي أكد لنا أن المعهد مازال تحت الإنشاء.

ويرى الدكتور سعيد المصري أن نجاح هذه اللجان الشرعية يتوقف على مدى بقاء الوضع الراهن في المستقبل القريب خاصة بعد أحداث 30/6. فإذا ظلت الدولة ضعيفة في تلك المناطق وسلطتها هشة فسوف يتوغل الإسلاميون أكثر فى المناطق الحدودية ويصبح القضاء الشرعي بمثابة نواة الدولة الإسلامية البديلة ونقطة انطلاق الفتاوى الجهادية ضد الدولة ومؤسساتها الأمنية.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية