«أردوغان فقد عقله».. عبارة وردت على لسان عدد من المحللين والمراقبين السياسيين تعليقا على حالة الهستيريا التى أصابت تركيا ورئيس وزرائها رجب طيب أردوغان، عقب عزل الرئيس السابق محمد مرسى وسقوط «الإخوان» من حكم مصر بعد ثورة 30 يونيو.
وذهب البعض إلى الترويج بأن «أردوغان» نفسه عضو بالتنظيم الدولى لجماعة «الإخوان»، لكن الحقيقة أكبر وأكثر تعقيدا من ذلك. فقد وجهت ثورة 30 يونيو ضربة قاصمة لنفوذ تركيا وأحلامها فى أن تتحول إلى قوة عظمى فى الشرق الأوسط، عبر تحويل مصر وغيرها من دول «الربيع العربى» إلى دول تابعة لما ساد فى الأوساط الإعلامية والسياسية باسم «العثمانية الجديدة»، من خلال دعم جماعات الإسلام السياسى، وعلى رأسها الإخوان فى مصر، والنهضة فى تونس.
ويرى محللون أن أحلام «أردوغان»، العثمانى الجديد حظيت بمباركة الولايات المتحدة، لكون تركيا عضوا بحلف شمال الأطلنطى الذى تقوده «واشنطن»، وكلفت «أردوغان» بأن يكون «عراب» العلاقات الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والجماعات الإسلامية، وعلى رأسها جماعة الإخوان. وبحسب العديد من التقارير الغربية تضمنت هذه العملية تعهد «الإخوان» عبر أنقرة بالحفاظ على المصالح الأمريكية فى المنطقة، واحترام اتفاقية السلام مع إسرائيل، والتعايش معها فى سلام، مقابل الوصول إلى كرسى الحكم. وبعد سقوط نظام الرئيس الأسبق حسنى مبارك، والرئيس التونسى السابق زين العابدين بن على، أقامت حكومة أردوجان تحالفات مع الإخوان فى مصر، وحركة النهضة الإسلامية التى تترأس الائتلاف الحاكم فى تونس.
وبحسب الأستاذ فى جامعة بيلجى فى إسطنبول، التر توران، كانت تركيا تأمل فى أن يصب «الربيع العربى» فى مصلحتها، على أساس سعيها لتوسيع دائرة نفوذها فى الشرق الأوسط مع وصول الإخوان إلى السلطة فى مصر وتونس ثم فى سوريا. وقال توران: «لم تنجح هذه الخطة فى سوريا، وانهارت فى مصر». وأضاف: «أصبحت تركيا مرغمة على العزلة فى الشرق الأوسط، وخسرت سيطرتها على الوضع فى المنطقة».
وأوضح توران أن «الغضب الذى عبر عنه قادة تركيا ليس فقط بسبب صور العنف أو فشل الديمقراطية فى مصر، وإنما بسبب انهيار أحلام أردوجان بأن تصبح تركيا لاعبا إقليميا». وقال حسين بقجى، الأستاذ بجامعة الشرق الأوسط التقنية فى أنقرة، إن «تركيا ردت على الأزمة المصرية معنويا، لكن سياسيا هى معزولة». ولفت «بقجى» إلى أن تركيا المحرجة أساسا بسبب المظاهرات غير المسبوقة المناهضة لحزب العدالة والتنمية الحاكم، الذى يرأسه أردوجان، والتى كانت ذروتها فى ميدان تقسيم، وتم قمعها بشكل وحشى، أصبحت الآن معزولة جدا وغير قادرة على لعب دورا قياديا فى المنطقة. وقال إن «تركيا خسرت فرصها فى لعب دور قيادى فى المنطقة».
ولفتت صحيفة «جارديان» البريطانية إلى أن غضب «أردوغان» مما حدث فى مصر يرجع إلى تخوفه من تكرار ذلك معه هو شخصيا فى تركيا، وتكرار تجربة الانقلابات العسكرية للجيش التركى، وفور سقوط مرسى رسميا فى 3 يوليو، سارع «أردوغان» فى 13 يوليو إلى تعديل قانون فى اللائحة الداخلية للجيش، استخدم أكثر من مرة لتبرير انقلابات عسكرية. ويعيد هذا التعديل صياغة المادة 35 فى قانون عمل الجيش الذى صدر بعد انقلاب عام 1960، وتنص على أنه من واجب الجيش «صيانة الجمهورية التركية وحمايتها».
وقام جنرالات الجيش التركى بانقلابين عام 1971 وعام 1980 مستندين إلى هذه المادة بذريعة عدم قدرة السلطات المدنية على الدفاع عن المبادئ الدستورية. بينما تحد الصيغة الجديدة، التى تم التصديق عليها بشكل عاجل، من مجال تدخل القوات المسلحة، محددة دورها بـ«الدفاع عن المواطنين الأتراك ضد التهديدات والمخاطر القادمة من الخارج»، والردع الفاعل والمشاركة فى العمليات الخارجية التى يقرها البرلمان. ومنذ 2007 ألقى القبض على المئات من العسكريين العاملين أو المتقاعدين وجرت محاكمتهم أو أدينوا بالتامر على قلب نظام الحكم، فى حين أن الجيش التركى نصب نفسه حاميا للمبادئ الجمهورية وعلمانية مصطفى كمال أتاتورك مؤسس تركيا الحديثة، قام بثلاثة انقلابات عسكرية، وأجبر عام 1997 حكومة نجم الدين اربكان الإخوانية على الاستقالة.