أنعش قرار وضع الرئيس الأسبق، محمد حسنى مبارك، قيد الإقامة الجبرية ذاكرة التاريخ فيما يتعلق بهذه العقوبة، التي ترافق الزعماء والسياسيين وقت الاضطرابات والثورات.
والإقامة الجبرية هي إحدى العقوبات المقيدة للحرية، وتفرض عادة ضمن العقوبات الجنائية السياسية، ونالت مرادفات أخرى مثل «الحبس المنزلي»، و«الاحتجاز»، و«المراقبة الإلكترونية»، فيما يعتبرها البعض «إجراءً قمعيا سلطويا» ضد الحكومات السياسية، لمنع المعاقب من الوصول إلى وسائل الاتصال أو التواصل مع الجماهير.
و«مبارك» أحد الرؤساء السابقين، الذين يتم وضعهم تحت الإقامة الجبرية، وهو الحالة الثانية في مصر بعد اللواء محمد نجيب، أول رئيس لمصر بعد سقوط الملكية، حيث لم يستمر الأخير بعد ثورة 1952 في سدة الحكم حتى 1954 إلى أن عزله مجلس قيادة الثورة ووضعه تحت الإقامة الجبرية بعيدا عن الحياة السياسية لمدة 30 عاما في منزل بالمرج جعلته الأكثر فترة في التاريخ المعاصر لهذه العقوبة، مع منعه تماما من الخروج أو مقابلة أي شخص من خارج أسرته، حتى أنه ظل لسنوات عديدة يغسل ملابسه بنفسه.
واحتلت باكستان مركزًا متقدمًا في قائمة الدول الأكثر استخدامًا لهذه العقوبة، وأبرز مشهد عندما قرر القضاء الباكستاني في أبريل الماضي وضع الرئيس السابق، برويز مشرف، قيد الإقامة الجبرية لعزله قضاة بصورة غير قانونية أثناء حكمه، إلا أن «مشرف» فر من الجلسة ولم يتم اعتقاله، وتم اعتقال رئيس الوزراء، ذو الفقار علي بوتو، عقب الإطاحة بنظامه إثر انقلاب عسكري، عام 1977، بقيادة رئيس أركان الجيش العام، محمد ضياء الحق، وتمت محاكمته وإعدامه لاحقاً عام 1979.
كما واجه رئيس الوزراء نواز شريف في عام 1999 العقوبة ذاتها، ولكن نظرًا للضغوط الخارجية تم نقله إلى السعودية قبل أن يعود إليها حتى عام 2010، ليتم وضع «الشريف» مرة أخرى في الإقامة الجبرية من قبل الرئيس الباكستانى آصف على زرداري، عندما أعلن عن مسيرة طويلة لدعم حركة المحامين.
وخرجت الإقامة الجبرية عن حدود السياسيين لتشمل القضاة عندما تعرض رئيس المحكمة العليا الباكستانية، افتخار محمد شودري، للاعتقال القسري في 2007 من قبل الجنرال «مشرف»، ما تسبب في أكبر أزمة مرت بها البلاد، ولم ينج العالم عبد القدير خان الشهير بـ«أبو القنبلة النووية الباكستانية» من العقوبة فى عهد «مشرف».
وفي إندونيسيا، تم وضع أول رئيس للبلاد، أحمد سوكارنو، قيد الإقامة الجبرية بعدما أطاح به الجنرال سوهارتو عام 1967، فيما مر الرئيس النيجيري الأسبق، شيهو شاجاري، بنفس التجربة في 1983عقب انقلاب عسكري.
وفي الجزائر، تعرض أول رئيس لها بعد الاستقلال عن الاحتلال الفرنسي أحمد بن بيلا للإقامة الجبرية، بعدما انقلب عليه هواري بومدين عام 1965، فيما لقى الرئيس التونسى الراحل، حبيب بورقيبة، نفس المصير عقب انقلاب عسكري في 1987.
ومن الزعماء السياسيين الذين خضعوا للإقامة الجبرية، الرئيس الأرجنتيني الأسبق خورخى فيديلا، وزعيمة المعارضة في ميانمار (بورما) أون سان سو تشي، الحائزة على جائزة نوبل للسلام 1991، وزعيمة الحركة المؤيدة للديمقراطية في بلدها، وخضعت لهذه العقوبة لأكثر من 20 عاما، فيما تعرض رئيس الوزراء الأسبق في كمبوديا، بول بوت، للعقوبة نفسها عندما هاجمت فيتنام بلاده عام 1978، وهو الموقف الذي انتظر ديكتاتور شيلى السابق، أوجستو بينوشيه، عام 2005، بوضعه تحت الإقامة الجبرية بأمر من المحكمة العليا.
وخلال المرحلة السوفييتية في روسيا، تم وضع رئيس الوزراء، نيكيتا خروتشوف، قيد الإقامة الجبرية 7 سنوات قبل وفاته بعد الإطاحة به عام 1964، وحاليا يعد رئيس الوزراء الإيطالى الأسبق، سلفيو برلسكونى، أشهر من ينتظر هذه العقوبة من السياسيين بعد إدانته بتهمة التهرب الضريبي، وتأييد المحكمة العليا فى مطلع أغسطس الجاري حكما بسجنه مصحوبا بقرار لحظر توليه منصبا عاما لمدة 5 أعوام.