طالبت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، الأربعاء، النيابة العامة بتوجيه تهمة القتل لضباط الشرطة والسجن المسؤولين عن وفاة 37 من المحتجزين في واقعة سجن أبو زعبل شمال القاهرة.
كما طالبت «المبادرة المصرية»، في بيان نشرته عبر موقعها الإلكتروني، تشكيل لجنة خماسية مستقلة من خبراء الطب الشرعي لإعادة تشريح الجثث والوقوف على أسباب الوفاة الحقيقية، بعد تضارب روايات وزارة الداخلية عن الواقعة وفي ظل الشكوك التي تحيط بظروف وفاة المحبوسين احتياطيًا أثناء عملية ترحيلهم للسجن، الأحد الماضي.
من جانبه، قال كريم عنارة، الباحث بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية: «رغم تضارب الروايات الرسمية بشأن سبب مقتل 37 متهمًا وهم في حوزة الشرطة إلا أن الرواية المرجحة الآن هي أن الضباط المسؤولين عن ترحيلهم قاموا بإلقاء قنبلة غاز داخل سيارة الترحيلات الضيقة التي تعاني أصلًا من الاكتظاظ وسوء التهوية، وهو ما يجعلنا أمام جريمة قتل أسفرت عن هذا العدد الكبير من الضحايا تستوجب إنزال العقاب بالمسوولين عنها».
وكان 37 من المحبوسين احتياطيًا على ذمة التحقيقات في قضية فض اعتصام «رابعة» لقوا مصرعهم داخل سيارة الترحيلات، وسلطت «المبادرة المصرية» الضوء على ما أصدرته وزارة الداخلية عن تلك الواقعة، مشيرة إلى أن «الداخلية» أصدرت أكثر من رواية عن الأحداث، إحداها أن المحبوسين احتياطيًا حاولوا الهرب وقاموا باختطاف ضابط داخل سيارة الترحيلات، مما اضطر قوات الشرطة لإلقاء قنبلة غاز داخلها وهو ما تسبب في مقتل جميع المرحلين.
وأضافت: «في رواية سابقة قالت وزارة الداخلية، إن السيارة تعرضت لهجوم من مسلحين في الطريق وإطلاق رصاص على الضباط المرافقين، وهو ما اضطر قوات الشرطة للتعامل بالغاز، في حين قال وزير الداخلية في تصريح تليفزيوني إن عددًا من المضبوطين قاموا بإحداث شغب داخل فناء سجن أبو زعبل في نفس الوقت التي كانت سيارة الترحيلات تقوم بإنزال آخر دفعة من المحبوسين احتياطيًا فيه وحاولوا اختطاف ضابط فقامت قوات الحراسة بتحريره وإطلاق قنبلة غاز قتلت 37 قبل أن ينجحوا في إسعافهم».
ونقلت «المبادرة المصرية» ما نُشر في إحدى الصحف الخاصة عن «رواية أحد شهود الواقعة، وهو ضابط شرطة برتبة رائد كان مكلفًا مع آخرين بتأمين نقل 612 سجينًا إلى سجن أبو زعبل، وقال الضابط، الذي رفض نشر اسمه، إن مأمورية نقل المساجين بدأت في حوالى السابعة من صباح الأحد، ووصلت السيارات جميعا وعددها خمسة إلى سجن أبو زعبل، في الثامنة والنصف صباحا، وأن المأمورية فوجئت بأن مأمور سجن أبو زعبل رفض استقبال ودخول السيارات بزعم أنه لا مكان لديه لاستقبالهم».
وأضاف الضابط أن الوضع استمر حتى الحادية عشرة صباحا وحدثت حالة من الهرج داخل إحدى سيارات الترحيلات بسبب ضيق مساحة السيارة وارتفاع درجات الحرارة مع وقت الظهيرة، وتوجه أحد الضباط برتبة ملازم إلى السيارة وفتح الباب فاحتجزه المسجونون بداخلها مطالبين بخروجهم، وبعدها توجه أحد ضباط العمليات الخاصة إلى السيارة وفتح بابها وقام برش مادة معينة تستخدم في الدفاع عن النفس وتمكن من إخراج الضابط.
واختتم الضابط شهادته بأن المسجونين في السيارة لم يتوقفوا عن إثارة الضجيج داخل السيارة قائلا: «وحدثت الكارثة عندما اقترح أحد الضباط، وهو برتبة مقدم أو عقيد، أن تطلق قنبلة غاز داخل السيارة للسيطرة، ولم يفكر لحظة في أن الأمر يمكن أن يؤدي إلى مصرعهم لضيق السيارة والزحام بها وقلة التهوية»
وأضافت «المبادرة»: «صرح وزير الداخلية في اليوم التالي بأن الطب الشرعي أثبت أن سبب الوفاة هو الاختناق، وهو ما يثير الشكوك حيث أن تشريح الجثث تم بسرعة غير معهودة في حين أن عملية تشريح جثث ضحايا أحداث الأيام السابقة لم تنته بعد وما زال بعض الأهالي في انتظار معاينة وتشريح جثامين محتجزة منذ ما قبل، الأحد».
وأوضحت أن باحثيها توجهوا إلى مشرحة زينهم، ظهر الإثنين الماضي، ونجحوا في الاطلاع لوقت قصير على أحد الجثامين المحفوظة بإحدى الثلاجات، وكانت الجثة في وقت المعاينة منتفخة وشديدة السواد، كما ظهرت على الجثة وجود فتحات في الجسم من الأغلب أنها بسبب التشريح.
كما تحدث باحثو «المبادرة» إلى عائلات 3 من السجناء القتلى، وهم حسن الكردي وأحمد الكردي ومصطفى عبد السلام، وأفاد الأقارب، الذين طلبوا عدم ذكر أسمائهم، بأنهم حضروا إلى المشرحة ونجحوا في الاطلاع على جثامين ذويهم، وأنهم استطاعوا التعرف على جثث ذويهم بصعوبة.
ووصف أحدهم حالة الجثامين كالتالي: «الجثث لونها أسود، وشكلهم متعذب، الجثث منتفخة، جثة حسن بالذات منتفخة جدا، وحسن دراعه متني ومرفوع لفوق بزاوية مستقيمة، والأطراف فيها حتت ناشفة جدا، معرفش ده معناه إيه بس واحد في المشرحة قال لي إن ده من علامات التعذيب، وحسن شكله مات قبل التانيين لإننا تعرفنا عليه بصعوبة شديدة، واحنا دخلنا جوة مرتين، أول مرة لقينا الجثث مشقوقة، تاني مرة لقيناها متخيطة».
ووصف شهود آخرون تواجدوا في المشرحة الشكل الظاهري للجثث بأوصاف مشابهة، ولفت باحثو «المبادرة» إلى أن ذلك تطابق مع بعض الصور التي اطلعوا عليها.
كما أشارت «المبادرة» في بيانها إلى أن الشهود شددوا «على سواد لون الجثة ووجود ما يبدو أنه جروح قطعية أو فتحات، إلا أنه من الصعب التحقق مما إذا كانت هذه المشاهدات سابقة أو لاحقة للتشريح، حيث إن المسؤولين بالمشرحة رفضوا تقديم أي من تلك المعلومات».
وتابعت: «قد يستدل من انتشار اللون الأسود في عدد من الجثامين إلى أن أصحابها كانوا قد فارقوا الحياة منذ أكثر من يوم، حيث إن السواد يعد من المراحل المتقدمة من التعفن الرمي، ومن المحتمل أيضا أن يكون السواد مؤشرا على أن سبب الوفاة هو إسفكسيا الاختناق».
وأصر عدد من الأهالي، حسب «المبادرة»، على اتهام الشرطة بـ«تعذيب ذويهم حتى الموت»، وعبر بعضهم عن شكه في وقوع حالات الوفاة قبل، السبت، ويصعب التأكد من سبب الوفاة في ظل وجود روايات متضاربة وفي ظل صعوبة التحقق رسميًا من وقت الوفاة.
وقالت: «كانت السنوات الثلاث السابقة قد شهدت عددًا من حالات استخدام العنف، التي أدت إلى مصرع سجناء أو محتجزين داخل السجون، ولم تكن جميعها مرتبطة بحالات شغب أو تظاهر داخل السجون».
وأوضحت «المبادرة» أنها «كانت كشفت عن استخدام قوات حراسة خمسة سجون مختلفة في الفترة ما بين 29 يناير و20 فبراير 2011 بقتل أكثر من 100 سجين، وإصابة مئات النزلاء الآخرين داخل هذه السجون وحدها (وهي سجون الاستئناف وطرة بالقاهرة، والقطا بالقليوبية، وشبين الكوم بالمنوفية، والأبعادية بالبحيرة)، وانتهت تحقيقاتنا في هذه السجون الخمسة، التي لم تشهد أي محاولات للهرب أو الاقتحام وفقا لوزارة الداخلية، إلى وجود نمط متشابه لم يقتصر على الاستخدام المفرط وغير القانوني للأسلحة النارية بواسطة ضباط السجن، وإنما امتد إلى توجيه مجرى الرصاص إلى داخل عنابر السجن والزنازين، وضد سجناء غير مسلحين، وإلى أن القتل كان أغلبه متعمدا ولم يرتبط بمحاولات هروب أو تصدي لمحاولات تمرد داخل تلك السجون».
واختتمت بقولها: «شهدت الفترة بين 28 يناير و16 فبراير 2011 مصرع 195 سجينا على أقل تقدير داخل السجون، وفقا للجنة الرسمية الأولى لتقصي الحقائق برئاسة المستشار عادل قورة، ورغم أننا تقدمنا بهذه الأدلة والتحقيقات إلى النيابة العامة، إلا أن النيابة لم تحل أيا منها للمحاكمة، رغم مرور أكثر من عامين».