x

«الإخوان» تتبنى «الأرض المحروقة».. والدولة ترد بـ«خطط ردع» (تحليل)

تصوير : محمد هشام

تبنت ميليشيات جماعة الإخوان المسلمين سياسة «الأرض المحروقة»، واعتمدت استراتيجية تفجير المواجهات الدامية فى مختلف محافظات الجمهورية، من الإسكندرية حتى أسوان، انتقاما من الدولة، منذ عزل الرئيس السابق محمد مرسى.

وبدت تفاوتات واضحة فى خريطة نقاط الاشتعال «Hot Shots»، مع تنويع مؤيدى الرئيس المعزول وميليشيات الجماعة تكتيكات المواجهة الميدانية مع أجهزة الشرطة، لانتزاع السيطرة على مسار الصراع.

يأتى ذلك، وسط توقعات بتصاعد كثافة العمليات الإرهابية فى شمال سيناء، من جانب الجماعات السلفية الجهادية، وتحول بعض محافظات الصعيد ومطروح إلى بؤر مستديمة للمواجهات الدامية، مع تصاعد أعمال العنف الطائفى، واستهداف القوات المسلحة والشرطة. والأكثر خطورة أن الجماعة الإسلامية قد تتجه إلى تبنى اتجاهات انفصالية، وإعلان بعض المحافظات خارج سيطرة الدولة.

وتمثلت التكتيكات التى انتهجتها الإخوان فى إرباك الحكومة، وبدا ذلك واضحا، عقب بدء عملية فض الاعتصامات، من خلال استهداف بعض المقار الرسمية فى محافظة القاهرة مثل الدور الأول فى مقر وزارة المالية، والعديد من المنشآت الحكومية مثل مبانى المحافظات وأجهزة الحكم المحلى، بل امتد ذلك إلى مكتبة الإسكندرية وعدة منشآت حكومية وخاصة.

من جانبها، بثت قطر وإيران وتركيا التى ارتبطت بمصالح محددة مع جماعة الإخوان، طوال فترة حكمها لمصر، على مدى العام الماضى، رسائل مسمومة، بعد أن كان إقصاء الجماعة عن العملية السياسية فى مصر بالنسبة لها بمثابة «الكابوس المرعب»، حيث يحمل ذلك تهديداً حقيقياً لمصالحها الرئيسية الوطنية، ليس فى مصر فقط، وإنما أيضاً فى الإقليم ككل، وهو ما قد يجعل محاولات مصر لاستعادة التوازن فى علاقاتها الإقليمية أمرا يصعب تحقيقه.

استراتيجيات الإخوان والخطط المضادة فى معركة إزالة مستعمرتى «رابعة والنهضة»

اشتباكات بين أنصار مرسي والأهالي فوق كوبري 15 مايو

لم يكن يدر السؤال خلال الأيام القليلة الماضية، حول كيفية وتكلفة فض اعتصامى جماعة الإخوان المسلمين، وأنصارها فى ميدانى رابعة العدوية والنهضة، بقدر ما كان الانشغال الذى يُهِم جميع أطراف الأزمة السياسية الراهنة فى مصر هو ما يتعلق بإشكالية اليوم التالى، أى مرحلة ما بعد فض هذين الاعتصامين، منذ منح أغلبية الشعب المصرى تفويضًا لقوى الأمن والجيش بمحاربة العنف والإرهاب المحتمل، فى تظاهرات ضخمة خرجت يوم 26 يوليو الماضى، إثر دعوة من الفريق أول، وزير الدفاع، عبد الفتاح السيسى.

واعتمدت محاولة استشراف اليوم التالى وما بعده، على متغيرين جوهريين، أولهما: ما سبقه من تطورات متسارعة للتفاعلات الميدانية منذ الموجة الثورية فى 30 يونيو الماضى، إذ يُلاحَظ أن رد فعل القيادة المصرية منذ عزل الرئيس السابق محمد مرسى يوم 3 يوليو اعتمد على استجابة جماعة الإخوان وأتباعها وحلفائها، والتى لم تحمل أى مؤشرات لما يزيد على 40 يومًا لاحتمال قبولها الحل السياسى للأزمة، بل اعتمدت خيار منع تثبيت المسار الانتقالى وافتعال أعمال عنف متقطعة وتعزيز وسائل فرض الاعتصامات لأطول فترة ممكنة، وانتهاج سلوكيات تستدعى فكرتين هما محاولة شق صفوف الجيش المصرى من جانب، والسعى لاستجلاب التدخل الدولى بشكل مباشر أو غير مباشر من جانب آخر.

أما الأمر الثانى، فيتمثل فى كيفية فض الاعتصامين وما صاحب ذلك من تطورات من اندلاع أعمال العنف من قبل جماعة الإخوان فى مختلف أنحاء البلاد، فقد أدت هذه السياسات الإخوانية الخاطئة المعتمدة على تهديد صورة الدولة وهيبتها إلى قناعة تامة لدى الحكومة والقوى السياسية بعدم وجود رغبة لدى معارضى المسار الانتقالى الجديد فى المشاركة- أو على الأقل المساهمة- فى إيجاد حلول فعلية للأزمة السياسية تأخذ بعين الاعتبار أننا أمام موجة ثورية أخرى وأنه لا يمكن العودة للوراء، وهو ما قاد إلى اعتماد قوات الأمن والجيش على عمليات فض الاعتصامين وفق أطر قانونية صحيحة.

واعتمدت خطة فض الاعتصامين، على أسلوب الفض الشامل والخاطف للاعتصامين وليس أسلوب التدرج المرحلى لعدة أيام، على نحو ما أشيع فى عدد من وسائل الإعلام، ما يحمل معه إشارات واضحة حول الحزم والصرامة اللذين سوف تواجه بهما السلطات المصرية الانتقالية الخارجين على القانون والمعتصمين غير السلميين.

وبناءً على هذين المتغيرين السابقين يمكن تناول تكتيكات جماعة الإخوان واستراتيجية الحكومة المصرية بعد فض اعتصامى رابعة والنهضة يوم 14 أغسطس فى الآتى:

أولاً: تكتيكات جماعة الإخوان

تشير التفاعلات السياسية، خلال الأسابيع الست الماضية، إلى أن جماعة الإخوان لم تمتلك استراتيجية واضحة المعالم لتحقيق أهدافها السياسية فى القضاء على ما تعتبره «انقلابًا عسكريًا»، بقدر ما أنها انتهجت تكتيكات اختارت سياسة حافة الهاوية لمصر ولذاتها، بل إنه يجوز القول بوجود خطأ نسبى فى التصور السابق الذى قام على افتراض أن قيادات الجماعة وحلفاءها يسعون إلى تعزيز التفاوض وشروطه من خلال التمسك بالاعتصامات والعنف المتقطع وقطع الطرق وغيرها، فعلى النقيض من ذلك ثبت أن هناك قصورًا إدراكيًا لدى الجماعة فى حجم قوتها الفعلى الذى يُمكِنُها من استعادة الأمور لما كانت عليه قبل 30 يونيو، وكذلك فى تحركاتها على الأرض وتصريحاتها للداخل والخارج، التى قادت إلى اقتصار مؤيديها على طرف واحد تراوح بين أعضائها وبعض حلفائها من تيارات الإسلام السياسى الأخرى.

ويبدو أن هذا القصور الإدراكى هو ما سيشكل تكتيكات جماعة الإخوان فى مواجهة السلطة الحاكمة، فى الأيام التالية لفض الاعتصامات.

وتمثلت التكتيكات فى إرباك الحكومة المصرية، وبدا ذلك واضحًا عقب بدء عملية فض الاعتصامات، من خلال استهداف بعض المقار الرسمية فى محافظة القاهرة مثل الدور الأول فى مقر وزارة المالية والعديد من المنشآت الحكومية مثل مبانى المحافظات وأجهزة الحكم المحلى، بل امتد ذلك إلى مكتبة الإسكندرية، هذا إضافة إلى حرق بعض الكنائس فى محاولة لإشعال الفتنة الطائفية فى عدد من المحافظات التى تحظى بتواجد قبطى ملحوظ.

كما أن الجماعة سوف تحاول استغلال استقالة الدكتور محمد البرادعى من منصبه كنائب للرئيس للشؤون الدولية- إعلاميًا، علاوة على معارضة بعض قوى الميدان الثالث لفض الاعتصام بالقوة، للترويج بوجود انقسام داخل الحكومة المصرية، وهو ما قد يوازيه بعض عمليات التخريب وقطع الطرق وربما محاولة شل قدرة بعض أجهزة الدولة، ولا سيما فى المحافظات التى نجحت فى هز هيبة الدولة بها، على أداء أدوارها الطبيعية اليومية.

وتضمنت الاستراتيجيات تشتيت قوات الأمن، وهو أسلوب انتهجته الجماعة حتى مع وجود اعتصامى رابعة والنهضة، حيث كانت الجماعة تنشر بضعة آلاف فى مناطق حيوية متفرقة بالقاهرة لتؤكد حضورها فى ظل تشتيت قوات الأمن على أكثر من اتجاه، وتستمر فى تسيير مسيرات وتظاهرات فى جميع المحافظات دون استثناء، حتى مع قلة أعدادها أحيانًا.

وسوف تجتهد الجماعة فى سبيل استكمال هذا التكتيك الذى سيصبح أكثر يسرًا فى بعض المحافظات – حتى مع تطبيق حظر التجوال- إثر عودة المعتصمين إلى مواطنهم الأصلية، حيث يتوقع أن توازى الجماعة بين حشد مظاهرات سلمية أحيانًا واللجوء لأعمال عنف وشغب تستهدف أقسام ومراكز الشرطة، إما للانتقام أو السعى لاهتزاز هيبة الشرطة مجددًا.

كما تضمنت الحيل افتعال مواجهات مع الجيش، وهو ما يعد استكمالاً لموقف الجماعة الذى مفاده (الحكم أو الحرق)، إذ ترى أن الجيش هو المسؤول عن أحداث 30 يونيو كافة وما قبلها وبعدها، لاسيما بعد تطبيق حظر التجول فى 12 محافظة مصرية، وتكليف الرئيس المؤقت المستشار عادلى منصور للجيش بدعم الشرطة. لكن هذه المواجهة لن تكون من خلال استهداف بعض مقار ومؤسسات الجيش المحصنة بشكل جيد، ولكن ربما من خلال محاولة جر عامة الناس من معارضيهم إلى حرب شوارع لا تتمكن الشرطة من التعامل معها، مما يستدعى قوات الجيش للاصطدام، وكذلك سوف تسعى الجماعة إلى اتهام السلطات المصرية، وعلى رأسها قيادات الجيش، بارتكاب «جرائم إنسانية» لدى بعض المنظمات الحقوقية الدولية الرسمية أو غير الرسمية.

واشتملت التكتيكات على تعطيل المسار الانتقالى، وهو ما يمثل هدفًا ثابتًا لجماعة الإخوان منذ عزل محمد مرسى، لكنه قد يأخذ أشكالاً أكثر حدة كأن تعود الجماعة لسياسة الاغتيالات لبعض الشخصيات الفاعلة، الدينية أو السياسية أو العسكرية، مما يربك المشهد السياسى ويقلب الطاولة على الحكومة ويهز شعبية القيادات الجديدة، وهو ما قد يشير إليه القتل الهمجى من قبل أنصار الجماعة لمأمورين وضباط شرطة ببعض الأقسام، وخاصة قسم كرداسة، بل يتوقع أن تقوم بعض القيادات الوسيطة بالجماعة بتشكيل مجموعات خاصة للقيام بتفجيرات متفرقة لإرهاب قوات الأمن والعامة، خاصةً إذا ما قاد ذلك إلى صراع مجتمعى ربما يؤدى لاستهداف مؤيدى الإخوان للمواطنين بشكل أو آخر.

ثانيًا: استراتيجية السلطة الحاكمة

مثلما كان الوضع قبل فض الاعتصامين، يبدو أن استراتيجية السلطة الانتقالية فى مصر تعتمد فى جانبها السياسى على التمسك بخريطة المستقبل وإجراءات وتوقيتات تنفيذها، فيما تعتمد الجوانب الأمنية والدعائية والخارجية على رد فعل جماعة الإخوان وأنصارها.

ويؤكد ذلك عدم قبول السلطات المصرية التفاوض بشروط تعيد عقارب الساعة لما قبل 30 يونيو، وتطبيق إجراءات أمنية تتناسب بقدر كبير مع حركة جماعة الإخوان بالشارع، وهو ما تجلى فى نهاية الأمر فى الطريقة الحازمة التى تم بها فض الاعتصامات.

وبناءً على ذلك، إلى جوار ما نقلته بعض وسائل الإعلام من تقديرات سابقة للمخابرات المصرية نقلها الفريق السيسى إلى الرئيس محمد مرسى قبل عزله، تفيد بتوقع الجيش فترة انتشار أعمال عنف تتراوح بين شهر وثلاثة أشهر، يمكن القول إن الحل السياسى للأزمة سيتوقف من الناحية الفعلية على الأقل خلال هذه الفترة، وسوف يطغى المدخل الأمنى.

وسوف تعتمد استراتيجية السلطة الحاكمة خلال الأيام المقبلة على بعض العناصر أبرزها:

ـ اعتماد الحل الواقعى: وهو ما يغلب عليه الطابع الأمنى من أجل الحفاظ على هيبة الدولة والحد من الخسائر بعد فض اعتصامات الإخوان، كما يتضح فى فرض حالة الطوارئ وحظر التجوال فى 12 محافظة مصرية وملاحقة العناصر الإجرامية والقيادات التى مارست العنف والتحريض، واتخاذ تعزيزات قوية من قوى الأمن والجيش لمواجهة العنف المتوقع، وربما يصل الأمر وفق رد فعل جماعة الإخوان إلى اعتقال بعض مسؤولى المكاتب الإدارية للجماعة فى بعض المحافظات بما يمس هيكل التنظيم الذى سيسعى إلى تكريس حالة الفوضى.

ـ إكمال خارطة الانتقال الديمقراطى: جنبًا إلى جنب مع انتهاج استراتيجية المواجهة، سوف تقوم السلطات والحكومة بالتركيز مجددًا على إجراءات المسار الانتقالى، حيث يتوقع أن يتم عمل لجنة تعديل الدستور بشكل طبيعى خلال هذه الفترة.

ـ تعزيز التعاضد الشعبى: وهو ما سوف يظهر من خلال استراتيجية إعلامية تتمسك بوحدة ثلاثية «الشعب والجيش والشرطة»، وتدعو المواطنين ضمنيًا إلى مشاركة قوى الأمن فى الحفاظ على المنشآت العامة والخاصة، بحيث تتزايد اللجان الشعبية للدفاع ليس فقط عن المساكن والمحال الخاصة، بل يشمل أيضا مؤسسات الدولة المختلفة.

ـ مواجهة التوجه الدولى السلبى: وهو أمر متوقع من قبل السلطات المصرية، فرد فعل بعض القوى الدولية على فض الاعتصامات يشبه كثيرًا يوم عزل الرئيس محمد مرسى، وسوف يتم إرسال وفود لتوضيح الموقف وإصدار بيانات وتصريحات تؤكد قانونية ما حدث، وتشرح كيف أن فض الاعتصامات قد تم وفق معايير دولية معروفة ولم تمس أوضاع حقوق الإنسان، وذلك على الرغم من تيقن السلطات المصرية أن ردود أفعال الخارج لا يمكنها أن تغير أساسات المعادلات الجديدة فى مصر.

ثالثًا: محددات أساسية

إن أخطر ما يواجه إمكانية وجود حل قريب للأزمة الراهنة فى مصر أن ثمة استراتيجيات متناقضة بين جماعة الإخوان والسلطة الانتقالية لم يوجد بينها نقطة تقاطع واحدة منذ يوم 3 يوليو، وأنه لا يمكن أن تعمل كل منها بمعزل عن محددات أخرى تغلب مواقف ورؤى هذا الطرف أو ذاك، وتحدد المدى الزمنى المتوقع لحدوث انفراجة ما.

ويمكن إيجاز أهم المحددات عقب فض الاعتصامات «الإخوانية» مباشرة فى الآتى:

ـ قدرة قوات الجيش والشرطة على تطبيق حظر التجوال بحزم شديد، فالمحافظات التى سوف يتم تطبيق ذلك بها إما تمثل مناطق اشتعال للعنف أو أنها الأكثر شعبية بالنسبة للإخوان؛ وبالتالى فالنجاح فى ذلك يؤدى إلى الحد من أعمال العنف وانطلاق المسيرات والمسيرات المضادة.

ـ ضبط حركة «سياسات الشارع»، وهو ما يرتبط بدرجة تأييد غالبية الرأى العام لمواقف السلطة وتراجع التعاطف مع الإخوان، بالتزامن مع المشاركة الشعبية مع قوات الأمن فى مقاومة العنف والتطرف.

ـ نمط اتخاذ القرار داخل جماعة الإخوان بعد فض الاعتصامات، إذ يبدو أن تشتت مراكز صنع القرار سوف يزداد، وهو ما تبدو سلبياته أكبر من إيجابياته، بالنظر إلى ما سكن فى وجدان أنصار الجماعة أنهم ينصرون الدين ويرسمون التاريخ، ما قد يجعلهم أكثر عنفًا وعشوائية فى ظل قيادة القيادات الوسيطة التى قد يغلب على بعضها الانتقام.

ـ الدفع الثورى العام فى محافظات النفوذ، إذ كلما استطاعت الجماعة حشد أنصارها فى محافظات الصعيد على وجه خاص، وكذلك فى محافظات أخرى مثل الإسماعيلية والسويس والبحيرة على سبيل المثال، دون حشود مقابلة، فهذا قد يعزز موقفهم بالمحافظات، بل ثمة مخاوف من إرباك العمل الحكومى مقارنة بالقاهرة، إذ قد تعوز بعضها التعزيزات والأعداد الأمنية الملائمة.

أخيرًا: يبدو جليًا أن جماعة الإخوان سوف تسير باتجاه التصعيد الناتج عن عجز إدراكى واضح، وأنها بذلك لن توفر فرصة لنقاش أو حوار سياسى خلال الأسابيع المقبلة، فيما لا تجد السلطة الحاكمة أمامها سوى إعمال الحلول الواقعية، سياسيًا وأمنيًا، أما الضغط الخارجى فلن يؤثر فى مجريات الواقع المصرى كثيرًا، وهو ما يتوقع أن يسرى على الأقل خلال الشهر المقبل على أقل تقدير، بحيث يتبلور ما يمكن أن نطلق عليه «الاستراتيجيات المضادة» بين طرفى الأزمة السياسية فى مصر.

رسائل تركيا وقطر وإيران «المسمومة» للانتقام من «الإطاحة بالإخوان»


رجب طيب أردوغان

تشير متابعة ردود الفعل الإقليمية لعملية فض اعتصامى النهضة ورابعة العدوية إلى أنها صدرت فى وقت قياسى، عن ثلاث دول هى قطر وإيران وتركيا، وقد ارتبطت هذه الدول بمصالح محددة مع جماعة الأخوان المسلمين طوال فترة حكمها لمصر على مدى العام الماضى، إذ يعد إقصاء الجماعة عن العملية السياسية فى مصر بمثابة «الكابوس المرعب» بالنسبة لهذه الدول، حيث يحمل ذلك تهديداً حقيقياً لمصالحها الرئيسية الوطنية، ليس فى مصر فقط، وإنما أيضاً فى الإقليم ككل، وهو ما قد يجعل محاولات الدولة المصرية لاستعادة التوازن فى علاقاتها الإقليمية خلال الفترة المقبلة عملية أكثر صعوبة، لأن سياسة المعاداة والمحاور قد فُرضت عليها، ولم تعد تملك رفاهية الاختيار فى مسار تحالفاتها الإقليمية.

رسائل متقاطعة:

حملت مواقف تركيا وقطر وإيران عدداً من الرسائل للحكومة الانتقالية فى مصر وللمجتمع الدولى، والتى تقاطعت بدرجة ما، وذلك رغم اختلاف مصالح كل من هذه الدول، وتباين درجة ارتباطها بجماعة الإخوان المسلمين، فمن ناحية، ورغم أنه لم يصدر تصريح رسمى عن أى من القيادات القطرية، كما هو معتاد فى العلاقات الدولية، فإن ما نقلته وكالة الأنباء القطرية عن مصدر فى وزارة الخارجية، دون تحديد هويته، من تصريح، هو يستنكر التعامل الأمنى مع المعتصمين، وأن قطر «تتمنى على من بيده السلطة والقوة أن يمتنع عن الخيار الأمنى فى مواجهة اعتصامات وتظاهرات سلمية».

ويكشف عدم تحديد هوية المصدر عدم وجود رؤية واضحة لدى قطر حول كيفية التعامل مع ما يجرى فى مصر، ويمكن تفسير هذا التصريح فى إطار عملية «استباق» تهدف ربما إلى تقييد الخيارات المتاحة أمام القيادة الجديدة فى قطر، وعلى نحو يوفر الغطاء السياسى لتغطية قناة الجزيرة غير المهنية للأحداث فى مصر.

ومن ناحية ثانية، اتجه بيان وزارة الخارجية الإيرانية إلى وصف ما يجرى فى مصر بأنه «مجزرة» تهدد بنشوب «حرب أهلية»، وتستدعى التصريحات التى صدرت عن القيادات الإيرانية بعد عزل الرئيس السابق محمد مرسى، والتى نددت بعملية العزل. ويشير حرص إيران على التعبير عن موقفها من فض الاعتصام فى وقت قياسى، مقارنة بغيرها من الدول التى تحتفظ بعلاقات أقوى مع مصر، إلى حجم الخسارة التى تستشعرها إيران بعد عزل مرسى، والتى قد تتفاقم فى حال انتهت عملية فض الاعتصام بعزل الإخوان عن العملية السياسية.

ويعنى ذلك أن «نافذة الفرصة» التى خلقها وصول الإخوان للسلطة فى مصر، فيما يتعلق بتنشيط العلاقات بين مصر وإيران، لن تكون مفتوحة، خاصة أن الحكومة الانتقالية فى مصر ليس من أولوياتها تنشيط العلاقات مع إيران، على خلاف حكومة مرسى، وحرصاً أيضاً على عدم إغضاب الحكومات الخليجية التى بادرت بإرسال حزمة من المساعدات الاقتصادية بعد سقوط حكم الإخوان، فى حين كانت هذه النافذة هى المتنفس المحتمل لإيران من عملية الحصار والعزلة التى فرضت عليها نتيجة برنامجها النووى.

ويعد الموقف التركى هو الموقف الأكثر تطرفاً، حيث حذر الرئيس التركى عبدالله جول من تحول الوضع فى مصر إلى «نزاع مماثل لما يحدث فى سوريا». إلى جانب ذلك، طالب رئيس الوزراء التركى، رجب طيب أردوغان، بتدخل عربى عبر الجامعة العربية، ودولى من خلال مجلس الأمن فى الأمم المتحدة من أجل وقف «المذبحة» فى مصر، على حد تقديره.

ويعبر خطاب أردوغان عن محاولة أخرى لهز شرعية الحكومة الانتقالية فى مصر وتقويضها، خاصة بعد أن تجنب المجتمع الدولى وصف ما جرى فى مصر بأنه «انقلاب» على نحو ما تريد تركيا.

وهذا الموقف التركى الرافض للاعتراف بشرعية الحكومة الانتقالية فى مصر، والمنحاز بصورة واضحة لجماعة الإخوان، ناتج عن حجم الخسائر التى تتوقعها تركيا فيما يتعلق بدورها الإقليمى، حيث كان إخوان مصر «حصان رهان» لتركيا، يضمن لها نفوذاً فى الشرق الأوسط تتفاوض من خلاله مع الاتحاد الأوروبى على عضويتها.

وتجدر الإشارة إلى أن تنديد تركيا وإيران باتباع الأسلوب الأمنى فى فض الاعتصام لا يستند إلى اعتبارات «قيمية» تؤمنان بها، حيث لم تتورعا عن استخدام العنف فى فض مظاهرات واعتصامات تعرضتا لها فى السنوات القليلة الماضية، وفى إطار عملية تم التكتم على تفاصيلها وملاحقة الإعلاميين الذين قاموا بتغطيتها، وكشف تفاصيلها، وهذا الوضع مغاير لعملية فض الاعتصام التى اتبعتها الحكومة المصرية، والتى تعد غير مسبوقة من حيث سماحها لوسائل الإعلام العربية والغربية بتغطيتها فضلاً عن الاستماع لرؤى المنظمات الحقوقية بشأن عمليات الفض المتبعة فى الديمقراطيات المستقرة.

ثلاث دلالات رئيسية:

تكشف مواقف الدول الثلاث عن دلالات مفيدة فى فهم حجم التحديات التى ستواجهها الحكومة الانتقالية فى مصر خلال الفترة المقبلة، تتمثل الأولى فى أن تدخل هذه القوى فى الشأن الداخلى المصرى، والذى ارتبط بفترة حكم الإخوان المسلمين لمصر، لن يكون من السهل على الحكومة الانتقالية وضع حد له، كما أن هدف هذه القوى الرئيسى خلال المرحلة الحالية هو الحفاظ على وجود سياسى ما للإخوان فى العملية السياسية فى مصر، وتجنب اقصائها الكلى. ورغم اختلاف الاستراتيجيات التى يمكن أن تتبعها هذه الدول الثلاث فى تحقيق هذه الغاية إلا أن ذلك لا يستبعد احتمال وجود تنسيق ما بينها.

وتجدر الإشارة إلى أن خيوط العلاقة بين تركيا وإخوان مصر اتضحت خلال الفترة الماضية فى توفير دعم إعلامى، وسياسى، ومالى للجماعة، لكنها لا تزال قيد التشكل فى حالة إيران، وهناك تقييمات بأن إيران قد تتجه للتعامل مع جماعة الإخوان، بعد استقرار الوضع فى مصر، على أنها قوى مشابهة للقوى الشيعية فى البحرين، بما يستتبع ذلك من دعم إعلامى لتحركهم.

وفيما يتعلق بقطر فإنه من الواضح أن النخبة الجديدة فى قطر، على الأقل استناداً للتصريحات المعلنة، لاتزال ترى فى استمرار دعمها للإخوان المسلمين فى مصر مصلحة محددة، ولعل هذا يفسر مشاركة وزير الخارجية القطرى أثناء زيارته للقاهرة مؤخراً فى محاولات الوساطة الدبلوماسية.

وتتعلق الدلالة الثانية بأن الحكومة الانتقالية فى مصر ستظل تواجه مشكلة فى التعامل مع هذه الدول فى الإقليم، فضلاً عن الدول التى يحكمها الإخوان المسلمون والتى تحفظت ابتداءً على عزل الرئيس مرسى، والتى من المتوقع أن تتبنى موقفاً من عملية فض الاعتصام، طالما لم يتم تمثيل الإخوان فى السلطة، وهو ما سيدفع بالحكومة المصرية لاستبدال التحالف الإخوانى مع تركيا وقطر والذى استقر فى عهد محمد مرسى بالتحالف «المدنى» مع الدول الخليجية فى الإمارات والسعودية والكويت، ما قد يعنى محدودية النشاط الإقليمى لمصر خلال الفترة المقبلة، خاصة أن هذه الدول الثلاث تسعى إلى «شيطنة» الحكومة الانتقالية، من خلال تحميلها مسؤولية الوضع الحالى فى مصر، وفى ذلك تغافل عن الجهود التى بذلتها الحكومة المصرية من أجل الحل السلمى للأزمة من خلال المفاوضات مع الوفد الرباعى للإخوان المسلمين، والتى شارك فيها وزير خارجية قطر كما سبقت الإشارة.

وتتمثل الدلالة الثالثة فى أن تأثير هذه القوى الثلاث لن تقف حدوده عند حدود الإقليم، بل ستسعى لتوظيف علاقاتها الدولية، خاصة فى حالة تركيا، وربما قطر، من أجل الضغط على الحكومة الانتقالية فى مصر، من أجل تغيير سياستها تجاه الإخوان المسلمين، واستبعاد خيار إقصائها كلية من العملية السياسية، وذلك من خلال استراتيجية «استدعاء الحرب فى سوريا»، وهذا ما نجده فى الموقفين الإيرانى والتركى، فرغم تباين سياساتهما تجاه ما يجرى فى سوريا إلا أن الوضع فى مصر يمثل نقطة التقاء جديدة بينهما، حيث تتحدث إيران عن حرب أهلية فى مصر، وتتحدث تركيا عن ضرورة تدخل الجامعة العربية ومجلس الأمن الدولى من أجل حماية الإخوان المسلمين.

إن حجم الاهتمام الإقليمى، والدولى أيضاً، بعملية فض اعتصامى النهضة ورابعة العدوية ناتج عن أنها ليست عملية أمنية داخلية، بل لها أبعاد إقليمية ودولية، ليس بسبب أهمية مصر الاستراتيجية فقط بل لارتباط عملية الفض بأقدم «لاعب إقليمى من دون الدولة» فى المنطقة، وهو جماعة الإخوان المسلمين، التى احتفظت بأفرع لها فى معظم دول المنطقة، وتحولت كذلك إلى أداة للسياسة الخارجية للعديد من الدول فى الإقليم، حيث سيترتب على نتائج هذه العملية إعادة ترتيب أوراق اللعبة فى منطقة الشرق الأوسط.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية