وصف كريم لاهيجى، رئيس الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان، المحامى الإيرانى الجنسية، أوضاع حقوق الإنسان لاسيما النشطاء السياسيين فى دول الربيع العربى بأنها «غير مرضية» و«مثيرة للقلق»، وقال لاهيجى، فى حواره مع «المصرى اليوم» عبر البريد الإلكترونى، إن هناك تزايدا فى سياسات تقييد الحريات السياسية والإعلامية، خاصة فى دول الخليج والربيع العربى، وقال إن حقوق الإنسان فى إيران تدهورت فى ظل حكم الجمهورية الإسلامية أكثر منها فى عهد الشاه.
وإلى نص الحوار:
■ بخبرتك الطويلة فى مجال حقوق الإنسان، خاصة حقوق السجناء السياسيين، ما تقييمك لوضع حقوق الإنسان والنشطاء السياسيين فى دول الربيع العربى حاليا؟
- للأسف وضع حقوق الإنسان، ووضع النشطاء السياسيين فى دول الربيع العربى «غير مرض»، و«مثير للقلق»، فحريات التعبير والإعلام والتجمع يجرى تقييدها بشكل متزايد يوميا، كما أنه ليس هناك أى علامة على استقلال القضاء، فلا تزال أعداد السجناء المدافعين عن حقوق الإنسان، فضلا عن النشطاء السياسيين والصحفيين والمدونيين فى تزايد مستمر، خاصة فى البحرين.
■ هل تعتقد أن أوضاع حقوق الإنسان باتت أسوأ فى تونس حاليا مما كانت عليه فى عهد الرئيس السابق زين العابدين بن على؟
- أوضاع حقوق الإنسان فى تونس خلال الفترة الأخيرة لا يمكن مقارنتها بما كانت عليه فى عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن على، فالسؤال الأهم دائما خلال الفترات الانتقالية يتمثل فيما إذا كانت التطورات التى تشهدها الدولة، وموازين القوى فى صالح الحكومة أم المجتمع المدنى.
فإذا كانت تميل نحو تركيز السلطة داخل التسلسل الهرمى للدولة، فمن المحتمل جدا أن تشهد الدولة تكرارا لما كان يحدث قبل اندلاع الثورة، أما إذا كانت تميل نحو توسيع الحريات السياسية، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وإقامة نظام قضائى مستقل، فإن ذلك سيساعد على الانتقال إلى الديمقراطية بشكل أسرع وأكثر أمنا.
■ ماذا يمكن للمنظمة الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان، بعد أن أصبحت رئيسا لها فى مايو الماضى، أن تقدم للنشطاء السياسيين ومنظمات المجتمع المدنى فى الدول التى تعانى من انتهاكات فى مجال حقوق الإنسان لاسيما دول الربيع العربى؟
- تضم الفيدرالية لحقوق الإنسان نحو 168 منظمة وطنية لحقوق الإنسان فى غالبية دول العالم، لذا فمن الطبيعى أن يكون لدينا رد فعل إزاء أى تعطيل لعمل المنظمات التابعة لها، أو أى من منظمات المجتمع المدنى بصفة عامة من خلال تهديد حرية أو حياة النشطاء العاملين فى هذه المنظمات، ولدينا أيضا الحق فى الاحتجاج لدى السلطات، وتذكيرهم بمسؤوليتهم تجاه المدافعين عن حقوق الإنسان، وكذلك تقديم شكوى ضدهم لدى هيئات الأمم المتحدة الخاصة بحقوق الإنسان، فضلا عن تعبئة وسائل الإعلام.
■ هل تعتقد أن قمع النشطاء السياسيين فى بعض دول الخليج كالإمارات والسعودية والبحرين هدفه منع وصول رياح الثورات العربية إلى هذه الممالك؟
- نحن نحتج على سياسة تقييد الحريات، وانتهاك حقوق الإنسان فى دول الخليج، فنائب السكرتير العام للمنظمة نبيل رجب مسجون فى البحرين منذ يوليو 2011، وما زلنا نطالب بالإفراج الفورى وغير المشروط عنه وغيره من المدافعين عن حقوق الإنسان، ونشطاء المجتمع المدنى فى البحرين والإمارات والسعودية وسوريا ودول أخرى فى المنطقة.
■ أرسلت الفيدرالية الدولية رسالة مفتوحة إلى الرئيس التركى عبد الله جول، ورئيس الوزراء، رجب طيب أردوجان، بشأن تعامل الشرطة بالقوة المفرطة مع المحتجين، فهل تعتقد أن السلطات التركية تفاعلت مع رسالتكم؟
- فى الفترة الأخيرة طلبنا من الحكومة التركية عدة مرات وقف سياسة تقييد حرية التعبير والتجمع، فضلا عن إطلاق سراح الصحفيين والنشطاء السياسيين، وإنشاء لجنة مستقلة ومحايدة للتحقيق فى الأحداث المؤسفة، التى شهدتها البلاد مؤخرا فى ميدان «تقسيم»، لإثبات أن تركيا تتجه نحو دولة مؤسسات ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان، وليست دولة مستبدة.
■ بالحديث عن بلدكم إيران، ما تقييمك لوضع حقوق الإنسان، خاصة المرأة والنشطاء السياسيين هناك؟
- تمر إيران بفترة مظلمة جدا فيما يتعلق بوضع حقوق الإنسان، فالمئات من النشطاء السياسيين والصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان والمحامين والنقابيين، والأقليات الدينية والعرقية يقبعون فى السجون. للأسف تدهورت حقوق الإنسان على كل المستويات بشكل كبير خلال السنوات العشر الماضية.
■ كيف ترى فوز المرشح الإصلاحى حسن روحانى بالرئاسة الإيرانية؟
- لقد كان «روحانى» جزءا من النظام الإيرانى لوقت طويل، وشارك على مستويات عالية فى صنع القرار السياسى للدولة، ولا تزال أمامه فترة قبل أن يتولى رسميا مهام الحكم، وهنا لابد من الإشارة إلى أن الرئيس الإيرانى ليس هو الرئيس الفعلى للسلطة التنفيذية للبلاد بموجب الدستور، فالمرشد الأعلى هو الذى يدير الأمور، لذا فإن «روحانى» أو أى رئيس لديه القليل جدا من النفوذ والقوة لإحداث أى تغيير.
■ هل تعتقد أن إيران ربما تصبح مختلفة داخليا وخارجيا فى ظل الرئيس الإيرانى الجديد؟
- أى تغيير فى السياسة الإيرانية سواء الداخلية أو الخارجية يستند إلى مدى إرادة القائد (المرشد الأعلى) على تحقيق ذلك، فلقد أبدى المرشد فى الماضى معارضته الشديدة للتغيير، لكنه ربما يضطر للتعامل معه معتمدا على ميزان القوى بين الأطراف الموجودة فى السلطة، خاصة فى ظل الضغط الشعبى الداخلى، وكذلك العلاقات مع الدول الأخرى.
■ ماذا تتوقع من الرئيس الإيرانى بعد توليه مهام الحكم فى البلاد؟
- أتوقع منه أن يطلق سراح السجناء السياسيين، ويعيد إحياء مؤسسات المجتمع المدنى، كما وعد فى حملاته الانتخابية، فضلا عن ضمان الحرية للسجناء السياسيين، وسجناء الضمير بما فى ذلك المدافعون عن حقوق الإنسان، الذين قضوا فى السجن عدة سنوات، إلى جانب رفع القيود المفروضة على حرية التعبير والتجمع، وتكوين الجمعيات، فضلا عن اتخاذ تدابير لمكافحة ارتفاع معدلات الفقر والبطالة بسرعة.
■ تدين بعض منظمات حقوق الإنسان الغربية استمرار إبقاء القضاء الإيرانى على عقوبتى الرجم فى قضايا الزنى والإعدام، رغم اتفاقهما مع الشريعة الإسلامية، فهل تتفق معهما فى الإدانة؟
- الرجم عقوبة غير إنسانية وقاسية، فضلا عن أنها مخالفة لاتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، وغيره من دروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو المهينة. فلقد طالبت قرارات الجمعية للأمم المتحدة، فى كثير من الأحيان، الحكومة الإيرانية بإنهاء فرض هذه العقوبة الوحشية والانضمام إلى الاتفاقية السالف ذكرها، وتلتزم جميع الدول الأعضاء فى الأمم المتحدة، بغض النظر عن نوع حكومتها، بالتوافق مع القانون الدولى لحقوق الإنسان.
■ هل تعتقد أن المعارضة الداخلية فى إيران، فى إشارة إلى التيارين الإصلاحى والمعتدل، يمكن أن تلعب دورا فى تغيير قواعد اللعبة السياسية فى البلاد فى الفترة المقبلة بعد فوز «روحانى»؟
- للأسف، لقد حرمت السياسات الاستبدادية للحكومة الإيرانية المواطنين من ممارسة أى أنشطة سياسية أو اجتماعية، فلا يزال المرشحان لرئاسة الجمهورية عام 2009، وزوجة موسوى قيد الإقامة الجبرية منذ فبراير 2011، وخلال السنوات الأربع الماضية اضطر المئات من النشطاء السياسيين وحقوق الإنسان والمدافعين عن حقوق المرأة إلى مغادرة البلاد.
ومع ذلك، فلقد انتفض الشعب الإيرانى عدة مرات، بما فى ذلك مشاركته فى بعض المظاهرات المليونية، وأثبت قدرته على ترجيح ميزان القوى، ولكن لسوء الحظ فإن سلطات الجمهورية الإسلامية تعانى من العمى والصمم المزمن، ويعتقد قادتها أنه يمكنهم التمادى فى سياسة القمع والاضطهاد، فهم لم يتعلموا من الدروس المستفادة من مصير مبارك وبن على والرئيس العراقى صدام حسين والزعيم الليبى الراحل معمر القذافى وغيرهم.
■ عاصرت خلال مسيرتك المهنية فترتى حكم الشاه والحكم الإسلامى فى إيران، فأيهما من وجهة نظرك أكثر قمعا لحقوق الإنسان والسياسيين؟ ولماذا؟
- قاتلت من أجل سيادة القانون والديمقراطية وحقوق الإنسان فى بلدى طوال 50 عاما، سواء فى ظل نظام الشاه أو الجمهورية الإسلامية. ففى ظل النظام الملكى كنت قادرا على مواصلة نضالى فى البلاد رغم المخاطر الكبيرة والسجن والضرب وتفجير مكتبى، لكن الحال أصبح أكثر سوءا خلال حكم الجمهورية الإسلامية، فاضطررت إلى مغادرة إيران بعد 3 سنوات على الثورة حفاظا على حياتى.