x

أطفال «رابعة».. براءة في «كفن» (تحقيق)

الجمعة 09-08-2013 22:47 | كتب: بسمة المهدي, آيات الحبال |

أطفال لا تتجاوز أعمارهم الخمسة عشر عاما وجدوا أنفسهم يقضون أيامهم فى خيمة فى العراء مع آبائهم من مؤيدى الرئيس المعزول محمد مرسى، يحلمون بالموت معهم بعد أن ارتدوا الأكفان. فى الصعيد والدلتا ترك الأطفال عوالمهم الصغيرة قادمين إلى العاصمة رافضين مع آبائهم ما سموه «الانقلاب العسكرى» رافعين شعارات «أطفال الإخوان مشروع شهيد»، لم يتردد آباؤهم أن يزجوا بأطفالهم فى معركة سياسية وأمنية قد تنتهى بهؤلاء الأطفال إلى ثلاجات الموتى فى سبيل معركة على السلطة أدخل عليها الآباء مصطلحات «الدفاع عن الإسلام» «ضد أعداء الإسلام».

أطفال رابعة العدوية

«منا الشهداء والعظماء.. ومنهم الخونة الذين باعوا الأوطان.. هذا أنا الإخوانى» أنشد هذه الكلمات الشاعرعبدالكريم حسن محمد، كما يلقبه زملاؤه، ذلك الفتى الصعيدى الأسمر اللون الذى جاء هو وعائلته من قنا، ولم يتجاوز عمره الحادية عشرة، لم يقل هذه الكلمات فى فصل مدرسى أو أمام جمع فى الإذاعة المدرسية بل أنشدها أمام عدد من الأطفال جمعتهم خيمة واحدة داخل اعتصام جماعة الإخوان المسلمين ومؤيدى الرئيس المعزول محمد مرسى فى منطقة رابعة العدوية بمدينة نصر.

فى خيمة صغيرة مفروشة بالحصير يجلس عليه الأطفال يتلون آيات من القرآن الكريم، وفى آخر الخيمة مسرح للعرائس، وصورة كبيرة للرئيس المعزول محمد مرسى مع الأطفال مكتوب عليها «أطفال ضد الانقلاب».

ينشد عبدالكريم أبياته الشعرية التى كتبها من وحى الاعتصام «ليشجع بها زملاءه من الأطفال على تحمل الصعوبات داخل مقر الاعتصام والصبر والثبات على المحنة» كما يقول.

حضر الطفل مع عائلته من قنا منذ الأيام الأولى من شهر رمضان مع مؤيدى الرئيس معلنا رفضه لما سماه «الانقلاب العسكرى»، وقرر أن يبيت فى الميدان بصحبة والده منذ أسبوع تقريبا ويمارس أنشطته اليومية مع زملائه داخل الخيمة الخاصة بهم والتى يحفظون فيها القرآن ويتعرفون على بعضهم من خلال تواجدهم هناك وأيضا اللعب.

يتحدث الطفل الصعيدى الذى ينتمى والداه إلى جماعة الإخوان المسلمين عن سبب وجوده فى الميدان ومشاركته فى مسيرة الأطفال بالكفن الأبيض بإصرار يسبق سنوات عمره قائلا: «أنا جاى عشان أرجع الحق»، عبدالكريم لم يكتف بعقد صداقات مع أبناء المحافظات الأخرى الذين تجمعهم الخيمة، بل يتصل تليفونيا بصديقه المقرب فى قنا لينقل له أخبار الاعتصام، يتحدث بفخر عن أنه أقنع أعز أصدقائه بالانضمام إلى جماعة الإخوان المسلمين، من خلال حضور مجموعة «فرسان الأقصى» للاطفال.

تشهد مناطق اعتصام مؤيدى الرئيس المعزول محمد مرسى تواجدا مكثفا للأطفال، خاصة فى ميادين رابعة العدوية والنهضة سواء كانوا معتصمين مع ذويهم أو زائرين للميادين يشاركون فى جميع الفعاليات من مسيرات ومن أنشطة وحتى فى المستشفى الميدانى، فلم يكن عبدالكريم وحده داخل الخيمة يكتب أبياته الشعرية أو يحفظ القرآن بل صحبه عدد من الأطفال لم تتجاوز أعمارهم الاثنى عشر عاما، ومن بينهم الطفلة فداء السيد التى جاءت إلى الاعتصام منذ بداية شهر رمضان ولم تعد إلى بيتها فى محافظة الشرقية، خاصة بعد أن أصيب شقيقها فى أحداث الحرس الجمهورى بطلقات خرطوش أثناء تأمينه المعتصمين ليلا.

«مش هنمشى من غير حقنا ومش خايفين من الموت.. إحنا جايين عشان نحمى صوت أهلنا والشعب اللى اختار محمد مرسى»، هذا هو سبب تواجد الطفلة فداء السيد داخل خيمة مع أسرتها المكونة من أب وأم وأخيها المصاب داخل اعتصام رابعة العدوية، لم تخف من التواجد فى الاعتصام على الرغم من أنها شاهد عيان على أحداث الحرس الجمهورى والتى قالت عنها «الشرطة فجأة ضربونا بالرصاص والغاز المسيل للدموع.. أنا كنت هناك معتصمة مع بابا وماما وأخويا اللى كان بيأمن فى اللجان الشعبية أول ما اضرب نار لقيت ناس كتير أوى بتقع قدامى وأبويا أخدنا على رابعة العدوية بسرعة بعد أما أخويا وقع بالخرطوش».

«فداء» التى ينتمى أبواها إلى حزب الحرية والعدالة منذ أن أصبح الإخوان المسلمين فى السلطة ووالداها يتحدثان معها عن الوضع السياسى، وجعلاها تشارك فى كل الفعاليات السياسية الخاصة بالإخوان المسلمين حتى تعودت على الاعتصام والمتاعب كما تقول فداء «أنا مش عايزة أرجع البيت هنا فى أصحاب وبنقضى يوم مختلف عن البيت.. فى الأول بنّضف الخيمة اللى احنا معتصمين فيها ونلعب ونرسم ونلون وبنمشى فى مسيرات زى الكبار بالظبط، ومن أول ما فتحت الخيمة أنا بدأت آجى عشان أعمل حاجة جديدة ومش همشى إلا لما يرجع الدكتور مرسى ده جهاد فى سبيل الله زى ما أبويا قالى».

عن خيمة «أطفال ضد الانقلاب» وأنشطتها يقول محمد عويس، مدرس من محافظة الشرقية ومعتصم منذ يوم 28 يونيو، يقول: أسسنا الخيمة منذ أسبوع ونقوم بعمل أنشطة تلوين وتحفيظ قرآن كريم، ونطلب من الأطفال أن يكتبوا رسالة إلى الله وإلى الدكتور مرسى وإلى مصر كما يقومون أيضا بتمثيل مسرحيات على مسرح عرائس، ونبدأ العمل فى الخيمة من الساعة 4 عصرا حتى الساعة 6 مساء، ومن 8 مساء حتى الساعة 12 بعد منتصف الليل، وننظم مسيرات مثل مسيرة الأطفال إلى المنصة بالأكفان.

يضيف: «أغلب الأطفال فى أماكن الاعتصام ينامون داخل الخيام ويستخدمون الحمامات التى بناها المعتصمون، ويقضون يومهم بين الصلاة والصيام والهتاف والمشاركة فى المسيرات ومنهم من كان شاهد عيان على الاشتباكات الدموية، بالإضافة إلى مشاركتهم فى مسيرات طويلة فى نهار رمضان ومن بينها مسيرة الأكفان التى استمرت لمدة 3 ساعات متصلة فى أحد الأيام شديدة الحرارة وكان كل المشاركين بها من الأطفال فقط، وتمثل زجاجة الخل إجراءات السلامة للأطفال من الغازات المسيلة للدموع».

المادة 70 من دستور 2012 الذى يطالب مؤيدو الرئيس المعزول بعودته والاحتكام له مرة أخرى والتى تنص على أن «لكل طفل، فور الولادة، الحق فى اسم مناسب، ورعاية أسرية، وتغذية أساسية، ومأوى، وخدمات صحية، وتنمية دينية ووجدانية ومعرفية». وهذه الأشياء لم تتوفر إلا بقدر قليل للمشاركين فى اعتصامات الإخوان المسلمين سواء فى رابعة العدوية أو فى ميدان النهضة حتى إن الرعاية الطبية تكون متوفرة ولكن بالقدر القليل لهم نظرا لما قد يعانيه الأطفال فى فصل الصيف من بعض الأمراض المزمنة.

فى هذا السياق يوضح محمد عويس أن الأطفال شاركوا فى اعتصام الحرس الجمهورى، وبعد الهجوم منعنا خروج الأطفال فى أى مسيرات أثناء الاشتباكات وحاولنا أخذ بعض الإجراءات لحمايتهم مثل عدم إدخال أطفال شوارع فى الاعتصام، ومنعنا خروج أى طفل دون والده، وفى حالة وجود أى اشتباكات تحدث نقوم بإخراج الأطفال من الاعتصام إلى أى مكان أمن. أطفال رابعة العدوية

على الرغم من المخاطر النفسية التى قد يتعرض لها صهيب من تجربة ارتدائه كفنا ومشاركته فى مسيرة للصلاة وتأبين ضحايا أحداث المنصة إلا أن الأم حنان حمادة السيد- 30 عاما- لم ترفض أن يشارك طفلها صهيب أحمد سمير، ابن الستة أعوام، فى مسيرة إلى المنصة مرتديا كفنا ويلف فى الميدان لمدة 3 ساعات كاملة فى درجات الحرارة المرتفعة.

أعربت حنان التى جاءت من محافظة الريس- كما تقول- الشرقية- عن سعادتها بوجودها فى الاعتصام بأطفالها، قائلة «شارك ابنى وهو فى السادسة من العمر فى مسيرة الأطفال بالأكفان إلى النصب التذكارى، وكنا نذهب ونجىء على الاعتصام حتى قررنا المبيت منذ الجمعة الماضية». وأكدت حنان أن أولادها الصغار لا يشعرون مثلها بفرحة رمضان دون وجود الرئيس مرسى فى منصبه، وأشارت إلى أن أطفالها سعداء بالإقامة هنا عن المنزل، مشيرة إلى أنه «لازم يبقى فيه تضحيات». ابنها صهيب -الذى يدخل العام المقبل أول عام دراسى له- يقول عن ارتدائه الكفن: «أنا عاوز أموت شهيد»، وهنا قاطعت حنان كلام ابنها، قائلة «دايما يقولى أنا عاوز أمشى فى مسيرة للكبار مش الصغيرين».

تضيف حنان وهى تجلس أمام إحدى الخيام ومعها 5 من السيدات المعتصمات: «لو استمر الاعتصام حتى دخول المدارس سنتركهم للمدارس ونقوم نحن بالاعتصام، فإحساس الأمان فى اعتصام رابعة هنا عال جدا أكثر من البيت، وأنا عندى شعور أن فى حالة ان ابنى تاه منى أو جرى له حاجة أنا هلاقيه هنا أأمن مكان فى مصر هو فى منطقة رابعة». لا يقتصر دور الأطفال داخل اعتصامات مؤيدى الرئيس المعزول على الهتاف والمشاركة فى المسيرات فقط بل إن هناك منهم من يقوم برش المياه على وجوه المعتصمين للتخفيف من حدة حرارة الجو فى نهار رمضان.

فصهيب عبدالراضى جاء من مركز الصالحية بالشرقية يتجول يوميا أكثر من مرة فى محيط الاعتصام حاملا على ظهره «جركن» كبيرا وفى يده رشاش، ويقوم ابن الثالثة عشرة سنة برش مياه على وجوه المعتصمين، متحملا حرارة الجو التى أكسبت وجهه سمرة شديدة. يقول صهيب: «أنا معتصم أنا وأبويا وأمى وإخواتى وبقالنا شهرعشان نرجع الرئيس مرسى ونقف مع الشرعية فأبى يعمل معالجا بالقرآن والكل فى الاعتصام بيعاملونى كويس وأنا بساعد الناس فى توزيع الوجبات، ولكن هما مش بيردوا يخلونى أعمل شغل متعب».

الحال داخل ميدان النهضة أهدأ كثيرا من حالة الصخب والزحام داخل ميدان رابعة العدوية، فى ميدان النهضة وقف أحمد نادر ابن الـ11سنة الذى جاء من مركز العياط ومعتصم منذ عشرين يوما فى ميدان النهضة أمام المركز الإعلامى للاعتصام يلعب هو وأحد الأطفال أمامه وسط قلة عدد المعتصمين فى نهار رمضان وفى انتظار المسيرات أو الفعاليات التى تعلن عنها المنصة. يقول أحمد عن الاعتصام: «أنا معتصم من أسبوع علشان الشرعية وعلشان أرجع الدكتور مرسى وعلشان الإسلام. وأنا شاركت فى المسيرات وبهتف (يسقط يسقط حكم العسكر). ومنذ أن وصل الدكتور محمد مرسى إلى الحكم ووالدى يحدثنا يوميا عن أهمية دعم التيار الإسلامى فى الحكم وأن يحصلوا على فرصتهم الكاملة».

«أنا عارف ان فى ناس ماتت بسبب الاشتباكات. أنا مش خايف من الموت لأن اللى مكتوبله حاجة هيشوفها ومحدش هيهرب من أجله». كلمات قالها أحمد وهو يروى ما شاهده من اشتباكات بين المعتصمين والأهالى فى ميدان الجيزة والتى حدثت منذ أسابيع فى الفجر. «اليوم ده كنا ماشيين فى مسيرة وفجأة هاجمونا بلطجية وكانت وراهم الشرطة وجرينا عشان نحمى الميدان وشوفت ناس طلعت كلية الهندسة وضربوا علينا نار وبابا ساعتها رجعنى الخيمة ومنعنى من الخروج».

يضيف: «عشان اللى شوفته أنا مش همشى من الميدان حتى لو الجماعة وصلوا لحل فى الأزمة وتضمن الحل عدم عودة الدكتور مرسى أنا مش همشى لأنى معتصم عشان إرادة الشعب اللى انتخبوه». أما رحمة أحمد محمد على، 11 عاما، التى جاءت هى وأسرتها المكونة من أبيها وأمها وأخيها الصغير، والذى لا ينتمى أى منهم إلى حزب سياسى لكنهم جاءوا «لإعادة الدكتور محمد مرسى والحفاظ على الإسلام والهوية الإسلامية» كما قالت رحمة التى أصيب والدها فى أحداث الحرس الجمهورى وكانت شاهد عيان على هذه الأحداث وعملت داخل المستشفى الميدانى فى إسعاف المصابين وكانت تجربة قاسية عليها، كما وصفتها.

«أنا هنا من شهر مع عائلتى، جايين عشان خاطر الإسلام، كنا معتصمين فى البداية عند الحرس الجمهورى وأول ما هجم الجيش علينا أبويا أخدنا ورجعنا إلى اعتصام رابعة العدوية وساعتها كانت حوالينا أصوات الرصاص والقنابل المسيلة للدموع من كل الاتجاهات لحد أما رجعنا على رابعة، وبابا كان بييجى يطمنى عليه لما كان بينقل المصابين إلى المستشفى الميدانى وكانت هدومه كلها دم ورحت معاه المستشفى الميدانى وشوفت واحد مات كان واخد رصاصة فى راسه.. أول ما شوفت شكله اتهزيت أوى ومتخيلتش إن فى مسلم يموت مسلم بالشكل ده وكمان إحنا كلنا مصريين ودمنا زى بعض ومينفعش اللى بيحصل ده».

تضيف الطفلة: «لما عرفت إن فى مظاهرات طالعة لتفويض السيسى وعرفت إن أعمامى فى ميدان التحرير متخيلتش انهم هينزلوا عشان يموتونا.. إحنا كلنا مصريين وبصراحة أنا حاسة المعتصمين فى التحرير عايزين يلغوا الدين والإسلام ويقلعونى الحجاب اللى أنا لابساه من أولى ابتدائى وعايزين ينسونا الدين الإسلامى».

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية