رجلان شكّلا خريطة دول الجوار الأفريقى بشكل مختلف. الأول صار رمزا دوليا يبجله العالم، والآخر بات منبوذا وسط بلاده بسبب حكمه الاستبدادى الذى استمر 33 عاما على غرار القادة المتسلطين فى العالم العربى.
ومع احتفال العالم بإطفاء الشمعة الـ95 للزعيم الأفريقى نيلسون مانديلا الذى قاد النضال ضد نظام الفصل العنصرى فى جنوب أفريقيا، رغم احتفاله العام الحالى مع اعتلال صحته، نجح رئيس زيمبابوى روبرت موجابى فى تمديد فترة حكمه وخوض الانتخابات الرئاسية بعد 33 عاما من الحكم الذى أصاب البلاد بأزمة سياسية وتدهور اقتصادى بالغ.
واتفق العديد من الخبراء على أن هناك وجها للمقارنة بين موجابى والزعيم مانديلا، حيث إن كليهما يترأس قيادة حركات تحررية فى أفريقيا، ولكن فى الوقت الذى تخلى فيه مانديلا عن السلطة بعد 5 سنوات فقط يسعى موجابى لتمديد حكمه الذى استمر 33 عاما بخوض الانتخابات الرئاسية إثر تعديل الدستور.
تاريخيا، تربط بين مانديلا وموجابى خيوط متشابهة منذ توقيت مولدهما، الأول عام 1924، وهى نفس الفترة التى شهدت صعود قوة «البيض» فى القارة الأفريقية، كما درس كلاهما بجامعة «فورت هار» فى جنوب أفريقيا، ولكن مانديلا صار محاميا، وموجابى فضل أن يكون معلما.
وأكد المؤرخ البريطانى مارتن ميرديث أن مانديلا وموجابى كافحا ضد حكم الأقلية البيضاء فى بلديهما، وكانا على رأس النضال الأفريقى. مانديلا فى جنوب أفريقيا، وموجابى فى روديسيا المجاورة، كما قضى مانديلا 27 عاما فى السجن، مقابل 11 عاما سجنا بحق موجابى.
ولكن الفارق الأساسى فى فترة السجن تحديدا يكمن فى استغلال مانديلا سنوات سجنه لفتح حوار مع الحكام البيض فى جنوب أفريقيا من أجل هزيمة «الفصل العنصرى»، وبالمقابل، ظهر موجابى فى السجن عازما على الثورة وعلى الإطاحة بالمجتمع الأبيض بالقوة، وقال موجابى وقتها إن «النصر العسكرى سيكون هو الفرح فى نهاية المطاف».
وبعد نجاحه فى إسقاط حكم الأقلية البيضاء فى روديسيا، تولى موجابى حكم البلاد التى عرفت بعد استقلالها عن بريطانيا باسم زيمبابوى عام 1980، فى نفس الوقت الذى انعدم فيه الأمل بجنوب أفريقيا حيث قضى مانديلا نحو عقدين من الزمان فى السجن، ولم يكن هناك أى أمل فى إطلاق سراحه.
وبعد إطلاق سراح مانديلا عام 1990، عكف على التفاوض مع القادة البيض لمدة 4 سنوات للقضاء على التفرقة العنصرية، وهو الأمر الذى توج نجاحه كأول رئيس أسود يسعى إلى الوحدة الوطنية فى بلد انعدم فيه أمل الوصول إلى حل.
وفى عام 1999، قرر مانديلا التقاعد عن الحكم بعد 5 سنوات فقط من تولى إدارة شؤون البلاد، رغم أن الدستور يسمح له بالترشح لفترة رئاسية ثانية.
والآن، يبقى موجابى فى الحكم منذ أكثر من 33 عاما ويطمح إلى المزيد رغم انتقادات مانديلا نفسه تجاه سياسات موجابى فى الحكم ونصحه باتباع دبلوماسية هادئة بدلا من العنف، ولكن موجابى لم يكترث بالرد على منتقديه، وشدد قائلا: «شعبى لا يزال يريدنى».
وأجمع الخبراء على أن ورقة موجابى الرابحة تتمثل فى استعداده لتحدى معارضيه والغرب، رغم كبر سنه التى تخطت 89 عاما، ولكن قدراته على إعادة تقديم نفسه للناخبين بحلة جديدة دفعت المراقبين بالقول «إنه قادر على الصمود».
ووفقا للمحللين، يعد موجابى بطلاً فى أوساط الناخبين فى الأرياف، وهو ما دعم فرصه للفوز على خصمه مورجان تشانجيراى، ليصبح على رأس هرم السلطة فى البلاد التى قادها إلى الاستقلال فى 1980، بينما شككت المعارضة فى الانتخابات، وقالت إنها مزورة بما يعقّد المشهد السياسى فى البلاد.