شمال سيناء-- في العديد من قرى شمال سيناء، و خصوصا تلك القريبة من ثنية نهر وادي العريش، لا يعرف النوم طريقه الى أعين السكان، ولا يعود ذلك إلى ظروفهم البائسة فقط، ولكن خشية الموجة المقبلة من السيول.
قرية "أبو ثقل" شمال العريش واحدة من القرى التي شهدت أعنف ضربات السيول، وقد لعب موقعها عند فم الوادي دورا كبيرا في ذلك. و بعد أن كان المكان يضم مجموعة من المنازل تأوى سبع عائلات، لم يتبق سوى مبان مهدمة غمرت المياه جنباتها بارتفاع مترين عن سطح الارض.
يقول رائد، أحد مالكي تلك المنازل: "أنشأنا هذا المنزل خلال ثمانية عشر عاما، كل عام كنا نضيف إليه جزءا جديدا، أما الآن، فسنضطر للبداية من جديد". يعيش رائد حاليا مع زوجته وابنته ذات الأعوام العشرة مع أسر أخرى في غرفة مساحتها مترين فقط، و كانت من ضمن المواقع القليلة التي نجت من الفيضان، يضيف رائد: "اعتمادنا على الله فقط ثم مساعدات المجتمع المدني، وليس الحكومة".
انتقادات رائد العنيفة ضد الحكومة لم تتوقف أثناء حديثه معنا عن الفيضان الذي هاجم المنطقة الثلاثاء الماضي، ورأى رائد وغيره من السكان أن الحكومة سمحت بإصدار تراخيص للبناء في مجرى النهر رغم احتمالات وقوع الفيضان، كما وصف أهل المنطقة رد فعل السلطات بـ "المتباطئ و المعدوم"، و لا يزال هؤلاء المواطنين في حيرة حيال التعويضات التى سيحصلون عليها من الدولة.
يقول رائد، وهو عامل أجير، انه فقد معظم متعلقاته بسبب الفيضان. و يتساءل: "أنا في الثالثة والثلاثين من عمري، فهل أنفق الأموال القليلة التي أكسبها لبناء حياتي من جديد؟، أم أفكر فى بناء مستقبل ابنتي؟". و يشير رائد ان عملية بناء منتجع سياحي أمام قرية أبو ثقل تسببت في تحويل مجرى النهر تجاههم، مما تسبب في كثير من الاضرار. ويقول:"إنهم ينفقون الكثير لبناء ملاعب الاسكواش والتنس بينما لا يعلم أطفالنا معنى تلك الكلمات". وخلال الرحلة بالسيارة مرورا بالقرية السياحية، لم ترصد المصري اليوم سوى مستنقعات المياه و الأسوار المحطمة.
تقف ابنة رائد خلفه، وهى تحاول السير عبر المياه الموحلة عارية القدمين، حيث أنها فقدت أحذيتها وخفها بسبب الفيضان. وتقول الفتاة ان الأمر الجيد هو انتهاء الامتحانات قبل وقوع الفيضان، لأنها فقدت كتبها المدرسية كذلك. لكن دموعها تنساب وهي تنظر الى المنزل المهدم، والملابس الغارقة، والمطبخ المحطم، والاسرة المدمرة. يقول رائد: "مر أسبوع على الفيضان، ولكنا تلقينا تعليمات بعدم تنظيف الفوضى حيث سيزورنا ممثلون للحكومة لتقدير حجم الخسائر وتحديد مبالغ التعويضات، ولكن هذا الأمر لم يحدث حتى الآن".
ياسر، 32 عاما، أحد جيران رائد، ويعمل في جمع محصول البلح، يقول إن الفيضان أصابه بالارتباك، ويتابع:"زوجتي حامل في شهرها التاسع؛ و وولدي أصيب وهو يجرى، وابنتاى أصابهما الفزع والصراخ، ولا أعرف ما الذى ينبغى أن افعله، الحكومة لا تفعل شيئا سوى إصدار التصريحات المسكنة، واللى ايده فى الميه مش زى اللى ايده فى النار".
سمع رائد و ياسر عن التعويضات التي تقدمها الحكومة لضحايا الفيضان، و لكنهما لم يحصلا على شيئ منها. كما ان موضوع التعويضات بأكمله ما يزال غامضا، فبينما سمع أحدهما أن كل أسرة ستتلقى مبلغ مائة جنيه بالإضافة إلى خيمة وغطاء، سمع الآخر أن كل أسرة سوف تحصل على 25.000 جنيه.
رسميا، أكد محمد الكيكي، سكرتير عام محافظة شمال سيناء، والمشرف على جهود الطوارئ، إن المحافظ قرر صرف خمسة وعشرون ألف جنيه تعويضا عن المنازل المدمرة، وأن المحافظة ستقوم بتقييم خسائر الكارثة خلال الأيام القليلة المقبلة.
و حتى تظهر تلك المساعدات على أرض الواقع، يعتمد سكان المنطقة حتى الآن على معونات المنظمات غير الحكومية. يوم الاثنين، تم توزيع المساعدات في مختلف مناطق شمال سيناء ووسطها. وفي نقابة المحامين، وصلت ثلاث شاحنات قادمة من القاهرة تحمل أطنانا من الأغذية والأغطية والملابس. تلك المساعدات أرسلتها مجموعة من الأحزاب السياسية المختلفة وأيضا من المواطنين، وتولى مركز "هشام مبارك" تنظيم عملية التجميع.
الطريق الذي قطعته الشاحنات التي أرسلها مركز مبارك لم يخل من الصعوبات والتعطيل. يقول هيثم محمدين، محام بالمركز: "غادرنا القاهرة في الواحدة صباحا ووصلنا العريش في الحادية عشر صباحا، ثم توقفنا لمدة ساعتين ونصف الساعة عند كوبري السلام انتظارا للسماح بالمرور حيث قام الضباط بالاتصال بسلطات أمن الدولة لمعرفة اذا ما كان سيسمح لنا بالمرور".
الحملة الشعبية لدعم الشعب الفلسطيني وفرت هى الأخرى شاحنة مساعدات في دمياط، و لكنها تأخرت عند نفس المكان. يقول أحمد العشماوي، أحد نشطاء الحملة: "توقفنا عند الكوبري رغم أننا أخطرنا السلطات بالشاحنة وحمولتها، وأعتقد ان السبب يعود إلى غياب التنسيق بين أجهزة امن الدولة في العريش و الاسماعيلية".
ثمة مخاوف متزايدة حاليا من ان تؤثر السيول على "سد الروافع" الواقع على بعد خمسة وأربعين كيلومترا من مدينة العريش، حيث يعتقد انه لن يتحمل موجة ثانية منها، الا ان السلطات تطمئن المواطنين على سلامة ذلك السد. يقول الكيكي:"يعمل السد على حجز 5.3 ملايين مترا مكعبا من المياه، و هو لن يتاثر بالسيول. كما أنه سيتم الانتهاء من مائتي سد تعويضى بنهاية يناير"، يذكر انه تم بناء عدد من السدود اخرى بالرمال و الحجارة عبر الجهود الشعبية، وبمساعدة وكالة ابحاث يابانية، ومشروع تعمير سيناء، و برنامج الاغذية العالمي.
ويعتقد الناس في شمال سيناء بان كارثة السيول هي من صنع الإنسان. فيقول بهاء بدوي، من اتحاد الاطباء العرب، والذي يشارك في جهود الإغاثة في المنطقة: "البدو على دراية بطريقة حركة المياه في مجرى النهر، وبالتالي هم لا يقومون ببناء المنازل على المجرى إطلاقا، وهم الاقل تعرضا للخسائر. و لكن هناك فريق ثان لا يهتم سوى بالربح السريع، قاموا ببناء البيوت على مجرى النهر فخسروها عندما أتى الفيضان. أما الفريق الثالث، فظن أن الفيضانات لن تعاود الكرة، وخسر هو الآخر".
الى جانب القرية السياحية، هناك مشروعات أخرى تنفذها الحكومة على مجرى النهر، منها معسكر طلابي تابع لجامعة قناة السويس. يقول غانم سيد، منسق بمنظمة "إقرا" غير الحكومية، والتي تساعد في جهود الإغاثة: "تكلفت هذه المشروعات الملايين، ولكن 90% منها ضاعت بسبب الفيضان". أما عبد الكريم قصاص، أحد سكان قرية "مليم" بشرق العريش فيؤكد: "هذه الكارثة نتيجة الفساد والإهمال، إنها كارثة من صنع الانسان". و يذكر القصاص إن حوالي نصف سكان القرية فقدوا منازلهم، "كانت هناك تحذيرات قبل وقوع الفيضان بأربعة وعشرين ساعة، و لكن أحدا لم يتحرك". و يضيف إن احد المشاريع التي ترعاها الحكومة تسبب في تغيير مجرى النهر، وإن هذا المشروع أقيم بالقرب من منطقة السوق التي تجمع جميع الباعة بالمنطقة. اشار القصاص الى المنطقة التي يتحدث عنها، والتي تحولت حاليا الى بركة موحلة: "لابد من محاكمة جميع المتورطين في ذلك المشروع".
قال مصدر بمحافظة شمال سيناء، طلب عدم ذكر اسمه، إن رئيس الوزراء يجري تحقيقا حول المشاريع التي اقيمت على مجرى النهر، وأن الموضوع يتجاوز نطاق المحافظة.
و كان خمسة اشخاص قد لقوا مصرعهم و تعرض 564 منزلا للدمار بسبب الفيضان و قطع 82 طريقا، حسبما أعلنت محافظة شمال سيناء.
"السيول خير"، كان هذا هو تعليق فايز أبو حرب، عضو مجلس الشعب عن محافظة العريش "وطنى"، "فلنفكر في حجم الفائدة التي ستعود على الأراضي بعد جفاف استمر على مدار السنوات العشر الماضية". و بسؤاله عن الاستجابة البطيئة للحكومة، أجاب: "هناك سلبيات وإيجابيات، ولا نريد ان نضخم السلبيات على حساب الإيجابيات، فالحكومة تحتاج الى تشجيع".
و لكن المتضررون من الفيضان لا يتفقون مع تلك المقولة. يقول القصاص، والذي شارك في جهود الاغاثة بعد فيضان عام 1981 بصفته مديرا لمكتب الشئون الاجتماعية في العريش، إن رد فعل الحكومة لم يكن كافيا، ولكنه يعترف بان فيضان عام 1981 لم يكن بقوة الفيضان الحالي. و يتابع: "حياة الناس لا تعني شيئا للحكومة".
التقرير مترجم من الطبعة الانجليزية للمصري اليوم
www.almasrylayoum.com