أصبح رمضان بكل المقاييس علامة فارقة فى تاريخ المصريين الحديث، إنه الشهر الذى حقق فيه الجيش المصرى أعظم انتصاراته فى ملحمة العبور المجيدة، فى العاشر من رمضان الموافق السادس من أكتوبر 1973.
اليوم نبحر مع أبطالنا فى القوات المسلحة نسترجع ذكرياتهم، فى ميدان القتال، فى شهر الصوم المعظم.
المشهد الأول:
تورد الباحثة العسكرية أميرة فكرى، عن اللواء أركان حرب حسن الجريتلي، سكرتير عام وزارة الدفاع، أنه أثناء حواره معها للإعداد لكتاب عن قصة حياته أن الرئيس السادات خلال تواجده فى غرفة العمليات مع القادة للاستعداد للحرب، أخبرهم بأنه حصل على فتوى بجواز الإفطار للمقاتلين حتى لا يكون القتال مشقة غير محتملة، وفى الثانية ظهرا طلب منهم الإفطار فاستسمحوه باستمرار صيامهم.
واضطر السادات بأن يتظاهر بالإفطار وشرب رشفة من الشاى الأخضر مع «البايب» الشهير، لتشجيعهم على الإفطار، لكن الجميع استمروا على صيامهم، وشاركهم فى ذلك معظم الجنود والضباط، المسلمين منهم، والمسيحيين أيضا، وانشغل الرئيس والقادة فى غرفة العلميات إلى أن نظروا إلى الساعة فوجدوها الساعة العاشرة وهم بدون إفطار.
المشهد الثانى:
تقول الباحثة العسكرية نقلا عن الجريتلى: ما قاله بحماسة الجندى المقاتل أبوالعلا السعيد العدوى عن أن تعيين الفرد الواحد كان يقسم على ستة أفراد وجاءت أيام لم يجدوا، وفى عدة مرات كنا ننزل مواقع مدينة السويس نبحث عن الطعام ونجمع العيش القديم اليابس لنأكله.
المشهد الثالث:
وتنقل الباحثة العسكرية أميرة فكرى عن اللواء طيار سمير عزيز ميخائيل، أحد أبطال النسور الجوية: كنت وقتها (فى حرب العاشر من رمضان) قائد ثانى سرب مقاتلات فى مطار المنصورة، وكانت وظيفتى الأساسية قائد تشكيل مقاتلات رباعى للدفاع عن الطائرات المصرية المنوط بها ضرب جميع الأهداف فى سيناء، من الإسماعيلية إلى بورسعيد، وفى السادس من أكتوبر جاءت الأوامر العاشرة صباحا بالضرب الساعة الثانية، وكان الطيارون صائمين فى رمضان، وأتت الأوامر بالإفطار. وأكد قائدنا (أحمد نصر) أهمية الإفطار قبل الإقلاع وذلك للمجهود وتكرار الطلعات الجوية بعد الضربة الأولى. من المعروف أن الأوامر العسكرية يجب أن تنفذ، هنا طلب الضباط من القادة استمرار صيامهم فوافق لهم لكن بعد الكشف الطبى الدورى يوميا والاطمئنان على الضغط والنبض وقوة التحمل، وتكررت الطلعات، والطيارون صائمون، وكانت آخر طلعة لنا مع آخر ضوء، ويتم الإفطار بعدها، والتزمنا بمواعيد النوم والاستيقاظ مع أول ضوء قد يكون من الساعة الخامسة صباحا حتى الساعة السادسة إلا الربع صباحا بالتالى لا يتم السحور.
جيشنا المصرى دائما ملتحم ومتماسك ويتضح هذا فى بعض المواقف مع أصحاب الأسماء المتشابهة.. فلم نكن نعرف ديانة بعضنا البعض سوى عند الاستشهاد ومعرفة مكان تأدية واجب العزاء سواء كان الجامع أو الكنيسة.