x

هنا سيوة: طفولة «مع وقف التنفيذ» وزواج بـ«أسبقية الحجز» (تحقيقات )

الأحد 11-11-2012 17:46 | كتب: يمنى مختار |
تصوير : يمنى مختار

تتعالى أصوات بعض القوى الإسلامية المتشددة المطالبة بإتاحة زواج الصغيرات فى سن تصل إلى التاسعة من عمرها مع إصرار القوى السلفية على رفض المادة المتعلقة بالاتجار بالبشر، التى تجرم الاتجار بالنساء والأطفال، حتى لا تغدو عائقاً أمام زواج الطفلة الصغيرة، مبررين هذا الاتجاه بتقنين حالات الزواج التى تجرى فى بعض المناطق النائية. «المصرى اليوم» تخترق واحة سيوة باعتبارها من أكثر المناطق التى ينتشر فيها زواج الصغيرات لرصد المنظومة المجتمعية لزواج الصغيرات، التى تبدأ بـ«عُرف» يعتبر زواج الفتاة «سترة» بينما بقاؤها فى بيت أبيها «عار»، وجماعات سلفية تستبدل بالمأذون شيخ المسجد، ومنظومة تعليمية فشلت فى جذب الفتيات.

تقاليد الواحة: الخطوبة فى التاسعة والزواج فى الخامسة عشرةالأطفال فى واحه سيوة ماما، هو أنا مخطوبة».. سؤال وقع على مسامع الأم كالصاعقة، خاصة أنه صادر عن ابنتها التى لم تتجاوز الثامنة، وبعد حوار قصير اكتشفت أن السؤال لم يكن مصادفة، بل ترديداً للسؤال الذى سألته لها زميلتها السيوية فى المدرسة الابتدائية ليكشف السؤال البسيط عن واقع زواج الفتيات فى سيوة، إذ يمكن أن تخطب الفتاة فى التاسعة من عمرها وتتزوج فى الخامسة عشرة، وهو ما تعتبره بعض العائلات السيوية دافعاً للشباب للعمل والاستعداد للزواج بدلاً من الانشغال بالمعاصى. ورغم استنكار «أمل»، السيدة الأربعينية التى انتقلت مؤخراً للعيش فى سيوة خطبة الفتيات فى سن التاسعة، فإنها لم تجد حرجاً من الموافقة على خطبة ابنتها التى لم تتجاوز الخامسة عشرة بشرط ألا يتم الزواج إلا بعد أن تكمل عامها الثامن عشر رافضة فكرة الزواج العرفى القبلى لأنها لا تنتمى إلى القبائل السيوية ولتضمن حقوق ابنتها، وأصرت على تطبيق العادات والتقاليد السيوية المتعلقة بالخطوبة، حيث لا يرى الخطيب خطيبته إلا فى الأعياد والمواسم ولا يجلسان معا بمفردهما، وإنما بحضور والديها. اكتشفت أمل بعد شهور من الانتقال إلى سيوة أن طريقة تنشئة الفتيات تجعل الزواج الهدف الأوحد، خاصة أنه لا يسمح لهن فى أغلب الأحوال بتخطى المرحلة الإعدادية، حيث يكون الصف الثالث الإعداى نهاية علاقة الفتاة بالتعليم، بينما تدرب الأسر بناتها على الأعمال المنزلية ولا ينشغلن إلا بأمور الزينة فى المناسبات والأفراح. فى بيت السنوسى، قابلنا ابنته التى تستعد خلال ثلاثة أشهر لإتمام زواجها على عريس لا تعرف عنه إلا بعض ملامح وجهه من خلال زياراته القليلة إلى بيتهم فى الأعياد والمناسبات، أما شخصيته وصفاته فلا تعرف عنها شيئاً حتى إنها لم تجد مبرراً للتعرف عليه، قالت نادية: «راجل غريب أتكلم معاه ليه!». أما والدتها فلم تبد أى خوف من فشل زواج ابنتها بسبب عمرها الصغير وقالت: «حماتها عارفة إنها واخدة عيلة صغيرة وحتعلمها شغل البيت ولو اتطلقت مفيش مشكلة، المطلقة عندنا بتتجوز أسهل من البنت»، مضيفة أن زواج البنات «سترة» خاصة أن والدها لن يسمح لها باستكمال تعليمها لأن واحة سيوة ليس بها جامعات، كما أنه لن يسمح لها بأن تعيش فى مدينة مطروح أو الإسكندرية.

فى أحد البيوت بقرية أغورمى السيوية، وجدنا أختين الأولى «نادية» فى الخامسة عشرة من عمرها والثانية «مدينة» فى السابعة عشرة، كلتاهما مخطوبة وتبدو عليهما علامات الخجل بمجرد الحديث عن أمور الزواج، نادية قررت أن تفسخ خطوبتها بعد أن طلب خطيبها الزواج منها قبل أن تكمل الصف الثالث الإعداى، تقول: «أبويا سألنى تتجوزى السنة دى وأنا قلتله لأ، إزاى أتجوز قبل ما أكمل تالتة إعدادى» مؤكدة أنها لن تتزوج قبل أن تكمل عامها السابع عشر أى بعد عامين. أما مدينة فهى فتاة منتقبة مخطوبة منذ حوالى العام ولا تعرف عن خطيبها إلا أنه إنسان متدين ولا يدخن، اتفق والدها على إتمام الزواج بعد انتهائها من المرحلة الإعدادية لأنها لا ترغب فى إكمال تعليمها الثانوى، تقول مدينة: «أنا مش عاوزة أكمل تعليمى عشان مش بعرف أقرا إنجليزى» مؤكدة أن أى فتاة لا تستطيع استكمال تعليمها الثانوى دون موافقة والدها. «أى بنت ممكن تتجوز فى سن 14 أو 15 سنة، فيه خمسة من زميلاتى فى المدرسة اتجوزوا فى سن 16 سنة، واتنين منهم خلفوا بعدها على طول» قالت «مدينة» مؤكدة أنها لا تمانع فى فكرة خطوبة الفتاة فى سن التاسعة بشرط ألا يتم الزواج إلا فى سن السادسة عشرة لأن الأعمال المنزلية داخل البيوت السيوية شديدة الصعوبة ولن تستطيع أن تتحمل مسؤولياتها الفتيات الصغيرات، ورغم تأكيدها عدم موافقتها على زواج الفتيات فى سن الرابعة عشرة، فإنها سرعان ما أشارت إلى أن القرار فى النهاية هو قرار الأب. «إزاى أستأذنها وهى أصلاً مش مدركة ولا فاهمة يعنى إيه جواز» صاح عمران الذى تجاوز الخمسين بعدة سنوات مستنكراً استئذان فتاة لا تتجاوز التاسعة قبل الموافقة على خطوبتها، مؤكداً أن نسبة قليلة من السيويات اللاتى يتمتعن بدرجة عالية من الجمال والانتماء إلى عائلة كبيرة هن من يخطبن فى التاسعة، حيث تكون الخطوبة فى تلك الحالة شكلاً من أشكال الحجز، حتى لا يسبق لآخر خطبتها، وربما يفكر الأب فى أنه لو رفض عريساً فى تلك المرحلة العمرية ربما لا يتقدم لها آخر عندما تكبر خاصة أن أغلب الفتيات أصبحن يخبئن وجوههن خلف النقاب. ويضيف عمران أن الفتاة لا يمكنها أن تبدى رأيها فى تلك الزيجة قبل أن تكمل عامها الرابع عشر أو الخامس عشر حيث يخيرها والدها بين الاستمرار فى الخطبة أو فسخها، مؤكداً أن الأب لا يستطيع أن يجبر ابنته على الزواج من شخص لا تريده. إن المجتمع السيوى عادة ما يضغط على الأب ليزوج ابنته فى سن مبكرة، يقول: «جواز البنات سترة، هى هتعوز إيه غير إنها تتجوز وإلا لو قعدت ممكن تجيب لأهلها العار». وبما أن القانون لا يسمح بزواج الفتيات اللاتى لم يتجاوزن الثامنة عشرة، يصبح الحل الأمثل هو اللجوء إلى الزواج القبلى الذى لا يتطلب إلا قراءة الفاتحة من قبل شيخ المسجد أو أى رجل مشهود له بحسن السمعة والخلق وبحضور وكيل عن العروس والعريس وشاهدين، حيث يتم إشهار الزواج فى المسجد لحين توثيق الزواج بمجرد إتمام الفتاة سن الـ18، ونفى الشيخ على إبراهيم، أحد أئمة مسجد الرمل بسيوة، مسؤوليته عن عقد الزواج لفتيات دون الثامنة عشرة وألقى بالمسؤولية على إمام المسجد الذى عينته وزارة الأوقاف، والذى ينتمى إلى الجماعة السلفية مؤكداً أنه لا يقبل إتمام الزواج لأى زوجين لم يبلغا الثامنة عشرة، بينما يقتصر دوره على التواجد مع المأذون الشرعى أثناء تحرير عقد الزواج الموثق لتلاوة صيغة الزواج على المذهب الحنفى. وأضاف أن الجماعة السلفية تكتفى بقراءة الفاتحة فى المسجد فى حال عدم بلوغ الفتاة السن القانونية للزواج والتى تقتصر على وجود وكيل العروس ووكيل العريس، وتلاوة صيغة الزواج على المذهب الحنفى، ولكن دون كتابة أى عقد. وحذر الشيخ من المشاكل المترتبة على الزواج المبكر وفى مقدمتها ضياع حقوق الأطفال، كما أشار إلى أن تحرير العقد يضمن موافقة العروس التى توقع على العقد بعكس الزواج القبلى. وبمناسبة اليوم العالمى للبنت، توقعت أحدث الإحصائيات أن يرتفع عدد الطفلات المتزوجات بحلول 2030 إلى 142 مليون فتاة سنوياً حول العالم، مؤكدة أن من بين ثلاث فتيات فى الدول النامية ستتزوج واحدة دون سن 18 عاماً، وقدرت الدراسة نسبة زواج الأطفال فى مصر بـ16.6٪.

250  حالة زواج بـ «مطروح» فى 5 سنوات دون توثيق

  عادات وتقاليد الزواج فى مطروح زيارة قصيرة إلى إحدى المدارس الثانوية التجارية فى مطروح، كشفت الكثير عن أوضاع الفتيات داخل المجتمع البدوى، فنسبة قليلة جداً من البدويات يصلن إلى المرحلة الثانوية وهن متزوجات إذ يتم عقد القران بمجرد إتمام المرحلة الإعدادية بينما أغلب الطالبات ينتمين إلى فئة المغتربين الذين تأثروا بالعادات والتقاليد البدوية وبدأوا فى تزويج بناتهم قبل الثامنة عشرة. رفضت 10 فتيات تتراوح أعمارهن بين 16 و18 عاماً فكرة الزواج المبكر للفتيات، حيث أجمعن على أن السن المناسبة للزواج هى 18 عاماً أو بعد الانتهاء من مرحلة الدراسة الثانوية دون أن يكون لديهن أى دراية عن السن القانونية للزواج. نرمين 17 عاماً، أجبرتها أسرتها على الموافقة على خطيبها لأنه رجل متدين ويتمتع بمستوى اجتماعى عال دون الالتفات لعدم وجود أقل قدر من القبول أو التوافق بينهما، ولم تجد نرمين طريقة للرفض، خاصة بعد أن رفضت أكثر من عريس من قبل. تقول نرمين: «أنا لسة بجرى وبلعب وعايشة سنى ومش حاطة فى دماغى إنى حشيل مسؤولية بيت وأولاد» مؤكدة أن خطيبها الذى يكبرها بحوالى سبع سنوات لا يهتم برأيها فى شىء ولا يريد أن يسمع منها إلا ثلاث كلمات هى «حاضر» و«نعم» و«ماشى». أما هالة التى انتقلت حديثاً إلى مطروح قادمة من إحدى قرى كفر الشيخ، فقد اشترط والدها على العريس كتابة وصل أمانة ليضمن حق ابنته ويجبر الزوج على توثيق الزواج وكذلك لضمان حق ابنته فى قائمة الأثاث، وقرر والدها أن يكتب الكتاب حتى يسمح للعريس بدخول البيت. مازالت البيئة البدوية فى مطروح تحمل العديد من العادات والتقاليد التى يظن سكان المدن أنها اندثرت يقول محمد عيسى حميد الذى ينتمى إلى قبيلة الجنيشات البدوية إنه عرض على ابنه الذى لا يتجاوز السادسة عشرة من عمره أن يخطب له فتاة فى الرابعة عشرة ليغلق فى وجهه باب الخطيئة، وأضاف: «اللى يتجوز واحدة عندها 15 سنة بيخالف القانون لكن مش بيخالف شرع ربنا.

مؤكداً أن الشرع يحدد سن الزواج بالبلوغ الجنسى، كما يؤكد أن العريس عادة ما يرسل إحدى قريباته لرؤية العروس حيث لا يسمح له برؤيتها قبل الزواج إلا فى حالة كونه زميلاً لها فى الدراسة فى تعارض بين العرف والدين الذى يسمح للعريس برؤية عروسه. ورغم أن البدو بدأوا بالتحلل من زواج أولاد العمومة إلا أن الزواج لا يزال مقصوراً على القبائل البدوية، ويؤكد عيسى أنه لا يلتفت إلى عمر ابنته عند الزواج إنما يطمئن بأنها قادرة على تحمل مسؤولية البيت. وتشير وسام عبدالبصير محامية بفرع المجلس القومى للمرأة بمطروح، إلى أن السنوات الخمس الماضية شهدت تردد 250 حالة على المكتب لإثبات الزواج أو الطلاق بمعدل 75 حالة سنوياً، تلك الخطوة التى لا تقدم عليها المرأة إلا عندما تقع فى مشكلة مثل ضرورة استخراج شهادة ميلاد لابنها الذى لم تستطع أن تقيده فى سجلات المواليد لعدم وجود وثيقة زواج أو فى حالات الطلاق. وتقول «وسام» إن البدو لم يواجهوا أى مشاكل فى السابق حتى بدأو الاحتكاك بالحياة المدنية فاحتاجوا إلى توثيق الزواج لاستخراج شهادات إعفاء من الخدمة العسكرية لأبنائهم. وروت «وسام» تفاصيل إحدى الحالات المعقدة، حيث تزوجت إحدى الفتيات فى عمر الرابعة عشرة، وأنجبت طفلاً ثم حصلت على الطلاق عرفياً، وتزوجت مرة ثانية فى السادسة عشرة من عمرها، مضيفة أن حالات توثيق الزواج بعد إتمام سن الثامنة عشرة تواجه صعوبة كبيرة خاصة فى حالات الطلاق، حيث يصعب استخراج رقم قومى مدون فيها أن المرأة بكر فى حين يكون لديها ابن مقيد فى الأوراق الرسمية، كما يصعب إثبات أنها ثيب لعدم وجود وثيقتى زواج وطلاق ما يدفعها إلى رفع دعوى على الزوج الأول لإثبات الزواج والطلاق ثم إثبات الزواج الثانى، وتقابل تلك النوعية من القضايا مشاكل كبيرة فى حال رفض الزوج المثول أمام المحكمة حيث لا تقبل دعوى إثبات الزواج إلا بموافقة الزوج. وكشفت وسام عن انتشار ظاهرة عدم توثيق الزواج فى الوقت الحالى بين المغتربين والمحامين اتباعاً للعرف السائد حيث يخجل البعض من توثيق الزواج حتى لا يبدو مختلفاً عن باقى أفراد عائلته. وأشار المحامى إبراهيم سمير إلى المشكلة التى تواجه الفتاة التى ترغب فى إثبات زواجها قبل السن القانونية فكونها قاصراً يجعلها غير قادرة على رفع دعوى أمام القضاء، إلا بعد موافقة والدها وصدور توكيل رسمى بصفته الولى الطبيعى عليها، وأضاف أن الزوج يرفض الحضور فى أغلب حالات إثبات الزواج والطلاق، بينما يرفض أغلب القضاة إثبات الزواج إلا فى حضور الزوج. ويحكى إبراهيم عن موكلته ذات السابعة عشرة عاماً، التى تزوجت بـ«الكلمة» أى دون كتابة أى أوراق تثبت زواجها وحصلت على الطلاق بعقد عرفى غير مؤرخ، وهو ما جعلها تعانى معاناة شديدة خلال محاولتها ضم ابنتها إلى حضانتها لعدم وجود ما يثبت الزواج والطلاق.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية