قال رئيس حركة «النهضة» التونسية التي تقود الائتلاف الحاكم في تونس، راشد الغنوشي، إن ما حدث في مصر من عزل للرئيس محمد مرسي، بمثابة «فشل ديمقراطي»، مستبعداً إمكانية حدوثه في تونس لما تشهده بلاده من «حوارات وتوافقات».
و تحدث الغنوشي عن موقف السلفيين من حركة «تمرد» التونسية، كما كشف عن جهود وساطة تبذلها حركة النهضة لحلحلة الأزمة المصرية وقال إن وساطة حركته تحظى بقبول «جميع الأطراف بما فيها الأطراف الدولية المهتمة بموضوع مصر»، كما أرجع «الغنوشي» مسؤولية الفشل في تنمية الجهات المحرومة في تونس إلى «مخلفات الماضي وتعطيل الإدارة».
واعتبر رئيس «النهضة» أن الأزمة في مصر «ولدت من خلال التمرد على الشرعية باستغلال صعوبات وحتى أخطاء، لا من خلال التصحيح، الذي هو من واجب المعارضة، وإنما من خلال الرفض لإرادة الشعب المعبّر عنها في انتخابات حرّة نزيهة شارك فيها الجميع واعترف الجميع بنتائجها، فالمشكل هو مشكلة فشل ديمقراطي وفشل النخبة الحداثية المصرية في الوفاء بمقتضيات الديمقراطية».
وقال «الغنوشي»، «الآن هناك إصرار عنيد على تعريف جديد للديمقراطية وعلى تعريف جديد للشرعية تؤمن بأن طريق الشرعية الديمقراطية ليس صناديق الاقتراع وإنما الحركة في الشارع»، في إشارة إلى تبرير المؤيدين لعزل مرسي لهذا التحرك بالاستجابة لرغبة المتظاهرين في الشارع.
وشدد «الغنوشي» على أن هذا المنطق «معناه إلغاء الديمقراطية وتوليد شرعيات غير مصادر الانتخابات، ولو أننا سايرنا هذا لأعطينا الحق لكل من يفشل في الانتخابات أن يقود تحركا في الشارع لينتج شرعية».
و لفت إلى أنه في النهاية «الشارع ينقسم لشوارع، فيمكن مواجهة شارع بشارع بمواجهة ميدان التحرير بميادين أخرى. وفي حالة انقسام الشارع الحل ليس العسكر وإنما العودة إلى صناديق الاقتراع».
وشدد «الغنوشي» على أن «الحل في العودة إلى الأصل، إلى مصدر الشرعية وهو الشعب»، مضيفا أنه «لا يعبر عن الشعب تعبيرا عاطفيا عاما، فنقول هؤلاء الذين خرجوا يوم 30 يونيو ثلاثين مليونا فهذا كلام غير منضبط لأن الآخرين ممكن يقولوا نحن أخرجنا أيضا» أكثر من هذا العدد.
وحول ما راج من معلومات حول وساطة تونسية في الأزمة المصرية، قال «الغنوشي»: «عموما تونس ومن خلال رئيس الدولة (المنصف المرزوقي) كانت هناك محاولة (في البداية) لتحسس الوضع عن كثب بحثا عن مخرج».
وأضاف: «نحن في حركة النهضة وفي هذا السبيل نقوم بوساطة وسنعلن عن تفاصيلها يوم أن تبدو لها آفاق»، مشيرا إلى أن «التدخل التونسي مُرَحَّبٌ به من أكثر من جهة دولية ومصرية ونأمل أن تتوفق هذه المحاولات التي لا تزال تتلمس طريقها إلى مخرج من أزمة مستفحلة انعكاساتها ستكون كارثية ليس على مصر فقط بل على الربيع العربي والتونسي الموصوف بالنجاح».
وكشف «الغنوشي» عن أن «جهات غربية لم يسمها عبّرت منذ بداية الأزمة لحركة النهضة في أن تقوم بمساع لدى الإسلاميين المصريين في محاولة لإقناعهم بالمشاركة في العملية السياسية القائمة».
وتطرق إلى الحديث حول امكانية استدعاء النموذج المصري الى تونس في محاولة انقلابية أخرى «بعد أن فشلت محاولات سابقة في قلب الأوضاع ونسف الشرعية في الأشهر التي سبقت».
وأوضح قائلا: «ففي أكتوبر الماضي كانت هناك دعوات إلى إنهاء شرعية الحكومة وتكرّرت هذه المحاولات في مناسبات كثيرة منها محاولة يوم 06 فبراير الماضي (اغتيال المعارض اليساري شكري بلعيد) واليوم هناك شعارات ترفع من هذا القبيل ولكننا نثق أن هذه الدعوات معزولة ولم تجد رأيا عاما متحمسا».
وتابع أن «الحوارات في تونس لم تنقطع، خاصة منذ حوارات قرطاج (حوار وطني بإشراف الرئيس محمد منصف المرزوقي) وما تلاها من حوار بين المجتمع المدني والمجتمع السياسي تحت مظلة الاتحاد العام التونسي للشغل واليوم هناك استعدادات لاستئناف جولات من الحوار الوطني ، والحوار هو البديل عن حالة الانسداد فإذا رأيت الناس يتحاورون في أي مجتمع فتأكّد أن الدعوات إلى تأزيم الأوضاع هي دعوات معزولة».
أما حوارات قرطاج، بحسب الغنوشي، «لم تجمع الترويكا (الحاكمة) فقط، بل المكونات السياسية الرئيسية وتوصلت إلى توافقات تقدمت أشواطا في إنجاز الدستور وتمكنت من تأسيس الهيئات الرئيسية مثل هيئة الإعلام السمعي البصري والهيئة القضائية، واليوم على وشك أن تفضي التوافقات إلى تركيز (تشكيل) هيئة الانتخابات المستقلة».
ومضى رئيس النهضة قائلا: «القطار التونسي يمضي قدما صوب محطة رئيسية وهي إنجاز انتخابات حرّة نتوقع أن تكون نهاية هذه السنة. وبالتالي يكون الربيع العربي التونسي قد أنجز وعوده في إنجاز ديمقراطية مستقرة مما يجعل الدعوات إلى تدمير كل هذه المنجزات والعودة إلى الصفر هي دعوات لا يمكن أن تصدر عن ديمقراطي وإنما عن جهتين، جهة ستالينية لم تستوعب يوما القيم الديمقراطية لأنها لا تؤمن إلا بالعنف الثوري ولم تحكم إلا بالحديد والنار ولم تحصل في آخر انتخابات إلا على نسبة 2.6 %».
وأضاف «الغنوشي»: «أما الجهة الثانية، فهي قوى التجمع المنحل التي لم تستوعب ما حصل من ثورة في البلاد عليها وتتصوّر أن عودتها إلى السلطة وبهذه السرعة ممكنة من خلال التحالف مع أقصى اليسار ومع البلطجية مستخدمة مجموعات الإجرام المنظم وغير المنظم».
ونبّه «الغنوشي» إلى أن «المثال المصري يبدو مغريا عند استيراده، إلا أنه عندما نتأمل ليس فيه ما يغري، فقوى الثورة في مصر، قوى الشرعية، أثبتت رسوخا ومستوى عال من النضالية والكاميرا تكشف بوضوح أنه بقدر التلاشي السريع للمتمردين في ميدان التحرير بقدر ما تزداد الميادين الأخرى للدفاع عن الشرعية قوة واتساعا بما يؤكد أن للشرعية حراسا وشعبا يحميها».
وأكد على أنه «لن يكون التونسيون لو حصل أي شيء من هذا القبيل أقل حرصا عن الدفاع عن ثورتهم فلا يحدثن أحد نفسه بالمحاولة لأنها فاشلة بدءًا».
وحول أي جهة تتوافق معها حركة النهضة، قال راشد الغنوشي: «نحن نتوافق مع قوى الثورة وليس مع القوى المضادة للثورة»، مؤكدًا أن تونس سيكون لها دستور «جاهز» بنهاية الصيف.
وتعليقا على ما تتحدث عنه وسائل الإعلام من وجود مطالب بالتغيير داخل حركة النهضة، أكد الغنوشي أن «حركة النهضة حركة كبيرة وتتسع للاختلاف في الرأي والاجتهاد ولكن ضمن إطار عام متفق عليه فالإسلام الوسطي ليس محل جدال داخل حركة النهضة والديمقراطية سبيلا للحكم ولإدارة الاختلاف محل تسليم عام أيضا داخل الحركة ومن ذلك رفض العنف بكل أشكاله ثم الخضوع لقرار المؤسسات».
ووجّه رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي تحية إلى «أمة الإسلام في تركيا»، وأضاف: «امتناننا كبير لما تحظى به الثورة التونسية من دعم تركي مقدّر».