تمتلك ماجدة الرومى صوتاً قادراً على تجاوز حدود الزمان والمكان، فلديها القدرة على أن تسكن قلوب ملايين العرب دون جواز سفر أو تأشيرة دخول، وعبر مشوارها الفنى الطويل كانت دائما سفيرة للغناء الراقى، الذى يخاطب العقل ويحرك المشاعر.
ماجدة الرومى التى وصفت بيروت فى إحدى أغنياتها بأنها «ست الدنيا»، مازالت قادرة على إثارة الدهشة بتجربة موسيقية جديدة فى ألبومها الأخير «غزل»، الذى قدمته قبل شهور قليلة، ومازال لديها حلم العودة من جديد لشاشة السينما، بعد تجربة وحيدة مع المخرج الراحل يوسف شاهين فى فيلم «عودة الابن الضال».
وقالت «ماجدة» لـ«المصرى اليوم»: إن الظروف أجبرتها على الغياب عن سوق الكاسيت 6 سنوات، وأنها حاولت فى ألبومها الأخير الاقتراب من الشباب مع الحفاظ على تقاليد القصيدة العربية، موضحة أنها لا تستطيع الحكم على الثورات العربية لأن الحرب اللبنانية جعلتها حذرة فى التعامل مع الأحداث السياسية.
■ ألبومك الأخير «غزل» يضم 10 أغنيات من كلماتك.. فهل تعمدت أن تطرحى نفسك كشاعرة؟
- إطلاقاً، فلم أتعمد أن أطرح نفسى كشاعرة أو أخطط لذلك، المسألة مجرد صدفة، وفى ألبومى المقبل سأغنى من أشعار نزار قبانى وسعيد عقل، كما أفكر أيضاً فى التعاون مع مجموعة من الشعراء اللبنانيين بحثاً عن التغيير.
■ غيابك عن سوق الكاسيت امتد حوالى 6 سنوات منذ أن قدمت ألبوم «اعتزلت الغرام».. فهل كان الغياب بقرار منك.. أم كنت مجبرة عليه؟
- لا يقرر الفنان أبداً الغياب عن جمهوره، أو الابتعاد، لكن تجبره الظروف على ذلك، ولن أقول إننى نادمة على الابتعاد طوال تلك الفترة، لكنى لست سعيدة.
■ هل يعنى هذا أن الغياب لن يتكرر؟
- أتمنى هذا، وأعمل من أجله بجدية، حيث أسجل حالياً أغنيات جديدة، رغم أن ألبومى «غزل» لم يمض على صدوره سوى شهور قليلة.
■ معنى هذا أنك بصدد إصدار ألبوم جديد؟
- أتمنى ذلك، لكن يبقى الأمر مرهوناً بظروف إنتاجية عديدة.
■ تقولين دائماً «أغنياتى تشبهنى».. فهل أغنيات «غزل» تعبر عن حالة خاصة تمرين بها؟
- أغنيات الألبوم تتحدث عن مواضيع معينة أحب أن أعبر عنها بطريقتى وأسلوبى.
■ هل أغنيات الألبوم أقرب إليك من أغنياتك الأخرى؟
- نعم، لكننى لم أقدم من قبل أغنية لم أشعر بها، فمثلاً أشعر بأن كلمات أغنية «وعدتك» للشاعر نزار قبانى، و«بلادى أنا» للشاعر سعيد عقل، كأنهما تنبعان من داخل قلبى، وكأننى كتبتهما، والأمر نفسه بالنسبة لأغنية و«بتتغير الدقايق» للشاعر نزار فرنسيس، فلا يمكننى غناء نص لا أحبه أو لا يشبهنى.
■ لكنك قدمت فى الألبوم مغامرة بلحن شرقى لأغنية «بتتغير الدقايق» للملحن ملحم بركات.. رغم أن الجمهور اعتاد على أسلوبك الكلاسيكى؟
- صحيح أن أسلوبى كلاسيكى نوعاً ما والجمهور أحبه، لكنى فى الوقت نفسه تربيت على الموسيقى الشرقية واللون الطربى، والفيصل بالنسبة لى فى أدائه هو إحساسى بالارتياح تجاه الجملة الموسيقية، وبالنسبة لأغنية «بتتغير الدقايق» شعرت وأنا أؤديها فى الاستديو أننى «مرتاحة كتير»، وكما خرجت منى محملة بالأحاسيس استقبلها الجمهور بسهولة، وهذا أسعدنى كثيراً.
■ هل تتوقعين أن تحقق هذه الأغنية - تحديداً - ما حققته قبلها «اعتزلت الغرام»؟
- بالتأكيد، وعندما أستمع لآراء الناس فى الأغنية فأجدها إيجابية جداً، وأعتقد أنها تزداد نجاحاً مع الوقت، لأنها تحتاج لسماعها أكثر من مرة لاكتشاف التفاصيل العديدة فى اللحن، والروح الشرقية الجميلة به.
■ لماذا اخترت صندوق المنح بالجامعة الأمريكية فى بيروت لتتبرعى له بإيراد الطبعة الأولى من الألبوم؟
- مسألة الدور الاجتماعى للفنان مفروغ منها، فأنا أغنى لأن الفن قدرى ورسالتى، وليس بهدف جمع المال، وتبرعت بإيراد الطبعة الأولى من الألبوم لصندوق منح الجامعة الأمريكية فى بيروت، لأننى أؤمن بالرهان على المستقبل، وبأن العلم هو وسيلتنا للانتقال إلى واقع أكثر تحضراً، يتجاوز هموم اللحظة وانقساماتها.
■ هل تتوقعين أن تسهم منحتك فى كسب الرهان على المستقبل؟
- أؤمن بقدرة الشباب على التغيير وصناعة المستقبل إذا نجحنا فى احتضانهم، وكل ما كنت أسعى إليه من تلك المساهمة أن احتضنهم إلى قلب الوطن بدلاً من تركهم لعتمة الغربة.
■ كيف اخترت أغنيات ألبوم «غزل»؟
- بصراحة لم أقع فى حيرة أثناء اختيار أغنيات الألبوم، رغم أن عدد الأغنيات التى اخترتها يفوق ما يمكن أن يستوعبه الـ«سى.دى»، لذلك فضلت أن أترك عدداً من الأغنيات لألبومى الجديد.
■ ما الآلية التى اخترت على أساسها أغنيات الألبوم؟
- الانسجام بين الأغنيات هو أساس الاختيار.
■ لماذا لجأت إلى تقديم أغنيات مقتبسة من الموسيقى العالمية.. وما سبب إعادة تقديم أغنية «سلونا»؟
- اقتباسى من الموسيقى العالمية يرجع لعدة أسباب، منهم رغبتى فى الانفتاح على الموسيقى العالمية، وإضافة بعد جديد للألبوم، أما إعادة تقديمى لأغنية «سلونا» فسببه أنها من ألحان والدى، وأردت أن أشركه فى ألبومى.
■ ماذا عن باقى أغنيات الألبوم؟
- قسمتها لنصفين، الأول أحاول من خلاله الوصول إلى جيل الشباب، والثانى سعيت لكى أحافظ من خلاله على تقاليد القصيدة العربية.
■ بمناسبة القصائد.. كيف ترين تجربتك مع كاظم الساهر؟
- بشكل شخصى أحترم كاظم جداً، ولا أنكر أننى أحب أن أتعاون معه دائماً، وتعجبنى جملته الموسيقية العربية، فهو صاحب مستوى رفيع فى الفن.
■ ما حقيقة استعدادك لتقديم دويتو غنائى معه؟
- لم نتحدث فى هذا الموضوع.
■ ماذا عن علاقتك بالشعر، خاصة أنك شاعرة ومتذوقة وحريصة على أداء القصائد؟
- الشعر نوع من الإحساس الصافى، فهو عبارة عن مشاعر تتجاوز الكلمات فتنساب شعراً، ولا أعتبر نفسى شاعرة، إنما إنسانة لديها بعض المشاعر عبرت عنها شعراً وغناءً.
■ ألا تخشين أن يحصرك تمسكك بغناء القصائد فى إطار النخبة المثقفة؟
- لا يوجد حاجز بين الجمهور والقصيدة منذ ردد الملايين مع أم كلثوم «الأطلال» و«أغداً ألقاك»، فضلاً عن قصائد أحمد شوقى التى غناها عبدالوهاب، وأنا أقدم للجمهور القصيدة التى أحسها وأتذوق معانيها، فتصل إليه دون حواجز، ولا أصنف نفسى أبداً باعتبارى مطربة للنخبة المثقفة، أو لفئة دون فئة، وكلامى هذا تثبته حفلاتى بامتداد الوطن العربى وخارجه، حيث ألتقى بكل شرائح الجمهور من حيث السن والثقافة والانتماء، لأجد الكل يتفاعل معى وأنا أغنى القصيدة وأنقل معانيها عبر الموسيقى والنغم.
■ لديك تجربة سينمائية واحدة من خلال فيلم «عودة الابن الضال».. فهل ستبقى السينما مجرد حلم بالنسبة لك؟
- هذا الأمر يمكن أن يصبح متاحاً على المدى القريب إذا تحسنت الميزانيات التى ترصد للأفلام السينمائية.
■ أفهم من كلامك أنك تنتظرين فيلماً بإنتاج ضخم؟
- بالتأكيد.
■ هل إصرارك على العمل فى السينما لأنها تخلد الفنان؟
- لا، لكننى أعرف ماذا يمكن أن أقدمه من خلال السينما، لأنها حلمى الأول وليس الغناء.
■ أشعر من كلامك أنك ظلمت نفسك من هذه الناحية؟
- ربما، كما أن الحرب فى لبنان قد تكون ظلمتنى، فهناك أفلام جيدة عرضت على لكننى لم أحسن تقديرها بالشكل المطلوب، من بينها فيلم مع أحمد زكى، فتعاملت مع الوقت على أساس أننى أملكه كله، لكن كان يجب أن أعرف كيف أتعامل مع اللحظة التى أعيشها، ومازلت أحلم بفيلم لبنانى على مستوى عال جداً.
■ أفهم من كلامك أنها دعوة للمنتجين؟
- بل أوجه الدعوة إلى نفسى، لكى أقتحم المجال وأضع القطار على القضبان.
■ ما سبب رفضك عرض أحمد زكى؟
- رفضته لأن السيناريو كان ضعيفاً، والراحل أحمد زكى هو الذى جعلنى أخاف منه، ويومها قال لى: «أنا بإمكانى أن أقدم كل يوم فيلماً، بينما أنت يمكن أن تكتفى بفيلم واحد، لذلك يجب أن تكونى راضية عنه تماماً»، لذلك اعتبرت أن السيناريو ضعيفاً، لكن كان يجب أن أفكر بأنه يستحيل على اسم بحجم أحمد زكى تقديم عمل إذا لم يكن يضمن هذه الخطوة بنسبة 80%.
■ لماذا لم تنتقلين للإقامة فى مصر مثل عدد كبير من الفنانين اللبنانيين؟
- لأننى أعيش فى لبنان مع أهلى، ولم أحرم من السفر إلى مصر بل زرتها كثيراً، وتوجد لدى صداقات كثيراً فيها، من بينها صداقتى للفنانة يسرا والدكتور جمال سلامة والإعلامى عماد الدين أديب، لكن بيتى فى لبنان، وهذا لا ينفى أننى أحب مصر كثيراً، فهى بلد جميل وأتمنى أن يحميه الله من المخاطر، وأن يبعد عنها شبح الحروب، لأن الحرب لا تليق فيها، مصر تشبه معهداً موسيقياً كبيراً، ومتحفاً فنياً رائعاً، ويجب أن تظل مفتوحة للسهر والحياة والفنانين والأعياد.
■ كيف ترينها فى زمن حكم الإخوان المسلمين؟
- لا أعرف، وليس لدى إجابة، لكننى أتمنى أن تكون متجهة نحو مستقبل أفضل.
■ هل أنت متفائلة بالمستقبل بعد الثورات العربية؟
- ليس على المدى القريب، وفى الأساس لا أعرف ماذا يحدث فى الدول العربية.
■ تقصدين أنها ليست ثورات؟
- لا أعرف ماذا أسميها، على أمل أن ينتهى بنا ما يحدث فى الدول العربية إلى مستقبل أفضل، لأننى لا أعرف إلى أين نتجه، فالحرب اللبنانية علمتنى أن أكون حذرة مع الأحداث، لأنها يمكن أن تبدأ على نحو معين ثم تتخذ أشكالاً أخرى، فهى انتقلت «من مالك إلى هالك إلى قباض الأرواح»، لذلك أتعامل مع الأحداث التى تجرى فى الوطن العربى بحذر شديد على أمل أن ينقلنا المستقبل إلى يوم أفضل، لذلك لا يمكننى أن أقول إن ما يحدث فى الوطن العربى شىء إيجابى.
■ بماذا يشعر الفنان عندما يتذكر الرؤساء الذين غنى أمامهم.. وهم اليوم مخلوعون؟
- لا شىء، سوى أنها إرادة الشعوب التى لابد من احترامها، على أمل أن ينتظرها مستقبل أفضل.
■ كيف ترين تكريمك من الرئيس التونسى السابق زين العابدين بن على قبل فترة وجيزة من الإطاحة به؟
- هو كرمنى كرجل دولة، فلا علاقة لى بالأشخاص بل بالدول.
■ هل تعلمين أن لديك جماهيرية كبيرة فى مصر؟
- نعم ، وأنا أحبه أيضاً، والشعب المصرى طيب ومكافح، يحترم الفنان ويحتضنه وتربطه بفنانيه مواقف تؤثر فىّ كثيراً، فمثلاً تم إنتاج عدد كبير من الأفلام عن الفنانين وعلاقتهم بالأغنية والجمهور، وأوجه تحية إلى الشعب المصرى لتعلقه بفنانيه، وعدم سماحه بالمساس بهم أو بأى رمز مصرى، وأنا أقدر كثيراً هذه الناحية.
■ ما الذى جعلك تصلين إلى هذا الحكم؟
- المصريون مميزون من هذا الناحية، حتى فى الفضائيات والتعامل مع ذكرى الفنانين وأعياد ميلادهم، الشعب المصرى عاطفى وحنون وأنا أقدره، إنه شعب فنان على جميع المستويات.
■ لو أُتيحت لك الفرصة حالياً هل من الممكن أن تعيشى فى مصر؟
- أحب مصر من كل قلبى، وفى الأساس جدتى لوالدتى مصرية وكل أخوالى تزوجوا فى بورسعيد، ووالدى ووالدتى كانا يعيشان فيها، وجاءت والدتى إلى لبنان بعد زواجها من والدى فى سنة 1951، وأشعر أن جزءاً منى موجود فى مصر، ومحبتى عظيمة جداً لهذا البلد.
■ كيف تنظرين إلى أزمة إلهام شاهين الأخيرة؟
- الهجوم على الفنانين غير مبرر، فالفن رسالة سامية، فيها موسيقى حلوة ومشهد جميل ووردة يقدمها الفنان للناس وكلمة طيبة يقولها لهم، كما أن الفن أبعد من دبابة أو مدفع أجلس وراءهما أو مسدس حقد أحمله وأطلق به النار، هذا ليس مسلكى ولا طريقى ولا أؤمن به ولا أحب الذين يسلكونه.
■ هل كنت تتمنين التواجد فى زمن آخر مثل أغلب الفنانين؟
- لا، لكنَّ هناك ملحنين كنت أتمنى لو أننى تعاملت معهم، من بينهم محمد القصبجى وكمال الطويل وبليغ حمدى.
■ كيف تتخيلين مسيرتك الفنية لو أنك تعاملت مع هذه الأسماء؟
- لو أننى ولدت فى ذاك الزمن، لكنت قدمت أفلاماً شبيهة بأفلام أسمهان وليلى مراد وغيرهما من المطربات اللواتى شاركن فى أفلام سينمائية، لأن هذا الوضع يناسبنى تماماً.
■ هل تعتبرين نفسك حالة خاصة بين الفنانات حالياً؟
- نعم، فأنا أشعر بأننى ماجدة الرومى، كما أن خطواتى الفنية مختلفة عن الأخريات.